بائعوها كثيرون وزبائنها قليلون.. أوراق اليانصيب طريق الحالمين بالملايين
الكوت: الأولى عندي.. الملايين معي.. تعال واربح الملايين.. بهذه الصيحات العالية التي تنتشر في الأسواق العامة والشوارع الرئيسة، يسعى باعة بطاقات اليانصيب في محافظة واسط لجذب انتباه زبائنهم من الباحثين عن أحلام الفوز واقتناء الملايين، بمجرد شرائهم لبطاقة بسعر بسيط، بينما يسعى الفائزون بالبطاقة الرابحة إلى عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الحسد، أو للتهرب من دفع إكرامية بائع البطاقة الرابحة واحراجاته التي تلاحقهم طلبا للحصول على حلاوة الكسب.
رحلة اليانصيب.. لها تاريخ
الرحلة مع اليانصيب والبحث عن الجائزة الأولى لم تكن وليدة اليوم، إنما بدأت في عقد الخمسينيات من القرن الماضي مع يانصيب إنشاء المستشفيات، مرورا بيانصيب الهلال الأحمر، ثم الإغاثة، فالرافدين، بعدها يانصيب الشباب والموحد، انتقالا إلى يانصيب كردستان، فمعرض بغداد، واللوتو والتوتو، وامسح واربح، واليانصيب الخاص بجائزة يوم المحافظة، وغير ذلك من فرص الفوز بجائزة اليانصيب الأولى التي تتجه نحوها أنظار المشترين للبطاقات الخاصة بهذه السحبة أو تلك، لكن هذه الجائزة تكون من نصيب شخص واحد فقط، وفي الغالب يكون مجهولا للجميع، لكنه بالتأكيد من أصحاب الحظوظ الكبيرة.
يانصيب الواسطي بدلا عن يانصيب بغداد
يقول أقدم باعة بطاقات اليانصيب في محافظة واسط، جبار عليوي في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;أقدم نوع لليانصيب بدأ منذ منتصف الخمسينيات، وهو يانصيب إنشاء المستشفيات، وكان عبارة عن بطاقات طرحتها الحكومة حينها ليعود ريعها لبناء المستشفيات، وكان مقدار الجائزة الأولى، 7500 دينار، في حين كان سعر بيع البطاقة الواحدة، 250 فلس، أي ربع دينارquot;.
ويضيف عليوي أن quot;عدد البطاقات التي كنا نبيعها في ذلك الوقت لم يتجاوز مائتي بطاقة، في حين نبيع الآن أكثر من عشرين ألف بطاقة، حسب نوع الجائزة ومقدارها، وفي السابق كانت القرعة مركزية تجرى في بغداد، والآن نجري القرعة في الكوت، حيث قمنا بفتح يانصيب خاص بمحافظة واسط، أسميناه يانصيب الواسطي ليكون بديلا عن يانصيب بغدادquot;.
ويوضح عليوي أن quot;اليانصيب السابق كانت بطاقاته توزع في كل محافظات العراق، وبأعداد كبيرة، مما يعني أن فرصة الفوز بالجائزة الأولى تكون ضئيلة، لكن في يانصيب الواسطي فإن عدد البطاقات قليل، ولا يزيد عن عشرين ألف بطاقة في كل الأحوال، وتجري السحبة أمام أنظار الجميع مما يبعد الشكوك والاعتقادات السائدة عند البعض أن صاحب اليانصيب أو اللجنة القائمة عليه تحجب الجائزة الأولى أو تمنحها لأحد معارفهاquot;.
ويؤكد شريكه في يانصيب الواسطي مجيد جمعة أن quot;من ايجابيات هذا اليانصيب أن جوائزه كلها تذهب لأهل المحافظة، وهي جوائز أسبوعية تكون الأولى فيها أربعة ملايين دينار عراقي، وفي بعض المرات تكون مليون دينار لكن هناك جائزة أو سحبة شهرية غالبا ما تكون في المناسبات، وتصل جائزتها الأولى إلى عشرة ملايين دينارquot;.
ويضيف جمعة أن quot;اليانصيب يحتاج إلى غطاء مالي، فربما لا يتم تصريف البطاقات المطبوعة كلها عند انتهاء موعد السحبة، كما كان يحصل في السابق خاصة في اليانصيب الحكومي مثل معرض بغداد وغيره، وبالتالي يصار إلى إتلاف البطاقات الزائدة قبيل إجراء القرعة، ويكون ذلك أمام لجنة خاصة، كي تكون تلك البطاقات خارج السحبةquot;.
إكرامية البائع أهم شيء
ويتابع جمعة القول إن quot;الأمر، في الوقت الحاضر، مختلف تماما، فنحن نطبع عددا محددا من البطاقات، كأن يكون خمسة آلاف أو عشرة آلاف بطاقة، وتجري السحبة بعد الانتهاء من بيع البطاقات كلها دون أن نلتزم بموعد محدد للقرعة، لان زبائن هذه البضاعة التي تعتمد على الحظ أصبحوا قليلين، وربما يكون عدد البائعين أكثر من المشترينquot; مشيرا إلى أن quot;سعر البطاقة يختلف حسب عدد البطاقات ونوع الجائزة فالحد الأدنى لسعر البطاقات حاليا، هو 250 دينار والحد الأعلى ألف دينارquot;.
ويوضح جمعة الذي يشرف على إجراء السحبة أن quot;إجراء السحبة يتم باختيار أشخاص بشكل عشوائي، كي نبعد الشكوك عن المشتركين بتزوير البطاقات الرابحةquot;، ويضيف أن quot;السحبة تتمثل بوضع كرات صغيرة تحمل كل واحدة منها رقما أحاديا داخل علبة أو مغلف من الكارتون أو صندوق من الحديد المشبك، ولا بأس أن يقوم بهذه المهمة أكثر من شخص، إذ يسحب كل واحد كرة ثم ترتب الأرقام التي حملتها الكرات التي تم سحبها، فنحصل على الرقم الفائز بالجائزة، وهذا سر نجاحنا وكسبنا لثقة الزبائنquot;.
ويبين جمعة أن quot;الجدوى الاقتصادية لهذا اليانصيب تأتي أولا من الإكرامية التي يقدمها الفائز للبائع، وهي أهم شيء بالنسبة لنا، وهذه الإكرامية محددة بنسبة معينة فالذي يبيع البطاقة الفائزة يحصل على نسبة بسيطة من جائزتها يعطيها له البائع، فيما نمنح للباعة الجوالين نسبة 20% من سعر البطاقة، فإذا كانت البطاقة تباع بسعر ألف دينار نعطيها للبائع بسعر، 800 دينار ومقدار أرباحه يتناسب طرديا مع عدد البطاقات التي يبيعها إضافة إلى ما يحصل عليه من إكراميات، في حال فازت إحدى البطاقات التي باعهاquot;.
وليمة الفوز
ويتذكر قاسم الطائي، وهو أحد المتابعين لليانصيب في واسط منذ ستينيات القرن الماضي، أول الفائزين بالجائزة الأولى في المحافظة، ويحرص كثيرا في الوقت الحاضر على حضور عملية السحب التي تتم من قبل لجنة يانصيب الواسطي.
يقول الطائي لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;اليانصيب عالم حافل بالأسرار والخفايا، ولعل من أهم أسراره في الوقت الحاضر انه من النادر جدا أن نعرف من هو الفائز بالجائزة الأولى، فهناك اتفاقات ومواثيق يلتزم بها الباعة ويعتبرونها من أخلاق المهنة وفي مقدمتها عدم البوح باسم الشخص الذي يفوز بالجائزة الأولى، بينما في السابق كان الفائز معروفا للجميع ويعلن فوزه أمام أهل المحلة حتى يتقاطرون على منزله للتهنئةquot; ويضيف quot;وإذا كان مبلغ الجائزة كبيرا، فإنه يقيم لهم وليمة بالمناسبةquot;.
الجيل القديم على quot;نياتهمquot;
ويعد الطائي هذه الحالة مفارقة كبيرة بين الجيل الجديد والجيل القديم الذي يصف ابناءه بالقول بإنهم quot;على نياتهمquot; أي أنهم يتصرفون على سجيتهم، أما quot;الجيل الحالي فله سلوك خاص وطريقة مختلفة في التعامل، وهم في الغالب أكثر دهاء من الجيل القديمquot;.
ويضيف أن quot;أول الذين فازوا بجائزة اليانصيب في واسط كان شخصا يدعى كبسل، وكان صاحب فرن لإنتاج الكعك، وفاز وقتها بمبلغ ألف دينار، أما أقدم باعة بطاقات اليانصيب في الكوت فهو جبار أبو ستار وهو صاحب مكتبة صغيرة في سوق شتيب بمدينة الكوت، وعبد الرضا صاحب مكتبة السعادة في محلة المشروع، وعبد عيدان، وضعيف وكريم خيون، وأبو تحسين، ومجيد جمعة وآخرون غيرهمquot;.
ويشير الطائي إلى انه quot;اشترى أول بطاقة خلال عقد السبعينيات من القرن المنصرم بسعر، 125 دينار، عن نصيب الرعاية الاجتماعية وكانت تحمل الرقم ( 101035 ) وكان مقدار الجائزة الخاصة بتلك السحبة ثلاثون ألف دينارquot; يقول أنه quot;يحتفظ بتلك البطاقة لحد الآن، رغم أنه لم يفز بأي جائزة من جوائز اليانصيب، لان المسألة قسمة ونصيبquot; كما يصفها.
البائع ذو الفأل السعيد
يقول أحد باعة بطاقات اليانصيب الجوالين في مدينة الكوت، ضياء القريشي لـquot;نيوزماتيكquot; quot;أقوم ببيع البطاقات منذ أكثر من أربعة أعوام، كما أبيع الصحف بجانبها أيضاquot; ويضيف quot;لي زبائن يشترون البطاقات مني فقط، ولا يشترون من غيري، وقد فاز قسم منهم أكثر من مرة سواء بالجائزة الأولى أو بالجوائز الأخرىquot; ويشير إلى أن quot;هذه الحالة ولدت عندهم انطباعا بأنني اجلب الفأل الجيد والسعيد، لذلك يمنحونني مكافأة في بعض الأحيان تكون أكثر من النسبة المقررة خلافا للآخرين ممن يستكثرون الإكرامية، ويعتبرونها شيئا ثقيلا يفرض عليهمquot;.
أما زميله عدنان خلف فيشير إلى أن quot;هناك من يشتري عدة دفاتر من البطاقات (الدفتر الواحد يحتوي على عشرة بطاقات ) تصل في بعض الأحيان إلى خمسين أو مائة دفتر على أمل الفوز بالجائزة الأولىquot;، ويضيف أن quot;هذه الحالة تتبع مقدار الجائزة وقيمتها، ويحصل أن يفوز أحد هؤلاء الأشخاص بالجائزة الأولى فيعوض أثمان البطاقات التي اشتراها، لكنه إذا لم يحصل عليها فإن خسارته ستكون كبيرةquot;.
ويوضح خلف إن طريقة الترويج مهمة لشد انتباه الناس ويقول quot;أنا مثلا اجلب انتباه الزبائن ببعض العبارات مثل quot;الأولى عنديquot; أو quot;هاي الأولى ..عشرة ملايين دينارquot;، وعند قرب نفاد البطاقات أصيح بصوت عال quot;أواخر .. الأولى بيهنquot;، ومعنى ذلك أن ما موجود معي هو آخر كمية، وربما تكون الجائزة الأولى بينهنquot;.
لكن زميله علي جمعة له وجهة نظر أخرى فهو يبيع بطاقات اليانصيب بطريقة المفرد على أشخاص في الغالب لا يعرفهم، لكن لديه في الوقت نفسه زبائنه أيضا، والذين لا يشترون من غيره، ويقول إن quot;مهنته هذه هي مورده الوحيد لكسب الرزقquot;، وإنه لن يتخلى عنها quot;حتى لو تراجعت المبيعات في أي موسم ولأي سببquot;.
هدية العيد عشرة ملايين دينار
quot;هدية العيد عشرة ملايين دينارquot;.. هذه العبارة هي أكثر ما يردده باعة بطاقات اليانصيب هذه الأيام، ويرتبط ذلك كما يقول صاحب يانصيب الواسطي، مجيد جمعة بأنquot; اللجنة المشرفة على هذا اليانصيب جعلت الجائزة الأولى عشرة ملايين دينار مع قرب حلول عيد الأضحىquot;.
التعليقات