الكوت-العراق: مع أن باعة الصحف في واسط، 180 كم جنوب شرق بغداد، يلجأون إلى الترويج لها بنفس الطريقة التي يروج فيها باعة الطماطم لبضاعتهم إلا أنهم لا يستطيعون زيادة أعداد قرائهم ولا حتى العودة نسبة القراء التي كانت سائدة قبل شهر من الآن. ويشعر باعة الصحف بأسف على تردي أوضاعهم المعيشية، إذ أن نسبة مبيعات الصحف انخفضت بشكل كبير، الأمر الذي يدفع أغلبهم إلى التفكير بالبحث عن مهنة أخرى. ترى ما الذي يجعل القارئ المعتاد على الصحف عازفا عن الاستمرار على متابعتها؟ هل هي كثرة الصحف في البلاد؟ هل الأسعار هي التي اصبحت عائقا أمامه؟ أم تخلف الصحف عن أخبار الانترنيت والفضائيات؟

يقول صاحب مكتبة الرياضي في مدينة الكوت جبار عليوي إن quot;موجة كساد غير مألوفة تطال الصحف هذه الأيام حتى أصبحت نسبة المرتجع (الصحف غير المباعة) تتراوح مابين 40 ـ50 % يوميا للصحف الرئيسية وهي حالة غير مألوفةquot;.

ويضيف عليوي في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; أن quot;بعض الصحف ارتفعت أسعارها فبعد أن كانت تباع بسعر 250 دينارا أصبح سعرها الآن 500 دينار على الرغم من أن معظمها مثبت عليها السعر 250 ديناراquot;.

ويعتبر عليوي ارتفاع الأسعار quot;أحد الأسباب التي أدت الى ابتعاد القراء عن شراء الصحفquot;، مشيرا الى أن quot;القارئ الذي كان يشتري يوميا أربع صحف مثلا أصبح الآن يشتري صحيفة واحدة وأحيانا يشتري صحيفتين في بعض الأيامquot;.

ويعزو عليوي ارتفاع الأسعار إلى quot;تعدد شركات التوزيع في بغداد وإتباعها أسلوب المتاجرة الأمر الذي أدى إلى تراجع الإقبال عليهاquot;.

ويطالب جبار عليوي بـquot;إعادة الدار الوطنية للنشر والتوزيع التي كانت ترتبط بوزارة الإعلام إذ إنها شركة حكومية تأخذ على عاتقها مهمة توزيع الصحف كما كان سابقاquot; ويراه حلا quot;يصعب معه التلاعب بأسعار الصحف كما يحصل الآنquot;.

صحف للكسب المادي

لكن زميله مجيد جمعة الملا يعتبر أن quot;القراءة تختلف من شخص إلى آخر فهناك بعض الصحف كالصحف الرياضية مثلا نجد عليها إقبالا كبيرا خاصة إذا كانت هناك مسابقات رياضية سواء محلية مثل بطولة الدوري أو دولية في حين ينعدم هذا الإقبال تماما على صحف أخرى ويصل المرتجع فيها إلى 100 %quot;.

ويرى الملا أنه quot;أمر لا بد من الوقوف عنده بالنسبة لأصحاب تلك الصحف التي تخسر يوميا بلا شك بسبب قلة مبيعاتهاquot;، لافتا إلى أن quot;إصدار الصحف أصبح يتخذ منحى تجاريا لكثرة الإعلانات التي تنشر خاصة الإعلانات الحكوميةquot;.


ويعرب الملا عن أسفه quot;لأن هناك من يصدر صحيفة من أجل الكسب المادي وهو موضوع خطير لابد من الوقوف عنده وإعادة النظر فيهquot; حسب تعبيره.

ويقول محمد البدري، أحد باعة الصحف في المدينة الذي يتخذ من الرصيف مكانا له إن quot;كثرة إصدار الصحف دون ضوابط من شأنه أن يؤدي الى قلة الإقبال عليهاquot;. ويرى أن quot;غالبية الصحف تشترك في نفس العناوين والأخبار التي تنقلها أصلا من الوكالات الأمر الذي يجعل القارئ يكتفي بصحيفة واحدةquot;.

ويضيف البدري في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; أن quot;موجة الكساد التي طالت الصحف في واسط دفعتني للترويج لها عبر اقتطاف بعض العناوين المهمة وكتابتها على الورق وتعليقها على حائط مجاور لمكان عملي (رصيف الشارع)quot;، مشيرا إلى أن quot;هذا النوع من الترويج له فائدة أحيانا خاصة الأخبار التي تخص الرواتب والسلف والمتقاعدين والحصة التموينية كالزيادة أو النقصان فيها إضافة إلى بعض الأخبار الأخرى التي تمس المواطن مباشرةquot;.

لكن البدري يقول إن quot;طريقة الترويج هذه تصطدم بمطاردات الشرطة والبلدية فهم يمنعوننا من البيع على الرصيف بحجة رفع التجاوزات في حين أن هناك المئات بل الآلاف من حالات التجاوز التي لا يمكن التغاضي أو السكوت عنها وأصحابها يسيطرون على الرصيف تماما كما يتركون يوميا عشرات الأطنان من النفايات والقمامة التي تكلف البلدية جهدا كبيرا لإزالتها على العكس من باعة الصحفquot;.

قراء أخبار الرواتب والزيادات

أما زميله مهند رحيم فيقول quot;لقد صرنا مثل باعة الخضار حين يصيحون بأعلى أصواتهم للترويج لبضاعتهم مثلا (تعال جاي حمرة وقوية) في إشارة الى الطماطم، مضيفا quot;نحن لا نختلف عنهم فعلى سبيل المثال ننادي في بعض الأحيان عاليا (أخبار الزيادة بربع)quot;.

ويوضح رحيم quot;إنْ كان هناك خبر يتعلق بزيادة الرواتب أو إيقاف الزيادة أو توضيح مقدارها حسب الدرجات الوظيفية فنروج لذلك بهذه الطرق، أي اقرأ هذا الخبر بربع دينار والمقصود به أن سعر الصحيفة التي نشرته 250 ديناراquot;، مشيرا الى أن هذه الطريقة هي quot;الأسلوب الأنسب للبيعquot;.

لكنه يلفت إلى أن quot;ذلك لا يحصل باستمرار فمعظم القراء لا يكترث للأخبار السياسية، وليس له علاقة مثلا بأخبار الاتفاقية الأمنية، أو حتى قانون النفط والغاز أو أخبار الانتخابات على سبيل المثال، فهذا الصنف من القراء يهتم بأخبار الرواتب والزيادات والمنحquot;.

ويرجح رحيم أن quot;تكرار العناوين ومتابعة الأحداث في المحطات الفضائية والانترنيت من شأنه أن يؤدي إلى هذا التراجع، وما دامت الأخبار موجودة في الفضائيات فالمواطن يتلقاها سريعا كما هو الحال بالنسبة للانترنيت خلافا للصحف التي تتأخر في نشرها يوما أو ليلةquot;.

ويعتقد البائع الجوال حسين هادي أن quot;تضارب شركات توزيع الصحف في بغداد وتلاعبها ببورصة الصحف الرئيسة أدى إلى موجة الكساد التي طالت جميع الصحفquot;، مضيفا quot;أصبحت لا أبيع يوميا نصف الكمية التي كنت أبيعها قبل نحو شهر من الآنquot;.

صحيفة واحدة بدلا من أربع

ويقول هادي في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;طبيعة عملي التجوال في منطقة الأسواق لبيع الصحف لأصحاب المحال التجارية والمكاتب وموظفي الدوائر القريبة الذين تراجع العدد الأكبر منهم عن شراء الصحف. فالذي كان يشتري مني يوميا أربع صحف أصبح الآن يشتري صحيفة واحدة لأن السعر ارتفع إلى الضعف ما أثر سلبا على دخلي اليوميquot;.

ويضيف هادي quot;أفكر بترك هذه المهنة إذا استمر الحال على ما هو عليه لأنها أصبحت لا تسد حتى مصاريفي اليومية فكيف الحال وأنا صاحب عائلة كبيرة، بل المعيل الوحيد لها بسبب عجز والديquot;.

ولم يكن الشاعر عزيز الواسطي يتوقع أن quot;يصل الأمر بالثقافة إلى الحد الذي وصلت له الآن بعد أن صار بإمكان أي شخص أن يصدر جريدة أو مجلة بحثا عن الكسب المادي الذي يبتغيه من خلال نشره الإعلانات فيها وبالتالي بيعها بسعر كبير، الأمر الذي يدفع القراء ومنهم الأدباء والصحفيون إلى العزوف عن شراء الصحف وبالتالي العزوف عن القراءةquot;.

ويعتبر الواسطي في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; أن quot;الأمر ينذر بخطر كبير إذا لم تتدخل الدولة وتفرض سيطرتها على توزيع الصحف، أو تأسيس شركة لهذا الغرض تجعل هامش الربح بسيطا وبالتالي تعود أسعار الصحف الى ما كانت عليهquot;.

ويقول مؤرخ محافظة واسط عبد الرضا داود سليم إن quot;ارتفاع أسعار الصحف منعني من الإقبال على شرائها ففي السابق كنت أشتري نحو عشر صحف يوميا على حسابي الخاص لتدوين كل ما يخص المحافظة من أخبار، لكن الآن أشتري ثلاث صحف فقطquot;.

متهمون لكنهم أول الضحايا

ويقول المتعهد الرئيس لتوزيع الصحف في واسط غالب خميس في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;ارتفاع أسعار معظم الصحف إلى الضعف كان سببه شركتي (أكد والازدهار) وهما من الشركات الرئيسة لتوزيع الصحف في بغداد، الأمر الذي تسبب بزيادة أسعار الصحف علينا وبالتالي رفعنا السعر بشكل بسيط على أصحاب المكتبات الذين بدورهم رفعوا أسعار الصحف على القراءquot;.

ويوضح خميس أن quot;هذه السلسلة في الزيادات تسببت في تراجع كبير لمبيعات الصحف الذي سبب لنا انتكاسة كبيرةquot;.

ويتابع خميس أن quot;البعض يتهمنا بأننا السبب في زيادة أسعار الصحف لكن واقع الحال أننا أول الضحايا لأن شركات التوزيع تفرض علينا القبول بالمرتجع بمعنى أن الصحف التي لم تبع من قبل أصحاب المكتبات والباعة الجوالين ترجع علينا ونسدد ثمنها إلى الموزع الرئيس في بغدادquot;.

ويشير خميس الى أن quot;بعض الصحف فيها نسبة بسيطة من المرتجع يمكن قبوله من قبل الموزع الرئيس وهذه النسبة لا تزيد عن 10 % من كمية التجهيز للصحيفة، في حين أن هذا النوع من الصحف لا يزيد عددها عن ثلاث أو أربع صحفquot;.

ويضيف خميس أنه إلى quot;جانب هذا كله نتحمل يوميا ثلاثين ألف دينار أجور نقل الصحف من بغداد إلى الكوت يضاف لها أجور النقل الداخلي التي تتراوح مابين أربعة الى خمسة آلاف يومياquot;.

ويناشد خميس أصحاب شركات التوزيع quot;اعتماد آليات عمل منتظمة لا تسبب الخسارة لطرف على حساب الآخر من خلال اعتماد الاستبيان مثلا لمعرفة حاجة القراء إلى هذه الصحيفة أو تلك ليكون التجهيز وفق حاجة القراء مع الاحتفاظ بحق إعادة الصحف التي لم تبع الى المتعهد الرئيس دون أن يتحمل خسارتهاquot;.