الصحافيات الفلسطينيات يطمحن إلى تمثيل أكبر في نقابة الصحافيين

ميرفت ابوجامع من غزة: تعمل الصحافية الفلسطينية في بيئة محفوفة بالمخاطر والتحديات فما زالت النظرة المجتمعية لعمل المرأة في الحقل الإعلامي دونية، كجزء من إشكالية نظرة المجتمع للمرأة وخروجها بشكل عام إلى سوق العمل، و مخالطة الرجال، ولم تتأثر هذه النظرة حتى مع خوض الكثير من الصحافيات ميدان الإعلام وإثباتهن جدارتهن وقدرتهن على العمل وتحمل ظروفه الضاغطة.

وشهدت الفترة التي رافقت دخول السلطة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية خاصة مع إصدار صحف يومية وإذاعات محلية ومحطات تلفزيونية واهتمام الجامعات بافتتاح أقسام الإعلام، ما شجع الإعلاميات على دراسة الإعلام وخوض الميدان الذي كان لفترات سابقة حكرا على الصحافيين الرجال.

كل هذه المعطيات دفعت بالمرأة بقوة إلى اقتحام العمل الصحافي ومنافسة الرجال،وازدادت القوة لديهن بعدما شهدت فترة انتفاضة الأقصى التي انطلقت في العام 2000 وأصبحت فلسطين أكبر بؤرة للصراع والتوتر ومنطقة ساخنة مليئة بالأحداث المتلاحقة على مدار الساعة، ومسرحا لتنافس كثير من الفضائيات العربية والدولية لنقل الأحداث من هناك فأفسح لهن المجال لإثبات ذاتهن وجدارتهن في هذا الحقل إلا ان تمثيلهن في نقابة الصحافيين والحصول على عضويتها ما زال مطمح الكثيرات ومثارا لنقاش دائم بينهن وبين نقابة الصحافيين التي تعاني مشاكل جملة خاصة في ظل الانقسام السياسي ونشوء تكتلات حزبية تتحدث بلسانها.

مهنة البحث عن المتاعب

الإعلامية هبة عكيلة مراسلة قناة الجزيرة الفضائية في قطاع غزة وصفت العمل في الإعلام في فلسطين ب' مهنة البحث عن المتاعب وبحث المتاعب عنك 'مؤكدة أن الصحافي الفلسطيني يعمل في واحد من اخطر حقوق العمل الصحافي في العالم باعتراف جهات دولية مهتمة بالصحافيين، خاصة في ظل الاحتلال الإسرائيلي وانعكاسات ما يدور في الأروقة السياسية على الأرض والوضع الداخلي المأزوم من ناحية أخرى.

واستعرضت عكيلة في ورشة عمل نظمتها جمعية المرأة المبدعة ونقابة الصحافيين الفلسطينيين برعاية الاتحاد الدولي للصحافيين في مدينة غزة، تجربتها في العمل الإعلامي والصعوبات التي تواجه الإعلاميات الفلسطينيات بشكل عام، بدءا من عدم تقبل المجتمع لفكرة عمل المرأة في مجالات كثيرة وعمل الصحافية احدها والتمييز بين الإعلامية والصحافي وتشكيك الكثير في قدرات الإعلامية وقالت :' المجتمع كان يستهجن خروج المرأة للعمل في حقل الصحافة لاضطرارها للتعامل مع فئات واسعة من المجتمع و البحث في مشاكل متشعبة منها الاجتماعي و الاقتصادي و وصولا إلى السياسة و خفاياها و اشكالياتها و العمل لأوقات طويلة و غير محددة لتلبية متطلبات الأحداث و تطورها، موضحة أن هذه الإشكالية الأولى تكمن في طبيعة هذه المهنة و مدى ملاءمتها حسب نظرة المجتمع للمرأة سواء كانت متزوجة أو لا،ومدى تقبل من تتعامل معهم الصحافية، مشيرة إلى أن سكان المناطق الشعبية و الأقل انفتاحا يرفضون التعامل مع الصحافية والحديث معها، مفسرة ذلك اعتقادهم بأنها كونها امرأة غير قادرة على إيصال معاناتهم، مشيرة إلى أن حتى المتعلمين والمثقفين يقللون من قيمة عمل الصحافية ما يزيد من التعقيدات التي تواجه عملها.

وقالت عكيلة :' إظهار تفوق الصحافية في مجالها على الرجل يشكل أزمة عند البعض والبعض الآخر يبدي استخفافا بكفاءة المرأة وقدراتها المهنية، مشيرة إلى أن الصحافيات المبتدئات أكثر من يعانين في الميدان وقد يؤدي ذلك إلى تراجعهن عن متابعة العمل الصحافي ما يؤثرفي تطورهن وتقدمهن في هذا المجال '

وعن واقع الإعلاميات داخل النقابة قالت عكيلة إن إشكاليات النقابة كبيرة ومتداخلة خاصة بعد أحداث حزيران وسيطرة حماس على قطاع غزة مما ترك بصماته على أهمية دور النقابة في دعم الصحافيين أو حمايتهم ومساندتهم وترتب عليه محدودية اشتراك الصحافيات في العمل النقابي.مؤكدة أن الصحافيات يواجهن متاعب أضعاف ما يواجه الصحافي.

ودعت إلى تفعيل دور النقابة لتصبح جسما حقيقيا وقويا وجامعا لكل الصحافيين ويوفر الحماية اللازمة للعاملين في هذا المجال لان ذلك سينعكس على واقع الصحافيات.

تمثيل متدنٍ في النقابة

الصحافية والباحثة هداية شمعون لخصت واقع الصحافيات بالارقام مشيرة الى اننصف الصحافيات العاملات في قطاع غزة والبالغ عددهن 100 صحافية تركن موقعهن الإعلامي حتى أكتوبر 2007،بسبب أحداث حزيران وتداعيات سيطرة حماس على قطاع غزة والانقسام والاقتتال الداخلي، مؤكدة أن بيئة العمل الصحافي للإعلاميات من حيث الوظائف والرواتب غير آمنة وقالت :' إن 49% من الصحافيات لا يعملن بعقود عمل و22% يعمل بعقد عمل دائم والنسبة نفسها يعملن بعقد عمل مؤقت و6.8 من الصحافيات متطوعات، وأشارت إلى ان 84.7 % من الصحافيات ليس لديهن عضوية في نقابة الصحافية و15.3 % من حصلن على عضوية النقابة فقط و15 إعلامية فقط حاصلة على عضوية دائمة في النقابة من مجموع 213 عضوا في النقابة دائمين حتى عام 2003 ' هذه الأرقام استعرضتها شمعون في إطار مسح أجرته للعاملات في وسائل الإعلام الفلسطينية من بداية العام 2006.مؤكدا أن هناك تراجعا حادا ومخيفا لمسيرة الإعلاميات الفلسطينيات له تأثير على تقدمهن المهني ويضفي المزيد من الأعباء عليهن خاصة في قطاع غزة.

تاريخ ونقابة تهمش الصحافيات

الكاتبة الصحافية دنيا الأمل إسماعيل مديرة جمعية المرأة العاملة في غزة،تحدثت عن بداية مساهمة المرأة في الإعلام الفلسطيني، منوهة بأن هذه المساهمة ازدادت بعد دخول السلطة الفلسطينية إلى غزة والضفة عام 1993 وإنشاء محطات إذاعية وصحف يومية وقناة تلفزيونية،مشيرة إلى أن التاريخ الفلسطيني همش الصحافيات الأوائل اللواتي عملن في الحقل الإعلامي امثال فاطمة البديري وكوثر النشاشيبي وزاهية عنابي،ومازالت المعلومات المتوفرة عنهن قليلة داعية إلى ضرورة البحث في كتب التاريخ عن تاريخ النساء في هذا العمل تحديدا،

وأكدت اسماعيل أنه على الرغم من المحاولات، التي بذلتها بعض الصحافيات في البحث عن دور داخل النقابة وتفعيل أدائها المهني والمطلبي، إلاً أنهنّ كنّ يواجهن العديد من المعيقات، منها ما يتعلق ببنية النقابة الحزبية ومنها يتعلق بالمؤثرات الثقافية والاجتماعية والسياسية، التي رافقت مهنة الصحافة برمتها وبعمل الإعلاميات على وجه التحديد، كالقبول المجتمعي، واختيار الوسائل وإقصائها من المساهمة في الفعاليات المتعلقة بالإعلام وعدم الإيمان بقدرتها على العمل والابتكار والتجديد، والخوف من سحب بعض الامتيازات التي حصل عليها بعض الصحافيين داخل النقابة.

مشيرة إلى أن النقابة تهمش الصحافيات ولا تشركهن في أي تشاورات تتعلق بالوضع الانتخابي للنقابة سواء في غزة أو الضفة، وجميع الاتصالات تعتمد طريقة الكولسة واللعب من تحت الطاولة، لافتة ان هناك إصرارا واضحا على إبقاء الصحافيات مجرد أدوات وورقة يلوح بها عند الحاجة الذكورية وفي اللحظة الأخيرة؛ وقالت :' إن ذكورية مجلس النقابة لا تعفيه من القيام بمسؤوليته في إحقاق حقوق الإعلاميات، وأن لا يكونوا هم أنفسهم انعكاساً لصورة المجتمع في تعامله مع المرأة.

وأكدت إسماعيل أن آليات تفعيل دور الصحافيات يتطلب الاعتراف والإيمان بقدرات المرأة ومهنيتها وجدارتها في التمتع بالحقوق والامتيازات التي يكفلها العمل النقابي والقانوني ومبادئ حقوق الإنسان والمرأة على أرضية المساواة بين الجنسين وتحقيق حقوق الصحافيات على مبدأ العدالة ونبذ سياسة التمييز،

وطالبت إسماعيل النقابة بإصدار بيان صحافي يؤكد حقوق الصحافيات في العمل النقابي ودعوتهن إلى المشاركة بالترشح والتصويت في انتخابات النقابة القادمة، مع ضمان توفير الفرص المتساوية بين الجنسين في الانتفاع بالحقوق والامتيازات؛والعمل على تعديل النظام الداخلي والنقابي وميثاق الشرف الصحافي بمشاركة عادلة للصحافيات والعمل بنظام الكوتا النسائية في عضوية مجلس النقابة كإجراء موقت لحين تنامي البيئة المهنية والقانونية والاجتماعية المناسبة.

وانتقدت صحافيات مماطلة النقابة في دراسة العديد من ملفات الصحافيات اللواتي تقدمن بها للحصول على عضوية النقابة، تجاوزت سنوات عديدة، فضلا عن الشروط المجحفة والمعايير التي تمنح بناء عليها العضوية ومنها سنوات الخبرة الطويلة وعقود العمل،مطالبات بفتح باب العضوية أمام الصحافيات وتمثيل اكبر لهن داخل النقابة،

سيادة ذكورية وإقصاء مقصود

أما الصحافيين الذكور الذين يشكلون أكثر من 80% من عضوية النقابة يؤكدون على السيادة الذكورية على النقابة والتمييز ضد الصحافيات فيها.

فيقول الكاتب الصحافي توفيق أبو شومر ان الإعلام الفلسطيني يخضع إلى سيادة الذكورية في مؤسساته الإعلامية مشيرا إلى أنها تفضل الذكور على الإناث في عمل الإعلامي، نافيا أن يكون سبب ذلك ضآلة كفاءة الإعلاميات وإنما البيئة المجتمعية التي لا ترغب هذا المجال للمرأة لاختلاطها بالرجال والفئات المختلفة من المجتمع فضلا عن أن مالكي وسائل الإعلام يحبذون التعاقد مع المرأة الإعلامية لان ذلك سيتبعه التزامات بنظام الوظائف والعقود التي تبيح للمرأة التمتع بإجازات الولادة والمرض مما يعرضهم لخسارة.

وكذلك قلة مجالات الإعلام الفلسطيني إذ ينحصر في عدد من الصحف الورقية ومحطات فضائية وإذاعات حزبية وأخرى خاصة.

ودعا أبو شومر الإعلاميات إلى تشكيل جمعية خاصة بهن لتوعية المجتمع بدور المرأة الإعلامية، وتغيير الصورة النمطية المشهورة للنساء الإعلاميات.

الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أوضح أن الأزمة السياسية والحصار وعدم توفر الوقود أثرفي قدرة الصحافيات على التنقل، مشيرا إلى انه رغم صعوبة الأوضاع والتحديات أمام الإعلاميات إلى أن عدد الصحافيات العاملات في تزايد مستمر ويعكس نجاح الكثير من الصحافيات في تحمل أعباء العمل والاجتهاد في تطوير ذاتهن وتقديم أداء أفضل ومتميز، وأكد أن الصحافية الفلسطينية أثبتت قدرتها على العمل في أصعب الظروف واستعدادها للتحدي وتحمل النتائج وضرب مثالا بالصحافيات العاملات في الفضائيات.

وتحدث الصحافي موفق مطر وعضو نقابة الصحافيين أن نقابة الصحافيين تواجه جملة من المشاكل منها انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافيين والانتهاكات على المستوى المحلي من قبل الأجهزة الأمنية إضافة إلى رفض بعض وكالات التلفزة والوكالات الى توقيع عقود عمل للصحافيين، منوها بأن واقع النقابة ما هو إلا انعكاس لحالة التردي والانهيار الفكري والثقافي والانشقاقات السياسية التي لامست أعماق كينونة الفرد في المجتمع الفلسطيني،

وأقر مطر بان النقابة ذكورية بامتياز، حالها كحال مؤسسات المجتمع الفلسطيني الرسمية الحكومية وغير الحكومية، رافضا اعتماد مشاركة الصحافيات في نقابة الصحافيين بنظام الكوتا، وقال' لا نميل من حيث المبدأ إلى أخذ ' الكوتا النسائية ' كقانون طبيعي لتكوين وتركيبة المجالس القيادية،، ويضيف :' الكوتا برأينا الخاص هي نتاج نظرة موروثة مازالت تعتبر المرأة كيانا ضعيفًا يحتاج للوصاية حتى النهاية '.

اعتذار وإقرار بالتقصير

نقابة الصحافيين وعلى لسان الصحافي صخر أبو عون عضو مجلس إدارتها ومدير مكتب الوكالة الفرنسية في غزة، أقرت بأنها مارست إجحافا وتقصيرا بحقوق الصحافيات خلال الفترة الماضية، وقدم ابو عون اعتذارا للصحافيات، متعهدا لهن بذل الجهود اللازمة لفتح باب العضوية والإسراع في إجراء الانتخابات وإنجاز العملية الديمقراطية لاختيار مجلس نقابة جديد خلال فترة قصيرة، مشيرا الى تطلع النقابة إلى إثراء المشاركة النسوية في المسيرة الصحافية مهنيا ونقابيا وستترجم ذلك إلى خطوات عملية في المستقبل القريب لتثبيت تمثيل نسوي في مجلس النقابة القادم '.

أطلقن قدراتكن القيادية

جدير بالذكر ان الورشة يرعاها الاتحاد الدولي للصحافيين ضمن سلسلة ورش تعقد في عدة دول عربية في أطار حملة ' 'أطلقن قدراتكن القيادية'. وفي كلمة لإيدن وايت السكرتير العام للاتحاد تلتها عنه الكاتبة الصحافية دنيا الأمل إسماعيل، بين فيها أن ما شهدته منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تحولات اجتماعية واقتصادية مهدت الطريق بشكل أفضل لتحسين مساواة النوع الاجتماعي بالنسبة إلى الصحافيين، منوها بأن التنامي المتسارع لعدد النساء الصحافيات لا يعكس تمثيلا اكبر لهن في قمة المهنة وأماكن صنع القرار '.

وقال:' إن عضوية النساء في نقابة الصحافيين في فلسطين، لا يكفي وإنما يجب أن يسمع صوتهن ويستفاد من قدراتهن ومواهبهن في قيادة الحركة النقابية '.مشيرا إلى أن الحملة التي ينظمها الاتحاد بعنوان ' شريكات في القيادة النقابية' لاقت تأثيرا على المستوى الوطني لدى العديد من الدول العربية التي عقدت فيها ندوات بهذا الخصوص، لافتا إلى أن الإعلاميات بدأن التصعيد من اجل المطالبة بحقوقهن.

وأضاف ايدن ' لن يكون هناك أداء صحافي يفتخر به في الوقت الذي تعاني فيه الصحافية والإعلامية من التمييز والتنميط والأحكام المسبقة داخل قطاع الإعلام.