الجنبية اليمنية أشهر الخناجر العربية الأصيلة، والعزيرية في الصدارة

محمد فرج المطري من صنعاء: تتربع الجنبية اليمنية على عرش الخناجر العربية الاصيلة، لتغدو أحد أبرز عناصر التراث والموروث الشعبي للمجتمع اليمني، كما كانت ولاتزال شيء أساسي من مكونات الزي التقليدي في الكثير من المناطق اليمنية، مكتسبة شهرتها من ثقافة المجتمع وتفاخره باقتناء السلاح الأبيض الذي اشتهرت عديد من مناطق اليمن عبر التاريخ بصناعته فتعددت أنواعها ومسمايتها.

إلا أن quot;الجنبية العزيريةquot; حاليا ومنذ عقود تحتل مركز الصدارة من بين مسميات ومصنفات الجنابي اليمنية الاخرى، ما جعل من شهرة الأخيرة تمتد -حسب الشواهد- لتتجاوز الحدود منذ سبعينات القرن المنصرم لجوانب ومميزات فنية في صناعتها يعرفها المهتمون.

وكالة الأنباء اليمنية (سبأ ) التقت كبير تجار الجنابي اليمنية حاليا عبدالله بن عبد الله العزيري الذي أوضح أن تجارة الجنابي متوارثة أبا عن جد بين أبناء عائلته ذائعة الصيت في مدينة صنعاء التاريخية، والتي ينسب تسمية الجنبية العيزيرية لهذه العائلة.

وأكد العزيري أن أجود جنبية عزيرية قد يصل سعرها إلى 10 ملايين دولار بعد سنوات قليلة حيث ترتفع القيمة حسب عمرها وقدمه، مبديا استغرابه من دهشة البعض بوصول سعر الجنبية المصنوعة من قرن وحيد القرن حاليا إلى 2 ملايين دولار.

وقال خبير الجنابي الذي التقيناه جالسا في quot;حانوتهquot; وسط حوانيت سوق quot;الملحquot; الشهير الشريان النابض بالحركة والحياة والحيوية لمدينة صنعاء القديمة، quot; إن سعر اللوحة التشكيلية يصل إلى أكثر من 5 أو 10 ملايين دولار، وعمرها الفني 200 - 300 سنة بينما يصل عمر الجنبية إلى أبعد من ذلك بكثيرquot;.

وأعتبر الجنبية المصنوعة من قرن وحيد القرن تعد quot;أغلى من الذهب لضمان ارتفاع قيمتها المادية كلما مرت السنون ودون أن تتأثر بإي من الظروفquot;. مؤكدا أن الجنبية ذات التاريخ سواء تلك التي في الخليج أو في سواها أصلها ومنبعها اليمن.

وأشار العزيزي إلى أن الدراسات والآثار تؤكد بأن للجنبية تاريخ عريق إذ وجدت منذ 6000 ألاف سنة، وأن النقوش والصور تظهر ملوك سبأ وحمير كشمر يهرعش وتبع وغيرهم متمنطقين بالجنابي.

ولفت إلى أن المرحلة الأولى لصناعة الجنابي بدأت حسب الشواهد باستخدام قرن الخرتيت( وحيد القرن) كمقبض للسيوف والخناجر قبل أن يتحول إلى الجنبية في عهد الملك أسعد الكامل.

ويربط العزيري الذي ورث مهنة صناعة الجنابي عن أبائه وأجداده الذين مارسوها من قبل أكثر من 1100 سنة، القيمة التاريخية والصحية والاجتماعية للجنبية بصناعة رأسها من قرن وحيد القرن.

وقال بهذا الخصوص: إن لقرن الخرتييت خصائص كبيرة كونه يكشف السم في الطعام اذا استخدم كإناء كما يستخدم في الكثير من العلاجات الطبية كما هو حاصل في الصين والهند وغيرها من البلدان.

ـ تاريخ الجنبية :

وحول تاريخ الجنبية اليمنية قال عبد الله العزيري إن الجنبية المصنوع مقبضها من (قرن الخرتيت) ليست وليدة اليوم بل أن لها تاريخ طويل وعريق وقد حدد عمرها الافتراضي حسب الشواهد بنحو 6000 ألف سنة وقد أظهرت النقوش والصور والأثار ملوك حمير وسبأ وهو يحملونها.

وحسب بعض الدراسات التاريخية فإن المستعرض لتاريخ الجنبية اليمنية يجد أنها قبل أخذ شكلها الحالي فإن رأس الجنبية( القرن )استخدم في المراحل الأولى كمقبض للسيف أوكخنجر وذلك حسب ماترويه القصص أن أحد الملوك ( الملك أسعد الكامل) كُسر نصل سيفه فأمر بأن يستخدم القرن في نصل أصغر من نصل السيف وهو (النصل) الحالي للجنبية.

بينما يذهب آخرون للاعتقاد بأن اخذ الجنبية لشكلها الحالي، وهو يجسد شكل quot;الهلالquot;، يعود إلى طقوس دينية كان اليمانيون الاوائل يمارسونها خلال فترات زمنية غابرة، إذ كانوا يعبدون إله القمر وهو إله الحب عند اليونان.

وكما هو معروف فأن شكل الجنبية اليمنية، يأخذ شكل الهلال في أكثر من جانب وزواية، ويتضح ذلك في انحناء الرأس (القرن) من جانبيه وامتداده من الاعلى إلى أسفل ما يعرف بquot;المبسمquot; الذي يتوج الجسم(النصل) ويلتحم به بمادة quot;اللكquot;، كما يتضح شكل الهلال في انحناء النصل.

وعن فترة دخول quot;قرن الخرتيتquot; إلى اليمن أشار العزيري إلى أن quot;اليمنيين كانو كثيري الهجرة والسفر إلى أفريقيا وكان من العادة أن يجلبوا شيئا معروفا من سفرهم يؤكد وصولهم إلى مناطق أفريقيا فكانوا يحضرون قرن هذا الحيوان كدلالة أكيدة أنهم كانوا هناكquot;.

ويقول quot; أظهرت المعالم الأثرية والنقوش استخدام هذا القرن بالذات عند الكثير من الملوك والوجهاء كأواني للشراب والطعام لماله من قدرة على كشف السم إذا وضع فيه الطعام أو الشراب، حيث كان يظهر على الإناء علامات وبقع تؤكد وجود سم في المشروب أو المأكول.

ويشير إلى استخدام قرن وحيد القرن في بعض الطقوس والاعتقادات لعلاج السحر وطرد الجان حيث تقوم محلات العطارة بدقه وطحنه لاستخدامه كبخور بدعوى أن رائحة حرقه كبخور مؤذية للجان مايدفعها للخروج من الأشخاص والمنازل المسكونة!.

ويحاول العزيري التدليل على هذا الجانب بذكر قصة حدثت قبل 40 سنة لأحد عمال جده بتعرضه للدغة ثعبان فأسرع الجد عبدالله بن محمد بن محسن العزيري ووضع رأس الجنبية(القرن) على موضع اللدغة وانتزع السم وهذه قصة متداولة ومشهورة عند الكثير من بائعي الجنابي.

كما حكى أيضا أن رجلا أصيب بالصرع وهو في السوق فجاء رجل شائب وأخرج جنبيته وكان رأسها من وحيد القرن (صيفاني) فخط حول الرجل ثلاث خطوط فتوقف الصرع وعاد الرجل لطبيعته!حسب ماقال.

شهرة الجنبية :

وكما هو معروف فقد تنامت شهرة الجنبية العزيرية وأصبحت من قبل ثلاثة عقود ونيف من الزمن تحديدا مضرب المثل للجنبية الصيفانية ذات الشهرة والقيمة المادية بل وتربعت على سائر أنواع ومسميات الجنابي الأخرى كالجنبية الصيفاني المنسوبة لأسرة بيت صيفان والأسعدي لأسرة أسعد وانتهاءا بالجنبية الكرك وهم من سبقوا في عمل وصناعة الجنابي.

وأوضح عبد الله العزيري أن quot;تلك الشهرة والمكانة للجنبية التي تحمل لقب أسرته والتي بدأت منذ السبعينات إلى الكثير من العوامل أبرزها أنها quot;الأكثر سرعة في التغير وطيب رأسها بما يفوق 10 أضعاف غيرها من المسميات الأخرى ذات الجودة والشهرةquot;.

ووصف quot;الجنبية العزيرية quot; بأنها quot;تمتاز بقطع (شكل) مميز وعمل مشغلي ويدوي يجعلها لافتة للإهتمام ومثيرة للجذب إضافة إلى انتقاء القطع المخصص للرأس من قلب القرن وهو مايجعل قيمتها تصل في أعوام قليلة بدءا من عام قطعها إلى 20 سنة أضعاف قيمتها الشرائيةquot;.

جنابي للرؤساء والملوك:

و حسب مايقوله العزيري والكثير من أصحاب هذه المهنة فقد أهديت هذه الجنبية التي تحمل إسم جد أل العزيري للكثير من الرؤساء والملوك والأمراء كرئيس الإمارات الراحل زايد بن سلطان والرئيس الراحل صدام حسين الذي إهديت له الكثير من الجنابي والملكين فيصل وفهد بن عبد العزيز والشيخ محمد بن راشد أل مكتوب أمير دبيquot;.

ويعد مركز العزيري حسب مايقوله خبير في الجنابي الحاج يحيى سريع (55 عاما) مرجعا للكثيرين من الناس في بيع وشراء الجنابي لتثمين قيمتها المستحقة.

وقال إن quot;الثمن الذي يقدره عبد الله العزيري لثمن أي من الجنابي يكون الفصل النهائي ولاجدال فيه كونه أصبح المرجع الثقة في اليمن على مر السنوات.

ولفت إلى أن قطع الجنبية بشكل أنيق ومنسق هو شرط أساسي لارتفاع قيمتها، مبينا أن ماعدا ذلك حتى لو طابت الجنبية فلن يكون لها ثمنا مرضيا لصاحبها.

كما تحدد القيمة المادية للجنبية من الوضعية التي قطع منها رأسها من القرن حيث أن القلب هو الأغلى والأطيب بينما يقل سعرها إذا كان القطع من الظهر أو الرأس ونحو ذلك.

ـ صناعة الجنبية:

وتمر صناعة الجنبية وفق مابينه العزيري بمراحل معروفة لدى صانعي الجنابي حيث تبدأ من رأسها بقطع القرن إلى أحجام محددة مابين 10 -12
سم وعرض 4 سم يليها نشر الرأس المقطوع بالقدوم ثم برده بمبرد يلي ذلك زراعة الرأس ثم كي قشرته الخارجية بالنار ثم تركيب النصل والحروف.

ـ قرون الجنبية:

وحسب العزيري فبالرغم من استخدام قرون حيوانات أخرى كقرن البقر الهندي والوعل وناب الفيل إلى جانب وحيد القرن في صناعة رؤوس الجنابي إلا أن الأخير ظل يحتل المرتبة الأولى بلا منازع من حيث القيمة المادية للجنبية أو من حيث سرعة طيب الجنبية الذي بدوره يرفع من ثمنها.

كما أن الثمن الذي يصل إليه سعر الجنبية من بقية القرون الأخرى لايعادل سوى ثُمن أو ربع سعرها اذا صنعت من قرن وحيد القرن مبينا أن ناب الفيل يحتل من حيث القيمة والشهرة المرتبة الثانية يليه قرن الوعل الأفريقي ثم قرن البقر الهندي.

ـ حظر قرن الخرتيت:

وتواجه صناعة الجنبية المصنوعة من قرن وحيد القرن مستقبلا مجهولا خاصة بعد الحظر الذي تفرضه الجهات المعنية هنا لاستيراده تجاوبا مع دعاوي دولية للحفاظ على هذا النوع من الحيوانات ومنع انقراضه في إشارة إلى عملية قتله في السابق لاستخراج قرنه وجلده الذي يستخدم في الكثير من الأدوية.

إلا أن دراسات صدرت مؤخرا عن منظمة الرفق بالحيوان قد أبطلت تلك الدعاوي مبينة أنه يمكن استخراج القرن من الخرتيت باستخدام مخدر دون أن يتسبب ذلك في موته، مشيرة إلى إمكانية نمو قرن جديد للحيوان بدلا عن السابق لاسيما عندما تكون نفسية الحيوان ومزاجه جيدا.

وعلى إثر ذلك طالب الخبير العزيري الجهات المعنية في اليمن السماح بدخول كميات ولو قليلة من القرون كما هو حاصل في العديد من الدول كالهند والصين لما يمثله ذلك من قيمة تاريخية للإنسان اليمني وجزءا من اعتزازه بتقاليده وعاداته.

ـ علاج الجنابي:

أما في شأن العلاجات والدهون المقدمة للجنابي فقد قلل العزيري من أهمية العلاج لقرن الخرتيت قائلا :إنه منذ أن يتم قطعه وهو صيفاني لايحتاج لأي علاجات عدا بقية تلك القرون.

وبين أن حرارة الشمس والمناطق الحارة وليس العكس تسرع في معدل طيب الجنبية في السنة مايعادل 20 سنة في المناطق الباردة.

وحذر في ختام كلامه من شراء الجنابي من الباعة المتجولين مهما كانت الدوافع تلافيا للوقوع في أعمال النصب والاحتيال.

ومهما يكن فإن تعدد أنواع الجنابي في اليمن وتعدد وظائفها واستخداماتها وموادها الخام وتفاوت اسعارها، لا يلغي أنها لاتزال تمثل جزأ أساسيا من مكون الشخصية اليمنية، ومبعث فخرها ؛ هذا الفخر الذي قد يجعل من اقتناء جنبية عزيري يوما ما أشبة بخاتم سليمان الذي يجلب الحظ لصاحبه وينقله من حالة الفقر المدقع إلى الثراء.