كامل الشيرازي من الجزائر: يحرص سكان الأرياف بمنطقتي النعامة وعين الصفراء (أقاصي جنوبي غرب الجزائر) على ترويج الرقصة الاستعراضية الشهيرة المسماة الحيدوس بوصف الأخيرة من أبرز صور الفولكلور الشعبي المحلي، ويحرص عرّابو الحيدوس على توريث تراث الحيدوس إلى طلائع الجيل الجديد خوفا على هذا الإرث الصوفي الأبعاد من الضياع والاندثار.

عادة ما تكون حفلات الزفاف موعدا لهؤلاء القرويين لممارسة رقصتهم المفضلة، ويروي جزائريون مخضرمون كيف أنّ الأعراس منذ الزمن القديم كانت عنوانا احتفاليا كبيرا لـquot;حضرة الحيدوسquot;، واشتقت هذه التسمية من أصل اللفظ الأمازيغي quot;أحيدوسquot; ويُقصد بها حلقات الرقص المنسجم مع مقاطع الغناء التراثي المحلي الذي تحتفظ به الذاكرة الشفوية، ورقصة quot;الحيدوسquot; معروفة أيضا لدى سكان الأرياف بكونها نمط حركي يتداول عليه أي شخص من المتفرجين، ويحق لأي واحد من الحضور أن يستخلف أحد الراقصين، شرط أن يكون على دراية بطريقة التعبير الجسدي واللغوي، وحافظا للقصائد الشعبية المتداولة، ومحترما للإيقاع الريتمي للرقصة.
وquot;الحيدوسquot; هو أيضا فن عريق و لون استجمامي مرح يؤدى بل ويتقنه حتى العامة من سكان قصور الواحات الواقعة بسلسلة الأطلس الصحراوي الغربية في الجزائر، ويُلاحظ شيوع رقصة الحيدوس وشعبيتها الجارفة، حيث تبرز كفقرة أساسية في مختلف مراسيم العديد من أفراح الزفاف المنظمة بولايتي النعامة وعين الصفراء.

ويقول الباحث quot;علي نابتيquot; المتخصص في فنون الفلكلور الثقافي الجزائري، أنّ رقصة الحيدوس الشعبية ذائعة الصيت في المناطق المتاخمة للمملكة المغربية، والعديد من ولايات الجنوب، ويلفت إلى أنّ الأمر ظل راسخا عبر عدة حقب متلاحقة، كما يشير نابتي علي إلى أنّ رقصة الحيدوس تتسم بتنوع طبوعها من منطقة الغرب مرورا بالوسط وحتى بجبال الأوراس والقبائل الصغرى، أين لا يزال هذا اللون الفني ممارسا.

ويرى أعضاء في فرق الرقص الفولكلوري بغرب وجنوب الجزائر، أنّ رقصة quot;الحيدوسquot; مرشحة للمحافظة على وجودها العريق، حيث تعدّ مصدرا للمتعة في حفلات الأعراس، إذ تخطف أبصار آلاف الشغوفين بمتابعة تلك اللوحات الفنية الشائقة والاستماع إلى قصائد راقية ذات معاني عميقة زاخرة بالحكم والأقوال المأثورة، ويوضح الراقص quot;بلحمياني بهليلquot; (44 سنة) أنّ رقصة quot;الحيدوسquot; عُرفت عند القبائل المحلية كالعمور والحميان منذ القدم، وبحسبه فإنّ الحيدوس محض إبداع ارتجالي في الأصل، تشترك فيه المرأة والرجل على حد سواء، وتقدم فيه قصائد ومواويل باللهجة المحلية تحتفظ بها الذاكرة الجماعية للمنطقة وتشتهر تلك الرقصة في أفراح الأعراس وخلال المواسم الشعبية كالوعدات.
وللدلالة على حضور رقصة الحيدوس بقوة في المجالس المحلية، يروي سكان أنّه لم يسبق لهم أن حضروا عرسا بمناطق الجنوب لم تؤدى فيه تلك الرقصة ولم تردّد معها مقاطع غنائية أبدعها quot;شيوخ الكلامquot; كما يصفهم أهل المنطقة، وهؤلاء الشيوخ هم الذين أنتجوا مقطوعات شعرية تقدم وفقا لحركات راقصة ومعبرة بهز المناكب وتحريك الأرجل والأيادي وسط صفين متساويين من الرجال والنساء في أبهى صورة يمكن أن تلتقطها العين وفي أحلى نغم يمكن أن تصغي إليه الآذان.
ويلتقي دارسون في كون quot;الحيدوسquot; رقصة أصيلة يمارسها الشيوخ ويشارك فيها الشباب وهم يلبسون زيا تقليديا خاصا يتشكل من العباءات والعمائم وأحزمة سوداء عريضة يرتديها الراقصون لتساعدهم على الحركة بسهولة، أما النسوة فيرتدين الإزار المزركش وسترة الرأس الزاهية الألوان ورباط في منتصف الجسم، كما يراعى في أداء الرقصة توفر الرشاقة والخفة في الحركة والانضباط والانسجام لدى كافة عناصر المجموعة المؤدية.

وتمتاز رقصة الحيدوس بضرب الأرجل بالأرض، ومصاحبتها بالتصفيق وإيقاع الدف والطبل دلالة على العنفوان والرجولة، كما ترافقها أغاني معبرة عن عشق الإنسان لعشيرته وأرضه و مواشيه، كما تتضمن كلمات الأغاني أيضا الترحيب بالعائد من السفر وفيها مدح أولياء الله الصالحين والسابقين من المتصوفين، مثلما تتناول أيضا ذكرى الحبيب وتذكر أوصافه وجماله وخصاله وفيها الفخر بالوالدين والتغني بالخيل والبارود والفروسية، وتفاصيل عن الحياة في البادية واهتمامات الإنسان هناك وحديث عن حب الوطن والدفاع عن مقوماته وغيرها من المواضيع.
وتبقى رقصة الحيدوس تراث شعبي جزائري نفيس بقيمته الجمالية والفنية الكبيرة، ويظل بعيون مبدعيه تحفة حقيقية من الفولكلور المحلي العريق، لكنّ قطاع غير محدود يبدون مخاوفهم مما يتهدّد الحيدوس من مخاطر الزوال، لقلة الجهود المبذولة لتجميعه وتدوينه أو إنشاء فرق موسيقية تعمل على إعادة إنتاج النصوص الشعرية لهذا الفن أو تتولى تكوين راقصين شباب في ضروب الحيدوس