المنطقة الأثرية في مدينة درعا القديمة بانتظار تأهيلها سياحياً
سلطان الجاعوني مندرعا: تعد المنطقة الأثرية الواقعة في مدينة درعا القديمة من المناطق الأثرية المهمة التي تتطلب المزيد من الاهتمام لتبقى شاهدة على تاريخ مدينة درعا والحضارات الموغلة في القدم التي تعاقبت عليها.
وتقع المنطقة الأثرية على مساحة تقدر بحوالى 30 دونماً تقريباً تم استملاكها من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ العام 1983 بهدف إظهار المدرج الأثري الذي يعود إلى الفترة الرومانية حيث بدأت إزالة البيوت المتواضعة على جسم المدرج والمحيطة به وإجراء أعمال الترميم في بعض أجزاء المدرج تلتها في الأعوام اللاحقة أعمال تعزيل وتنقيب في مناطق مختلفة معظمها تقع في الجهة الشرقية من المدرج.
وأشار قاسم المحمد رئيس شعبة التنقيب في مديرية آثار درعا إلى أن المنطقة الأثرية تقسم إلى عدة أقسام وكل قسم يشكل كتلة معمارية أثرية قد تم الكشف عنها خلال الأعمال التي نفذت في المنطقة الأثرية وهذه الأقسام هي المدرج الروماني والشارع الروماني والمعبد والكنيسة والأجزاء المعمارية المختلفة الناتجة من أعمال التنقيب.. الشارع الروماني المقاطع ويمتد باتجاه شرق غرب كما هي العادة في تخطيط المدن في العصر الروماني حيث هناك شارعان رئيسان يقطعان المدينة شرقاً وغرباً ويسمى بالمقاطع وآخر شمال جنوب ويسمى بالطويل لتتموضع على جانبي الشارعين المنشآت العامة والأبنية.
ويبلغ طول الشارع الروماني حوالى 100 م وعرضه 5 أمتار ويوجد على جانبه رصيف بعرض 3 أمتار تقريباً والشارع مجهز بقناتين على جانبيه لتصريف مياه الأمطار.. يأخذ الشارع الآن مساراً مائلا ًنحو الشمال الشرقي ويستمر تحت سور المنطقة الأثرية وتحت الشارع الإسفلتي الحديث خارج المنطقة الأثرية ويحتاج الشارع إلى إزالة الأنقاض والكشف عن الجزء المتبقي منه في الجهة الشرقية.
أما الشارع الطويل فيقع شرق المنطقة الأثرية الحالية وقد تم الكشف عنه أثناء إجراء ترميمات لواجهة الجامع العمري الواقع في هذه المنطقة حيث يتوقع وجود المصلبية عند تقاطع الشارعين الحديثين عند الزاوية الشمالية الشرقية للمنطقة الأثرية.
ومن المواقع الأثرية في المنطقة الأثرية المعبد ويقع إلى الشرق من المسرح وهو بأبعاد 17ضرب14 متراً وتظهر منه الآن الواجهة الداخلية التي قد تكون الغرفة المقدسة والمحاريب الداخلية التي توضع عليها تماثيل الآلهة أو الأشياء النذرية أثناء إقامة الطقوس الدينية كما تظهر أيضاً الواجهة الخلفية للمعبد بشكلها الأساسي دون إضافات وتشاهد الأرضية في مساحة صغيرة وهي مبلطة بحجر البازلت. وأهم ما يميز المعبد هو وجود ملحق قبو يتم الوصول إليه بصعوبة حيث إنه مليء بالأنقاض من تراب وحجارة تحمله أعمدة ذات طراز دوري وكورنثي يحوي غرفاً صغيرة تفصل بينها ممرات تمتد على مساحة المعبد العلوي.
ويقول رئيس شعبة التنقيب في مديرية آثار درعا إنه لم يتم العثور على المدخل الرئيس للمعبد أثناء عمليات التنقيب ويتم الدخول إليه عبر مدخل مفتوح بالجانب الشرقي لافتاً إلى أن دلائل التنقيبات الأولية في المعبد تشير إلى وجود اتصال مباشر ما بين المعبد والمسرح حيث كانت تقام العديد من النشاطات الدينية في المسرح.
كما تقع ضمن المنطقة الأثرية كنيسة وقد تم الكشف عن بقاياها أثناء عمليات التنقيب التي قامت بها دائرة آثار درعا خلال موسم عام 1994 والكنيسة مجاورة للمعبد وملاصقة له من الجهة الجنوبية.
وأشارت نتائج التنقيب إلى أنها تعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين وقد طرأت عليها إضافات خلال العصور الإسلامية اللاحقة وما يدل على الكنيسة وجود بقايا حنية الكنيسة في الجهة الشرقية.
وبين رئيس شعبة التنقيب في مديرية آثار درعا أن المديرية أجرت تنقيبات أثرية منذ العام 1991 واستمرت حتى العام 1999 تركزت في الجهة الشرقية من المنطقة الأثرية إضافة إلى تنقيبات أخرى جرت في أمكنة تقع في الجهة الغربية للمسرح وفي الشارع الروماني وقد أعطت تلك التنقيبات معلومات غاية في الأهمية عن العصور التاريخية التي شهدتها درعا منذ ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام مضت.
وكشفت التنقيبات عن مدفن جماعي في الجهة الغربية من المسرح يعود إلى فترة البرونز الحديث 1600-1200 قبل الميلاد وتم العثور في هذا المدفن على حوالى 300 آنية فخارية متنوعة الأشكال والأحجام وقد اعتبر هذا الكشف من أهم الكشوفات الأثرية في المحافظة لأنه سلط الضوء على أقدم استيطان بشري في مدينة درعا ليكون دليلاً كافياً على صحة المعلومات التاريخية التي أتت على ذكر مدينة درعا خلال الألف الثاني قبل الميلاد.
كما أعطت الحفريات التي أجريت في الجهة الغربية فكرة وافية عن السويات الأثرية الكلاسيكية التي مرت على مدينة درعا والتي وجد من خلالهامسوية تعود إلى العصر الروماني وهي الفترة التي بني خلالها المسرح وربما المعبد بدلالة العثور على جدار ضخم يقع في أقصى الشرق من المنطقة الأثرية قد يكون على أحد جانبي الشارع الطويل على شكل حرف ال أبعاده 40 ضرب 30 وبسماكة 5ر1 متر إضافة إلى العثور على سويات أخرى تعود إلى العصر البيزنطي والدليل على ذلك اكتشاف الكنيسة التي تؤرخ لما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين.
وتم العثور أيضاً على سويات أثرية تعود إلى الفترات الأموية والمملوكية والأيوبية والعثمانية لتثبت كل هذه المكتشفات أن الاستيطان البشري ما زال مستمراً في مدينة درعا منذ ما يقارب الألفي عام وحتى الآن.
وأكد رئيس شعبة التنقيب في مديرية آثار درعا أن متابعة أعمال التنقيب في المنطقة الأثرية أصبح ضرورة ملحة وسيكون لذلك تأثير كبير من الناحية الأثرية والتاريخية والسياحية والاقتصادية لأن هذه المنطقة تلبي متطلبات السياحة الأثرية بالدرجة الأولى بسبب وجود المسرح مشيراً إلى أنه منذ عدة سنوات يزور المنطقة العديد من السياح الذين يسمعون ممن سبقوهم الزيارة عن موقع أثري في مدينة درعا ويستغربون ترك هذا الموقع دون أي دلائل أو إعلانات للسياح والزوار كونه يقع ضمن مدينة درعا ويمكن الوصول إليه بسهولة بسبب موقعه على يمين الطريق المتجه إلى الأردن.
وأوضح أن السياح الذاهبين إلى الأردن أو القادمين منه لابد لهم من المرور بالقرب من هذا الموقع الذي يبعد عن الطريق العام حوالى 300 متر مؤكداً أن هذا الموقع يحتاج مبدئياً إلى أعمال بسيطة مثل إزالة بعض الأنقاض المبعثرة على بعض أجزاء المسرح والشارع والمعبد والاهتمام بنظافة الموقع بالدرجة الأولى حيث يمكن استقبال السياح إذا ما تم ذلك خلال نهاية العام الحالي لذا يتطلب ذلك بذل المزيد من الجهود واهتمام الجهات المعنية بهذا الموقع الأثري والسياحي المهم وتقديم كل ما من شأنه النهوض بخدماته لإتاحة الفرصة للسياح لزيارته والاطلاع عليه.
التعليقات