الأزياء التقليدية الجزائرية: عراقة الماضي تهددها رياح العصرنة

كامل الشيرازي من الجزائر:تمثل العباءة كما البرنوس والقشابية والعمامة إحدى أبرز معالم الزي الجزائري الأصيل، وتمتاز كل منها بعراقة ماضيها وتفردها الضارب في التاريخ، إلاّ أنّ العباءة وأخواتها باتت مهددة بالتراجع بشكل كبير تبعا لجزم سكان محليون بشبح فقدان هذه الأزياء/المعالم لجاذبيتها، سيما مع عدم مبالاة طلائع الجيل الجديد بسحر تمظهرات تقليدية جعل منها الجزائريون الأوائل عنوانا للتجذر والالتصاق بينابيع التراث.
تنتشر العباءة الشهيرة المعروفة محليا بلفظ quot;لعبايةquot;، كما القشابية والبرنوس في غرب الجزائر كما شرقها، ومناطق أخرى في البلاد، وهي تتميز باختلافها عن عباءات مختلف الدول العربية، حتى وإن التقت معها في التسمية، فالعباءة الجزائرية تنفرد بتمايزها في الشكل واللون وطريقة صنعها وارتدائها من منطقة إلى أخرى.

القشابية المصنوعة من الوبر والصوف، والبرانيس القبائلية والشاوية والتلمسانية والأغواطية المزدهية، وكذا العباءتين الوهرانية والقسنطينية بلونيها الأبيض الناصع والأصفر، والمرفقة بعنصر مكمل لها وهي quot;العمامةquot;، لم يعد لها وجود بارز في الحياة الاجتماعية الجزائرية الحالية، وصار بالإمكان مشاهدة العباءة إلا عند قلة قليلة من المسنين الذين لم تتعصرن أذواقهم وما يزالون يحافظون على هذه الأزياء التي توارثوها عن الأجيال السالفة وبقوا مخلصين لها، بالرغم من ندرة العباءات وتوابعها في الأسواق الشعبية، وتلك سمة يلاحظها كثير من زوار quot;سوق المدينة الجديدة quot; بوهران الذي يلتقي فيها باعة وسائر خياطي الأزياء التقليدية.


وكانت هذه الأزياء التقليدية تحظى باهتمام كبير من قبل الأسرة الجزائرية، وكانت الأخيرة تعتبرها شيئا ثمينا يؤول إلى الابن الأكبر بعد وفاة الوالد لينتقل بعدها إلى الأحفاد، في صورة تبيّن أهمية العباءة والقشابية والبرنوس في الوسط الاجتماعي الجزائري في المن الجميل، إذ كانت العباءة الجزائرية على سبيل المثال لا الحصر تعتبر مظهرا فارقا في الحياة الاجتماعية، يرتديها المصلون بشغف وسعادة، ويحرصون على ارتدائها أيضا في سائر المجالس والمناسبات الاجتماعية العامة والخاصة كالأعراس والمآتم، وكانت العباءة تمنح مرتديها الحشمة والوقار.
وعلى الرغم مما طرأ على العباءة تماما مثل البرنوس والقشابة من تغيرات طفيفة في ألوانها وأنماطها، إلاّ أنّها لم تعد تستهوي الشباب الذي يفضل عنها الألبسة العصرية المستوردة بحجة أنها لا تناسب إلا المسنين، ولم تعد تتماشى مع اللباس العادي اليومي على الرغم من أنها تشغل حيزا كبيرا في التراث الجزائري، واللافت أنّه رغم الغياب النسبي لهذه الأزياء من الأسواق الجزائرية فإنها ما تزال موجودة بين أدراج الخزائن، في وقت يطالب عشاق العباءات بإعادة إحياء هذا الزي التقليدي، ويتحججون بمقدرته على منافسة الأزياء التقليدية الأخرى من خلال تشجيع الحرفيين، سيما بعدما أقدم قطاع من هؤلاء على التخلي عن مهنتهم والتحول مضطرين إلى بيع العباءات المستوردة .


ويروي جزائريون مخضرمون، حكايات شائقة عن معارض العباءات والبرانيس والقشاشيب التي كانت تنظم في الساحات والأسواق خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، على غرار ساحة الطحطاحة بمدينة وهران الغربية التي تحتضن الباعة من مختلف مناطق البلاد، وتستعرض تشكيلات متنوعة من تلك الأزياء ذات نوعية وجودة، غير أنّ هؤلاء الباعة وزملائهم الخياطين، أصيبوا بفتور مزمن جراء إحجام مواطنيهم عن اقتناء العباءات، وتفضيلهم كل ما يتم جلبه من وراء البحر.


وقد اتخذ الكثير من الرسامين التشكيليين والسينمائيين الجزائريين العباءة والبرنوس والقشابية التي لازمت الجزائري العتيق في حله وترحاله في زمن غير بعيد، كدلالة سيميولوجية لتصوير عمق الحياة الشعبية في أعمالهم الفنية، وهو ما جعل هذه الأزياء تتموقع كمصدر إلهام لكل من أحب ملامح الحياة الاجتماعية الجزائرية الأصيلة، تبعا لتمظهر العباءة كسمة عريقة وقاسم مشترك بين كل الجزائريين.

في جزائر 2008، لم يستطع هذا الزي الشعبي المُثقل بمعاني الأصالة أن يصمد أمام رياح العصرنة وانفتاح السوق على الأزياء القادمة من مختلف الأسواق العربية و الأسيوية، فحلت محل العباءة الجزائرية عباءات مشرقية مستوردة، وأصبح الجزائري يرتدي العباءات المغربية والسورية والسعودية، كما أنّ بعض الجزائريين يفضّلون ارتداء أزياء تقليدية آسيوية قادمة من باكستان والهند، في مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية في الجزائر .
وهكذا أصبح حضور العباءة والبرنوس والقشابية الجزائرية الصنع مقصورا على القرى والأرياف وبعض المدن هنا وهناك، ناهيك عن بعض اللوحات الفنية والأفلام الجزائرية التي تدور أحداثها في أماكن جزائرية بعيدة، وكذا في عروض مسرحية محلية وكذا في بعض المتاحف الجزائرية التي خصصت قاعات للزي التقليدي، أو في معارض الصناعة التقليدية التي تشرف على تنظيمها جمعيات تراثية وفرق فلكلورية، هذه الأخيرة تنزع إلى إبراز عراقة اللباس التقليدي الجزائري من خلال لوحات استعراضية مبهرة.