إيلاف تفتح ملف المستشفيات العربية 3- 5
مستشفيات الجزائر:
ليس بالإمكان أفضل مما هو كائن

كامل الشيرازي من الجزائر: كلام كثير إستهلكته حال المستشفيات الجزائرية، سواء تلك المملوكة للحكومة أو العيادات الخاصة، فبين الشارع المحلي ا

إيلاف: طالما شكا زوار لمستشفيات في عدد من الدول العربية من الواقع الخدمي المتدني الذي يفتقد لشروط النظافة في تلك المستشفيات التيتأثرت بعقدة المركز والاطراف حيث ترتفع العناية والاهتمام بالمرضى كلما اقتربنا من مركز العاصمة أو المحافظة وتتدهور كلما ابتعدنا عن المركز.
وتشكل الاسعار المرتفعة في المستشفيات الخاصة عائقًا دون اجراء عمليات ربما فقد مرضى حياتهم بسببها.
وقد جال مراسلو إيلاف على عدد من المستشفيات في العواصم والمدن العربية وتحدثوا للمرضى والأطباء والعاملين فيها ضمن تغطياتهم لملف المستشفيات العربية.
وننشر هنا تحقيقات يومية من عدة دول عربية عن واقع المستشفيات فيها.

مستشفيات غزة نظافة دون علاج

المستشفيات السعودية: علاج مجاني مؤجل لعدم توفر سرير

لناقم على أوضاع القطاع الصحي، وفريق مؤمن بمقولة quot;ليس بالإمكان أبدع مما هو كائنquot;، يثور كثير من الجدل حول راهن المشافي الجزائرية التي استفادت قبل ست سنوات من مخطط ضخم لإصلاح المستشفيات وquot;أنسنةquot; العلاج، بيد أنّ المشهد العام بقي معتمًا وأخذ أبعادًا دراماتيكية، على الرغم من الخطوات الجبارة التي قطعتها بعض المستشفيات، لكن تدهور وضعيات هذه الأخيرة وضعف مستوى الخدمات جعل منها حديث العام والخاص، بالإضافة إلى ظاهرة الوفيات بسبب الإهمال الطبي في صورة فضائح الوفاة الجماعي للرضع حديثي الولادة، وفقدان 20 مريضًا لبصرهم في مستشفى حكومي، جعلت الانتقادات تلاحق إدارات كثيرة من المشافي.
quot;إيلافquot; تسلط الضوء من خلال هذا التحقيق، على واقع مستشفيات الجزائر، بلسان فاعليها من مرضى وأطباء وعاملين، تابعوا:

هشاشة على الرغم من الإمكانات الضخمة

بداية، اخترنا التجول في كبرى مستشفيات العاصمة الجزائرية، وهي على التوالي: مستشفى مصطفى باشا، مستشفى مايو، مستشفى بارني، وكذا القبة، ووسط حر قاتل، كان المشهد نفسه في كل أروقة وأقسام المستشفيات المذكورة: زحام شديد، فوضى وملاسنات، وصور غريبة لبعض المرضى ممن اختاروا افتراش الأرض، أغلبية مواطني هذا البلد يغزون المستشفيات التابعة للحكومة لسبب واحد هو quot;مجانية العلاجquot; واكتفاء السلطات بفرض مبالغ رمزية لا تتجاوز المئة دينار لكل مريض يقضي ليلته في أحد المشافي.
وإذا كانت مشكلة النظافة غير مطروحة بحدة في مستشفيات الجزائر، على الرغم ممّا تتسبب به النفايات الصحية المتراكمة هنا وهناك، إلاّ أنّ حصة الأسد من المساجلات والنقاشات تتمحور حول مستوى الخدمات، الذي يعتبره كثيرون quot;رديئًاquot;.
بقسم جراحة الأعصاب التابعة لمستشفى مايو، سألنا زوبير (35 سنة) عامل في سكك الحديد، قال إنّه أتى بناء على موعد مسبق للكشف، ومع ذلك لم يحظ بالموعد مثلما قال، على الرغم من تكبده عناء السفر من منطقة بعيدة، إحدى العواجيز وبعد أن تعرفت إلينا، اشتكت أيضًا من عامل المحسوبية، الذي يجعل من البعض حظهم أوفر للعلاج مقارنة بآخرين، وأيدتها نسيمة (22 سنة) الطالبة الجامعية بكلية الحقوق، التي راحت ترفع صوتها في ثورة، بسبب البروفيسور الذي كشف عن بضع حالات، وذهب بداعي ارتباطه بحالة استعجالية في عيادة خاصة (..).


من جانبها، حكت لنا السيدة مريم بمستشفى القبة، أنّها ذاقت الويلات، على حد تعبيرها، إثر وضعها مولودًا جديدًا، فعلى الرغم من أنّها أتمت أشهرها التسعة، إلاّ أنّ القائمين على قسم التوليد حاولوا إقناع السيدة مريم بأنّ وضعها لا يزال يحتمل الانتظار (?!)، وهو ما جعل المعنية وزوجها يدخلان في صراع لا منتهي مع الأطباء لدفعهم إلى توليدها، وهو ما كان، لكنّ السيدة تقول إنّها تركت ومولودها وحيدة، حيث كان الطبيب المناوب غائبًا، كما لم تلقَ المساعدات بالاً لنداءاتها في الرواق، بل وبلغ الحد بإحداهنّ ndash;استنادًا إلى السيدة مريم- إلى مطالبة الأخيرة بعدم إزعاجهنّ!
quot;عامرquot; ونزهة العاملان في مستشفى بارني، قللا من شأن الانتقادات، وأرجعا الأمر برمته إلى عدم تقبل المرضى للنمط التنظيمي المتبّع وسعيهم للحصول السريع على الخدمة العلاجية دونما التفات إلى أنه ثمة هناك اعتبارات كتأخر الأطباء لسبب أو لآخر، أو ارتباطهم بحالة مرضية حرجة وما إلى ذلك، بينما يذهب الدكتور فرطاس الذي التقيناه بقسم الاستعجالات إلى أنّ الأمور تحسنت كثيرًا في المشافي مقارنة بالذي كان، وإذ يستغرب محدثنا سعي البعض لتكريس السوداوية كلون غالب، فإنّ د.عبد اللاوي يشير بثقة إلى تمكن طواقم المشافي من التكفل بحاجيات المرضى وباقتدار على حد تعبيره، ويضيف عبد اللاوي المختص بجراحة العظام: quot;الكمال لله، لكن ما ينبغي أن يعلمه الناس، أننا نعمل قصارى جهدنا لإرضائهمquot;.
واستعرض لنا مجموعة من عمال المستشفيات أوضاعهم quot;المزريةquot; حيث يشير أحمد الذي يعمل ممرضًا منذ ربع قرن أنّ دخله الشهري لا يكفي مطلقًا لإعالة أسرته، ويؤيده مصطفى الذي سيذهب إلى التقاعد بنهاية العام، لكنّه يعلق بأسى أنّ راتبه، من جهتها، تشير quot;عقيلة كروشquot; رئيسة نقابة القابلات الجزائرية، إلى أنّ كثيرات من زميلاتها يتم متابعتهنّ قضائيًا لا لشيء سوى لأنّ القانون يفرض المتابعة القانونية في حالة موت المولود أو أمه أو في حالة وقوع مضاعفات، وهو ما يقلق 9500 قابلة تعمل عبر مستشفيات الولايات الـ48.

فضائح عرت المسكوت عنه
كان كشف مراجع إعلامية محلية عن فقدان 20 مريضًا بمستشفى بني مسوس بصرهم بصفة دائمة بعد حقنهم بدواء خاص بمرضى السرطان، وقع القنبلة شديدة المفعول على الرأي العام المحلي، الذي سبق له أن عايش تراجيديات كحادثة إلقاء 15 رضيعًا في اكياس القمامة بمستشفى الجلفة في أبريل/نيسان 2004، أو الخطأ الطبي الذي أودى بحياة 13 رضيعًا في مستشفى وادي الأبطال بولاية معسكر في خريف 2001.
هذا الوضع والتصاقه بتدني مستوى خدمات كثير من المستشفيات الجزائرية، دفع باللجنة الجزائرية لحقوق الإنسان إلى الشروع في سلسلة جولات ميدانية بهدف إعداد تقرير واف عن حالتها، وأتى هذا الحراك إثر تدهور وضعيات كثير من الأقسام الصحية، وضعف مستوى الخدمات، وquot;تفاقمquot; ظاهرة الوفيات نتيجة أخطاء طبية أو ممارسات لها علاقة بالإهمال وهو واقع ظهرت آخر صوره المؤسية بقسم الولادة بمستشفى باينام الذي شهد وفاة عديد الرضع في الفترة الأخيرة.
ولإظهار صرامتها وعدم تسامحها مع المتسببين في مهازل القطاع، لجأت وزارة الصحة الوصية إلى غلق عيادات خاصة، بجانب تغييرها كثير من مدراء المستشفيات الموصوفة بـquot;سوء التسييرquot;، ويقدّر مسؤول محلي أنّ أقسام الاستعجالات في المستشفيات الجزائرية تمثل نقطة سوداء يجب إزالتها، بينما يعترف بروفيسور طلب عدم ذكر إسمه أنّ عددًا معتبرًا من المستشفيات تتواجد في حالة يرثى لها، لكنه يرفض تحميل المسؤولية للأطباء، ويقصرها على الوصاية، مستشهدًا بعدم مبالاة الأخيرة إزاء الإضرابات المتتالية لعمال القطاع الطبي وعد تكليف نفسها عناء فتح قنوات الحوار مع هؤلاء الذين يطالبون بجملة من التدابير اللائقة، كرفع الرواتب وتمكينهم من المزيد من التدريب المهني، في حين تلفت نقابة الأطباء إلى أنّ المعدل الحالي هو20 مريضًا حاليًا يتلقون العناية من ممرض أو ممرضة واحدة، في حين أنه يفترض اقتصار ممرضة واحدة لكل أربعة مرضى.
ويلاحظ متابعون للوضع الصحي في الجزائر، أنّ الأخير لا يزال هشًا على الرغم من الإمكانات الهائلة المرصودة من طرف الدولة، في ظل عودة أمراض القرون الوسطى في صورة الطاعون والسل، بجانب تنامي الأمراض غير الـمتنقلة وبالـخصوص منها ارتفاع ضغط الدم الشرياني، والأمراض القلبية، وداء السّكري، والسرطان، وأمراض التنفس الـمزمنة، وزاد الوضع كارثية، ضعف الـحصص من الأدوية الـجنيسة في السوق المحلية، على الرغم من إفراط الجزائر في استيرادها لسدّ ضعف تغطية الإنتاج المحلي لهذه السوق.

خطة جديدة لإصلاح المستشفيات
في خضم كل ما تقدم، أقرت الحكومة الجزائرية خطة جديدة لإصلاح المنظومة الصحية، ويقوم برنامج الإصلاح على إعداد خارطة صحية جديدة تساعد على ترشيد التغطية الصحية من حيث الوقاية والعلاج إلى جانب إنشاء أقطاب صحية، في مخطط بعيد المدى للنهوض بالقطاع الصحي في آفاق العام 2025، لقاء مخصصات تربو عن 1819,63 مليار دينار جزائري، بغرض الوصول إلى مستوى الـمؤشرات الصحية الـمسجّلة حاليًا في بلدان منظمة التعاون والتنـمية الاقتصادية.
وتتوقع دراسات استشرافية في الجزائر، أن يبلغ عدد السكان حدود 44,8 مليون نسمة سنة 2025 (يقدّر حاليًا بـ34 مليونًا)، كما تشير الدراسات ذاتها إلى وصول معدل الولادات إلى 16,9 في الألف، ومعدل الوفيات العامة إلى 4,5 في الألف ومعدل النمو إلى 1,24 % ومعدل طول العمر إلى 80 سنة، وستكون لهذه التـحولات الديـمغرافية آثارًا على التركيبة السكانية وتـجديدها، وكذا على الاقتصاد والـمجتـمع، وهو ما جعل السلطات الجزائرية تقتنتع بحتمية تسريع إصلاح صحي عميق يقوم على تقريب الصحة من المواطن، وترتيب مستويات العلاج، مع إعادة التركيز على الوقاية والعلاج العادي، والتكفل بالإنتقال الوبائي والفوارق الـجغرافية وتحسيـن نوعية الـخدمات التي طالما اشتكى الجزائريون من رداءتها.
وللوفاء بالمطلوب، أعدت وزارة الصحة الجزائرية برنامج شاملا يقضي بانـجاز 88 مستشفى عامًّا، و94 مستشفى متـخصّصًا، وأربعة معاهد محلية مختصة، فضلاً عن 311 عيادة متعددة التـخصصات و221 هيكلاً صحيًا آخر، وتنوي الحكومة التكفل بالإنتقال الوبائي من خلال 26 برنامجًا وقاية و8 برامج علاج و4 برامج دعم بتكلفة إجمالية قدرها 92 مليار دينار جزائري، وستتيح بحسب مصادر quot;إيلافquot; إصلاح تسيير الأدوية من خلال إنشاء وكالة محلية مركزية للـمواد الصيدلانية وترقية الأدوية الـجنيسة إلى جانب محاربة الأدوية الـمزيفة، إضافة إلى مضاعفة الهياكل الصحية وترميـمها، وتأهيل الإمكانات التقنية وفتـح الاستثمار الاستشفائي في وجه القطاع الخاص الجزائري والأجنبي، مع تعييـن الأطباء الأخصائييـن في مناطق الـجنوب والهضاب العليا، وتطوير التكوين وتدعيـم التأطير.
وتسعى الخطة الحكومية إلى تطوير تسيير الـمستشفيات ومقاييس التسيير، وتنظيـم التـمويل وتحسيـن نوعية الـخدمات والتكفل براحة الـمريض وبأمنه، إضافة إلى إزالة الفوارق الصحية على مستوى الولايات الـ48، من خلال استكمال إقامة نظام للـمتابعة الصحية، وتطوير تسيير المستشفيات، وتحديد مقاييس الجودة ومؤشرات النجاعة الخاصة بالهياكل الصحية، حتى يمكن التكفل بالأمراض غير المتنقلة، كما تراهن السلطات على إيصال الأدوية الـجنيسة إلى مستوى 80% من الاستهلاك الإجمالي، والنهوض بعمليات زرع الأعضاء وجراحة القلب الخاصة بالأطفال وتدعيم صحة الأم والطفل.