هل هناك بارقة أمل في تحسن صورة أميركا

رضوى عمار: تُشير العديد من استطلاعات الرأي العربية والغربية إلى تراجع الصورة الأميركية بالعالم الإسلامي، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والحرب الأميركية على أفغانستان والعراق، والتي ينظر الكثير من العرب إليها على أنها حرب على الإسلام، في إطار نظريات صراع الحضارات، وقد تأكد ذلك بتشبيه الرئيس بوش الابن الحرب الأميركية على الإرهاب على أنها quot;حرب صليبيةquot;، وتصريحاته والعديد من المسئولين الأمريكيين quot;بالفاشيين الإسلاميينquot;.

وقد أضحت تلك القضية محل العديد من الحوارات والنقاشات الأميركية في الوقت الذي أخفقت فيه الدبلوماسية العامة الأميركية عن تحسين الصورة الأميركية عالمياً ndash; فبعض الاستطلاعات أظهرت تراجع الصورة والمكانة الأميركية في عدد من الدول الأوربية ndash; بصفة عامة وعربياً على وجه الخصوص.


وفي هذا السياق جاء نقاش اثنين من خبراء الرأي في مشروع بيو للتوجهات العالمية The Pew Global Attitudes Project، تحت رعاية الـNational Interest ، وهما أندرو كوت Andrew Kohut وهو رئيس مركز أبحاث بيو Pew Research Center، ومديراً لمركز أبحاث بيو للناس والصحافة Pew Research Center For the People amp;the Press ، ومدير مشروع بيو للتوجهات العالمية The Pew Global Attitudes Project. وريشارد ويك Richard Wike وهو المدير المساعد لمشروع بيو للتوجهات العالمية، وقد قاما الخبيران بمناقشة النتائج الخاصة باستطلاع 47 دولة حول تراجع الصورة الأميركية في العالم الإسلامي.


الصورة الأميركية في العالم الإسلامي
ترى الدراسة أن الصورة الأميركية في بعض الدول الإسلامية قد تحسنت بمعدل طفيف منذ 2003، إلا أن هذا التحسن مازال بطيئاً وغير محقق للأهداف الأميركية. فعلى سبيل المثال، وجد في استطلاع رأي عام 2007 أن 20% من الأردنيين لديهم رؤية إيجابية للولايات المتحدة الأميركية، مما يعني أن النسبة قد ارتفعت عن 1% في اقتراع تم بعد شهرين من بدء حرب العراق. وبصورة مشابهة قفز التوافق حول الرؤى الأميركية في الأراضي الفلسطينية من أقل من 1% في 2003 إلى 13% في 2007.

وإلى جانب الرؤية السلبية للولايات المتحدة الأميركية كدولة، يري العديد من المسلمين في بلدان الشرق الأوسط إلى جانب العديد من البلدان الأخرى أن الشعب الأمريكي يتسم بالسلبية. فأقل من ثلث المصريين، والمغاربة، والفلسطينيين، والباكستانيين والأتراك لديهم صورة إيجابية عن الأمريكيين. ففي دراسة لبيو في 2005 عن عينة من المسلمين في تركيا ولبنان والأردن وباكستان وإندونيسيا، وُجد أن المسلمين يصفون الأمريكيين بالطمع، والعنف والشر وعدم الأخلاق، في حين هناك من يركزون في وصفهم للأمريكيين على صفاتهم الحسنة وهي الجانب الأخر من الصورة.


أسباب تراجع الصورة الأميركية في العالم الإسلامي
تُرجع الدراسة السبب وراء ذلك إلى السياسة الخارجية الأميركية أكثر من كونها عداوات قائمة على اختلاف في القيم أو الأديان. وقد زادت الحرب الأميركية على العراق من عمق هذا الشعور في الشرق الأوسط بالإضافة إلى أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، هذا إلى جانب مظاهر السياسة الخارجية الأميركية الأخرى. فالرأي العام في العالم الإسلامي يُعارض بصورة موسعة مفهوم القيادة الأميركية في حربها على الإرهاب، فدول مثل باكستان، ومصر والأردن عادة ما تم اعتبارها شركاء رئيسيين في الحرب ضد القاعدة ومثال للمجموعة العاقلة، تُعارض الرؤية الأميركية في حربها على الإرهاب.

بالإضافة إلى ذلك، نجد أن مدركات السياسة الأميركية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أيضاً غذت الشعور ضد الصورة الأميركية. فنسبة كبيرة من الشعوب الإسلامية تم استطلاع آرائهم خلال السنوات القليلة الأخيرة يروا أن السياسة الخارجية الأميركية تنحاز لإسرائيل. غير أن العديد من غير المسلمين يشاركونهم هذا الشعور، فنجد أن 62% من الرأي العام الفرنسي، و75% من الألمان يتفقون حول هذه الرؤية، وحتى في إسرائيل 42% يرون أن الولايات المتحدة الأميركية تنحاز لبلادهم كثيراً. ولكن تبرز هذه القضية في الدول الإسلامية وخصوصاً العربية بصورة أوضح فأكثر من 80% من الأردنيين والفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والكويتيين والمغاربة يرون أن الولايات المتحدة تنحاز في دعمها لإسرائيل.

وعند السؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تأخذ في اعتبارها مصالح الدول الأخرى عند صنع سياستها الخارجية فقط، رأي 14% من الأتراك، و 12% من الفلسطينيين، و9% من المغاربة أنها تقوم بذلك. حتى في الكويت التي حررتها القوات الأميركية في 1991، رأي 30% من الكويتيين إبان اقتراع بيو خلال عام 2007 أن الولايات المتحدة تعتبر مصالحهم صفقة كبيرة مما يعني أن النسبة قد انخفضت بصورة ملحوظة عن 61% في عام 2003. كذلك أشارت الدراسة إلى أن عدم ثقة شعوب العالم الإسلامي بالنوايا الأميركية، ففي عام 2004 رأت الأغلبية في الأردن، والمغرب، وباكستان وتركيا أن للولايات المتحدة الأميركية بقيادتها للحرب على الإرهاب نوايا خفية غير مخلصة تهدف للتحكم في نفط الشرق الأوسط، وحماية إسرائيل، وبصورة أكثر تشاؤمية السيطرة على العالم.


محددات تكوين الصورة الأميركية
تُشير الدراسة إلى أن أحد التحديات التي تواجه الولايات المتحدة هي الديمقراطية، ومع ذلك عندما تم إجراء استطلاع للرأي في عام 2007 حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تُدعم الديمقراطية بصورة عامة أم تدعمها عندما تكون في صالحها، جاءت الإجابة على نحو واسع من جانب المسلمين في الأخيرة.


كذلك ما انتشر من قصص حول ما تعرض له سجناء أبو غريب وجوانتنامو من إيذاء جسدي، كل ذلك عزز الإدراك بأن الأمريكيين لا يمارسون دائماً احترام حقوق الإنسان. وتُظهر الكثير من استطلاعات الرأي أن أعداد كبيرة من المسلمين في أجزاء عديدة من العالم قد شاهدت وسمعت أو قرأت تقارير عن أبو غريب وجوانتنامو.


وتُظهر استطلاعات الرأي إلي أن هناك اهتمام متنامي بشأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فأغلبية المسلمين الذين استطلع رأيهم يروا أن السياسات الأميركية تزود من التفاوت بين الدول، وكذلك بالنسبة لقضية البيئة فالمسلمين وغير المسلمين يرون على السواء أن الولايات المتحدة مسئولة عن الكثير من الأضرار التي تلحق بالبيئة أكثر من أي دولة أخرى. ومن ثم أصبح مفهوم الشعوب أن العولمة تساوي quot;الأمركة Americanizationquot; الأمر الذي دفع إلى مزيد من القلق والارتياب، ففي اقتراع بيو تبين أن كلاً من المسلمين وغير المسلمين يقلقون من التوسع الأمريكي وتهديد تقاليدهم. ومن ثم اقترنت الصورة الأميركية بالجوانب والمظاهر السلبية للعولمة.


بارقة أمل في تحسين الصورة
وعلى الرغم من كل هذه التحديات التي تواجه الصورة الأميركية في العالم الإسلامي إلا أن الدراسة تُؤكد على وجود بعض الأمور التي تعطي بارقة أمل في تحسين الصورة الأميركية أولها، أن العالم الإسلامي ليس مترابطاً، وكذلك هو الحال بين الدول العربية فيوجد العديد من التنويعات، فرغم انخفاض الشعبية الأميركية خاصة في الكويت خلال السنوات الأخيرة، إلا أن المسلمين الكويتيين أنفسهم مازالوا منقسمين بشكل حاد بين هؤلاء الذين لديهم رؤية إيجابية 43% تجاه الولايات المتحدة الأميركية وأخرى سلبية 48%. ويشير استطلاع للرأي أجري في عام 2007 إلى رؤية المسلمين السنة تجاه الولايات المتحدة الأميركية (52% مقبولة و47% غير مبشرة بالنجاح)، كذلك على الرغم من أن الشيعة اللبنانيين لديهم آراء سلبية لُوحظ وجود (7% مبشرة بالنجاح، 92% غير مبشرة). وفي استطلاع للرأي (إيه بي سي (ABC Newsأجري في كلاً من أفغانستان والعراق نجد أن الأكراد في كلا البلدين لديهم آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة وترحب باستمرار التدخل الأمريكي في بلادهم.


ثانياً، حتى في الدول الإسلامية التي لا تحظى الولايات المتحدة بشعبية فيها، يوجد إعجاب ببعض المظاهر الأميركية، فهناك إعجاب بالعلم الأمريكي والإنجازات التكنولوجية، كما أن العديد من مواطنيها يُعجب بالطرق الأميركية في إدارة الأعمال.


فعلى سبيل المثال، 51% من الأردنيين، 48% من المصريين، و40% من الفلسطينيين يقولون أنهم يحبون الأعمال الأميركية. هذه الأعداد بشكل واضح لا تمثل الأغلبية على نحو كبير، لكنها نسب عالية مقارنةً بالمؤشرات الأخرى للصورة الأميركية.


ثالثاً، رغم عدم شعبية السياسة الخارجية الأميركية في معظم الدول الإسلامية، إلا أن أحد الجوانب الايجابية بالنسبة للسياسة الأميركية في هذه الدول هو تقليل نسبة الدعم للإرهاب. وفي هذا السياق أشارت الدراسة إلى أن هناك تغير ملحوظ في لبنان ففي عام 2002 وُجد أن ثلاثة من كل أربع لبنانيين مسلمين يرون أن هذه الهجمات مبررة ، إلا أن اليوم 34% يعبروا عن هذه الرؤية. كذلك تأثرت شعبية أسامة بن لادن بصورة حادة ففي استطلاع أجري عام 2003 وجد أن 56% من الأردنيين كان لديهم ثقة في بن لادن وأنه يفعل الشيء الصحيح ، اليوم 20% يعبرون هذه الثقة. كذلك في لبنان انخفضت الثقة في بن لادن من 20% إلى 1%.


الصورة الأميركية في إطارها الأوسع
سعى مشروع بيو للتوجهات العالمية إلى الكشف عن أسباب التوتر بين الغرب والمسلمين من خلال معرفة محددات إدراك كل منهما للأخر. ففي عام 2006 بعد 12 شهر من أحداث انفجار لندن، وأحداث شغب الشباب المسلمين في فرنسا والجدل حول الرسوم الدنمركية المسيئة للرسول محمد (صلي الله عليه وسلم)، كشفت نتائج استطلاع الرأي أجري في عام 2006 عن توافق واضح حول فقر العلاقات بين المسلمين والغرب. فالمسلمين لديهم رؤية سلبية تجاه الغرب فهم يوجهون لهم اللوم على مشكلاتهم الاقتصادية، فالمسلمين يرون الغرب يتسم بالأنانية، والعنف، والعجرفة. وقد كانت أزمة الرسوم الدنمركية مثال واضح لهذا العداء. على الأقل نصف المسلمين الذين تم استطلاع آرائهم في مصر، الأردن، وباكستان وتركيا رأوا أن أغلب أو العديد من الأمريكيين مثل الأوروبيين يعادون المسلمين. ومن ثم فالسلوك السلبي تجاه الولايات المتحدة ينعكس في موقف أوسع تجاه الغرب، لكن ما يزيد حدة الموقف بالنسبة للصورة الأميركية هو القوة الأميركية وفكرة أن هذه القوة قد تُشكل مصدر تهديد.


وفي النهاية تخلص الدراسة إلى أنه طالما بقيت الولايات المتحدة القوة المسيطرة على العالم سيكون هناك دائماً تخوف من نواياها وأفعالها، ويزيد من هذا الأمر عدم شعبية الرئيس بوش. إلا أنه هناك أمل في أن الإدارة الأميركية الجديدة قد تعطي نظرة جديدة لدى المسلمين في 2009. لكن بغض النظر عن من الرئيس القادم للبيت الأبيض فإن الصورة الأميركية ستظل مهمة صعبة ولكن الدراسة تري أن هناك وقتاً للإنجاز.