العراقيون ومسلسل quot;نورquot; التركي، افتقاد الرومانسية في زمن العنف

بغداد:تنتظر الشابة (مي) يوميا وبفارغ الصبر موعد بث المسلسل التركي المدبلج (نور) من على شاشة إحدى القنوات الفضائية، في مشهد صار جزءا من حياة الملايين من العراقيين، لم يخل أيضا من ردود أفعال مستهجنة إزاء المسلسل واستحواذه على اهتمام المشاهدين، لاسيما بين الشباب.
تقول مي للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) ان المسلسل quot;ممتع ومسل ويعكس حياة نفتقر إليها بسبب الفقر والتدهور الأمني اللذين يحرمان العراقيين من العيش (الآدمي)quot;،على حد وصفها.


المسلسل التركي (نور) الذي يقع في (165) حلقة تدور أحداثه حول quot;نورquot; الزوجة المخلصة لزوجها quot;مهندquot; بينما يعشق هو فتاة تدعى quot;نهالquot; التي رفضت عائلته الارتباط بها وتموت في حادث مأسوي لتدور الأحداث بعد ذلك في قالب تراجيدي ورومانسي.
ويقول (أبو احمد) من بغداد، الذي اكتظت بسطته الصغيرة بصور بطلي المسلسل، ان quot;الطلب انخفض بشكل كبير على شراء صور الجميع من فنانين وسياسيين ورجال دين بعد رواج البوسترات الخاصة ببطلي مسلسل نور.quot;


ويضيف لـ (أصوات العراق) انه يتعرض يوميا لمواقف عدة بين محبي ومبغضي بطل المسلسل، فبينما quot;تشهق بعض الفتيات حين يرين اللقطات الخاصة بالبطل، تطلبها أخريات على استحياء.quot;
وترى الموظفة سناء عبد الله (موظفة 35 عاما)، في مشاهدة المسلسل والتمتع فيه حالة quot;أفضل من مشاهدة الأخبار السياسية التي كنا نراقبها كل يوم أملا في تحسن الأحوال.quot;
وتقول ان المسلسل quot;يدخل الإنسان إلى عالم رومانسي خيالي بعيدا من القتل والفقر والبطالة ليعيش لحظات حلم جميل لمدة ساعة قبل النومquot;
ولا يخفي الخمسيني (أبو يوسف) تعجبه من الضجة التي أثارها المسلسل لدى العراقيين ويقول لـ (أصوات العراق) انه منع ابنته من مشاهدة المسلسل quot;لما فيها من مشاهد غير لائقةquot; مبينا انه قام بمسح القنوات التي تعرض المسلسل quot;حرصا على ابنتي من التعلق ببطل المسلسل، كما مزقت صوره التي اشترتها من السوق لان الأمر خارج عن تقاليدنا الاجتماعيةquot;.


أما (أم محمد) فتقول لـ (أصوات العراق) انها لاتتابع المسلسل من اجل القصة او الحبكة الدرامية ولكن لتتابع quot;احدث تسريحات الشعر وخطوط الموضة نظرا لان المسلسل يتحدث عن رجل وسيدة أعمال يقومان بتصميم الثيابquot; مضيفة ان quot;قوام النساء في المسلسل نموذجي وتسعى للتخفيف من وزنها لتكون برشاقة بطلاتهquot;.


ولا يجد (أبو فاتن) ضيرا من متابعة أفراد عائلته للمسلسل ويقول لـ (أصوات العراق) ان المسلسل quot;يشبه كثيرا المسلسلات المكسيكية المدبلجة التي عرضت سابقا على التلفزيون العراقي التي لم تثر موجة استياء لدى الشباب مثل هذا المسلسلquot;
وفيما افرز المسلسل تداعيات مختلفة على مستوى ردود الأفعال في الشارع العراقي، بين مؤيد ومعارض، شأنهم في ذلك شأن كل البلاد العربية حاليا، فان المشهد العراقي قد يحمل خصوصية معينة في تفسير ظاهرة انتشاره بين العراقيين.


ويوضح الباحث الاجتماعي فارس العبيدي هذه الخصوصية بأنها quot; الرومانسية المفرطة التي جاءت لتملأ الفراغ العاطفي الذي يعيشه المواطن العراقي وسط ظروف الجفاف وارتفاع مستوى العنف الذي ابعد العراقيين عن الحياة الطبيعية التي يعيشها أي فرد في العالمquot;.
كما يرى العبيدي ان quot;السر وراء المتابعة الكبيرة التي تحظى بها المسلسل يأتي بالدرجة الأولى إلى ان quot;المسلسل تركي والمجتمع العراقي غير مطلع تماما على نمط وطبيعة الحياة التركية هل هي إسلامية أم علمانيةquot;.


وأضاف quot;ومع تنامي المد الديني والعنف الطائفي والبطالة أصبحت العواطف والحب والبيوت الجيدة مسائل ترفية أو ما نسميه (بطر) لان البقاء على قيد الحياة بسبب الظروف الأمنية وتوفير لقمة العيش هي الشغل الشاغل للفرد العراقي وليس الرومانسيةquot;.
أما ردود الأفعال الغاضبة ضد المسلسل فقد تعود، بحسب العبيدي، إلى أسباب عدة أهمها ان quot;متابعة هذا النوع من المسلسلات يعد محرما عند البعض لأنه تعلق باللهو وترك ذكر الله، وبعض الكتابات المعادية التي كتبت على الجدران التي تناشد بالعودة إلى سنة النبي وترك quot;مهند ونورquot; في مناطق من العاصمة دليل على ذلكquot;.


وعزا الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي انتشار المسلسل إلى quot;عزفه على وتر العواطف الذي غابت نغماته عن العراقيين بسبب دائرة العنف التي دخل فيها المجتمع دون ان يتمكن لحد الآن من التملص منها فكانت ردود الأفعال النسائية خصوصا الرافد الأساسي والمميز لنجاح المسلسل في العراقquot;.
ويرى ان ردود أفعال العراقيين على المسلسل تتسم بـ quot;التعارض بين حب ودفاع مفرط وبين كره شديد فهناك من يعلق صور أبطال المسلسل ويحتفظ بها على جواله، وهناك من يمزق تلك الصور كما حصل في الناصرية حين اشترى احد الأشخاص عشرات من صور بطل المسلسل ونثرها في الشارع فقط من اجل ان يدوس المارة عليهاquot;.


وفي البصرة جنوب العراق، يثير المسلسل اهتمام الشارع البصري، فبعض المواطنين أشاروا إلى أنه متنفس وآخرون قالوا إنه أمنيات، فيما أشار متخصصون في الشأن الاجتماعي إلى ان الناس بطبيعتها تتطلع إلى حياة طبيعية خالية من المنغصات وقد تجد ذلك من خلال الدراما التلفزيونية والتي تمتد لفترات طويلة.


وتقول الطالبة منى محمد عن المسلسل انه quot;على الأقل إن هناك ما يشغلك، حيث ترى حياة حقيقية أمامك والتي كدنا نفقدها أو فقدناها لسنوات كثيرة وأثرت سلبافي تركيبتنا الاجتماعية وعلاقاتنا ولكنها حياة طبيعية بلا منغصات على الرغم من المشاكل العادية التي تصادفهمquot;.
وأضافت quot;ليس كما نعيشه نحن بأزمات اكبر من أن تحتمل منغصات الكهرباء والماء وقانون الانتخابات لمجالس المحافظات وغيرها من الأمور التي ربما غابت بعض الشيء أمام انشغال بمتابعة دراما تغنيك عن باقي الأشياء.quot;


ويقول محمد علي، احد أصحاب محلات الموبايلات، ان quot;الإقبال الآن بشكل كبير على النغمات الخاصة بموسيقى مسلسل سنوات الضياع ومسلسل نور من الشباب خصوصا ويمكنك الانتباه لذلك وأنت تجلس في مكان عام أو باصات النقل العام وأنت تسمع رنات الهواتف النقالة بتلك الموسيقىquot;.
وأضاف quot;كما يمكنك ان ترى بشكل واضح انتشار الصور والبوسترات الخاصة لأبطال المسلسل وهي تباع في العديد من المحلات والمكتبات والبسطات في الأسواقquot;.
ومسألة اهتمام الشارع العراقي بهذا المسلسل يعزوها الناقد جميل الشبيبي بقولهإن quot;الدراما التلفزيونية تلبي حاجات إنسانية عامة حين تثير أسئلة وإشكالات عن الحياة المعاصرة، التي تعمل على قتل المثل الإنسانية النبيلة المتمثلة بالحب.quot;
واضاف quot;يضاف إلى ذلك قدرة هذه الدراما على كشف الكثير من تفاصيل الحياة المعاصرة حيث تتجسد فيها مظاهر الحياة المنظمة، في حين يجد العراقي حياته غير مضمونة ولا منظمة، وخشنة تسودها الفوضى والعبث بشكل لا يطاق وكل ذلك يستدعي انسجاما غير واع مع الحياة في هذه الدراما التلفزيونية، وكأنها بديل حلمي لحياة عراقية مؤجلةquot;.


وأشار الشبيبي الى انه quot;في مسلسل (نور) تبدو هذه الحياة الملونة مغرية وجذابة من خلال الألوان والمباهج الصغيرة والمناظر الطبيعية الخلابة، والعراقي ينظر إلى كل ذلك كحلم يقظة ينتهي حالما تنتهي كل حلقة، ويبدأ من جديد في حلقة قادمة جديدةquot;.
من جانبه قال القاص والروائي علي عباس خفيف quot;لا بد أن تعقيد حياة العراقيين في الأوضاع المريرة الراهنة ينتج جملة من الأمور، أولها البحث عن متنفس، ورومانسية مفتقدة، لكي يستطيع الفرد ان يحلم بكامل يقظتهquot;.


وأضاف quot;لذلك كان مسلسل نور هو المتنفس الأهم خصوصا وهو ينقل حيوات افتقدناها منذ عشرات السنوات، فلو ان العراق تطور تراكميا لأنتج حيوات مماثلة لما يقدمه المسلسل الأمر الذي ولد اندماجا كليا، انه إسقاط ربماquot;.


الفنان التشكيلي ياسين وامي قال quot;ان من أهم المزايا التي جعلت مسلسل (سنوات الضياع) يلقى هذه الاستجابة الجماهيرية هي الصنعة الفنية، والمشهد السياحي، فضلا عن هيمنة البعد الإنساني في العلاقات الاجتماعيةquot;.


وزاد quot;ان استجابة وتفاعل المجتمع العربي بما فيه المجتمع العراقي يؤكد رغبته في الانفتاح على الآخر والاطلاع على مجتمعات أخرى، خاصة وان المجتمع التركي قريب من تقاليد المجتمع العربي، كما يؤكد الفراغ والانغلاق الاجتماعي الذي يعانيه المجتمع العربي والعراقي بصفة خاصةquot;.
ولفت quot; إلى أن الأغاني التركية والموسيقى التصويرية وطابع الشجن بشكل عام يتناغم مع الروح العراقية والعربية كونها مجتمعات ما زالت تعاني احباطات كثيرة وآلاما مستعصيةquot;.