صباح الخفاجي من بغداد:الشوارع في العراق لم تعد حسب ناشطين في حقوق الإنسان ملكا للجميع بل أصبحت حكرا على المسؤولين ومواكبهم فمنذ 5 أعوام ومواكب الحمايات الشخصية تقطع المرور في الشوارع التي تمر بها بسياراتها المصفحة، تسبقها وتتبعها شاحنات مدججة برجال يحملون الأسلحة، يطلقون الرصاص في اتجاهات مختلفة.الحمايات الشخصية في العراق عامة وفي بغداد ومحافظات كالنجف وكربلاء والبصرة والموصل وكركوك تركز وجودها خلال الخمس سنوات الماضية كمظهر مسيطر في الشوارع. وتصنف أهميتها حسب انتماءاتها للشخصيات التي تقوم بمهمة حمايتها وتسليحها. وانتشرت مواكب الحمايات الشخصية بشكل يبدو وكأنه خرج عن السيطرة بحيث لم يعد بالإمكان التمييز بسهولة بين سيارات المسؤولين الحكوميين او أعضاء مجلس النواب او سياسي الأحزاب الكبيرة منها أو الصغيرة.

ولا تقتصر الحمايات الشخصية على الشخصيات السياسية، بل ان هناك تجارا ورجال أعمال وأثرياء أحاطوا أنفسهم وبيوتهم بفرق من حمايات الشخصية.وتعتمد تصرفات أي فريق حماية أساسا على هوية الشخص الذي يقومون بحمايته، والذي غالبا ما يملي أو يفرض عليهم طريقة تصرفهم في الشارع.
وليست كل الحمايات الشخصية تتكون من العراقيين، بل تتواجد في العراق شركات أجنبية توفر الحماية الشخصية لسياسيين ورجال أعمال وشركات.

ويرى ناشطون في حقوق الإنسان في تصريح لرويترز ان هدف حماية المسؤولين حماية مخدوهم لكنهم في الوقت ذاته يعتدون على المواطن وينتهكون حقوقه بشكل يومي. ويؤكد الناشطون ان الناس تشكو من تصرفات الحمايات الشخصية لإطلاقهم الرصاص في الهواء تخويفا للناس وشتمهم أصحاب السيارات وتصويبهم لأسلحتهم على المواطنين والاعتداء عليهم بالضرب او تحطيم نوافذ سياراتهم وكسر المرايا إضافة لسدهم الشوارع تاركين أصحاب السيارات ينتظرون لساعات احيانا.وتخالف الحمايات الشخصية قواعد السير وتعليمات المرور فهم يصعدون الأرصفة و الجزرات الوسطية والسير عكس السير معتمدين على أطلاق صفارات سياراتهم على طريقة صفارات سيارات الإسعاف وهو سلوك يثير الخوف والاستياء في نفوس الناس..

يؤكد مفوض شرطة مرور رفض ذكر اسمه مخافة عقاب مرؤوسيه ان المسؤولين وأفواج حمايتهم ، هم أكثر الناس بعدا عن تطبيق القانون وخصوصا قانون المرور.مما يفرض عليهم التزامات عدة، كغض الطرف عن كل المسيئين في الشارع وذلك من باب العدالة لان المواطن يتساءل لماذا لا يطبق المسؤولين وحمايتهم القانون ولماذا نخضع كمواطنين للمسائلة دون غيرنا..؟ ويحمل نقيب المرور فيصل غازي حماية ومواكب المسؤولين مسؤولية الأزمات المرورية الخانقة والازدحام الطويل بسبب غلقهم الشوارع قبل خروج المسؤول بفترات طويلة مما يولد استياء الناس. ويعترف النقيب بعدم قدرته على اتخاذ أيما اجراء قانوني ضد حمايات المسؤوليين على الرغم من ثبوت إدانتهم بمخالفتهم الصريحة والعلنية لتعليمات المرور لانهم يستخفون بشرطي المرور ويجابهونه بالتهديد والفصل ويعاملونهم بلا مبالاة..

ارقام

يلفت مستشار امني في وزارة الداخلية إلى ان الأحزاب السياسية المتنفذة السنية منها والشيعية والكردية تتوالى حماية مسؤوليها ونوابها وزعماء أحزابها وغالبا ما يكون انتماء أفراد الحمايات لأبناء الطائفة ذاتها.
ويؤكد المستشار الأمني الذي رفض الكشف عن نفسه ان الكثير من المسؤولين يميلون الى المظاهر والفخفخة والتباهي وأصبح عدد أفراد حمايتهم وعدد السيارات التي تضمها مواكبهم دلالة على أهمية هذا الشخص عن سواه.

ويؤكد ان عدد أفراد الحمايات التي يستخدمها المسؤولين يفوق بثلاثة أضعاف تلك التي يتم تداولها..وتأتي صعوبة الجزم بالأرقام الدقيقة لانعدام الشفافية الكافية في الحكومة ومؤسساتها.

ويذهب المصدر الأمني الى القول ان هوس المسؤولين بالحمايات الشخصية في تزايد وعلى سبيل المثال يتنقل الوكيل الإداري لوزارة معينة بموكب من 40 سيارة وحماية شخصية تقارب 150 عنصرا كما وينطبق الأمر ذاته على وكيل آخر للوزارة ذاتها والذي يستخدم هو الاخر 40 سيارات فيما يقارب أفراد حمايته 200 عنصرا. ويواصل المصدر ان أعداد الحمايات الشخصية المسجلة لدى وزارة الداخلية تشكل فيلقاً من القوات المسلحة اما غير المسجلين من حمايات المدراء العامين ومعاونيهم وغيرهم فلا يعرف عددهم بالضبط..

ويتنقل كثير من المسؤولين حسب المصدر الأمني بسيارت مصفحة واخرى مدرعة حسب وضع المسؤول وشخصيته!


لكن وزارة الداخلية كانت قد اعلنت قبل فترة وجيزة عن وجود 128 ألف عنصر أمني مسجلين في وزارة الداخلية لحماية المسؤولين والشخصيات الرسمية في عموم البلاد.وأكدت الداخلية على لسان الناطق بعملياتها اللواء عبد الكريم الكناني عن تنظيم الحمايات الشخصية من خلال تحديد عدد أفراد الحماية لكل مسؤول حسب منصبه ودرجته. وأوضح الكناني أن عديد هذه القوات التي تم ربطها بوزارة الداخلية يبلغ حوالي 128 ألف منتسب موزعين لحماية 12 ألفًا و500 مؤسسة وموقع حكومي في عموم البلاد.
وأعترف الكناني إن الحمايات الشخصية تكلف الدولة اموالا طائلة لكنه أكد ان تعليمات وزارة الداخلية تقضي بتخصيص 30 عنصرًا أمنيًا لحماية الوزير و20 لوكيل الوزير، إضافة إلى تحديد ثمانية أفراد لحماية المستشارين وخمسة لكل موظف بدرجة مدير عام،ومثل هذا العدد لعضو مجلس المحافظة.
وأشار إلى أن هذه الحمايات تخص مسؤولين في الدولة باستثناء أعضاء مجلس النواب والمسؤولين في وزارتي الداخلية والدفاع، مؤكدا حصول عناصر الحماية المذكورين على راتب شهري قدره حوالي 500 دولار شهريًا) لكل منتسب على أن يخضع إلى الضوابط المعتمدة في التعيين بوزارة الداخلية من شروط العمر والمؤهلات.


اما السيارات التي يعتمدها المسؤولون وحماياتهم الشخصية فهي سيارات حديثة موديل 2009 والبعض القليل منهم يستخدم موديل 2005 أما أنواع السيارات المفضلة فهي مونيكا ,سيارات جي ام سي سوبرمان وسيارات البترول.وتتولى الدائرة الحكومية التي ينتسب لها المسؤول تجهيزه بسيارات الحمايات ودفع رواتبهم..فيما يتم استيراد سيارات مصفحة على شكل طلبيه خاصة تتولى الدولة أيضا شراؤها.



تكتم

وأحجم الكثير من المسئولين العراقيين عن الإفصاح عن العدد الحقيقي لإفراد حمايتهم او إعداد سيارات مواكبهم وانطبق الامر على اعضاء البرلمان فقد امتنع النائب عن الكتلة الكردية فؤاد معصوم عن الإفصاح عن عدد أفراد حمايته معللا ان حمايته الشخصية تعتبر من الأسرار ولا يجوز الحديث عن عدد افراد حمايته او عن السيارات التي تسير في موكبه..

اما النائب سليم الجبوري النائب عن الحزب الإسلامي فلا يشترط اختيار افراد الحماية الشخصة من العشيرة او الأقارب لكنه يشترط الكفاءة والمعرفة بأفراد حمايته خصوصا أولئك المقربون منهم.ويرى الجبوري ان الحمايات الشخصية تحد من الحرية الشخصية وأحيانا تشكل عبئا ومصدرا للإزعاج خصوصا فيما يتعلق بالتجاوزات التي تصدر من الحمايات ضد الآخرين لانها تحرج المسؤول وتحمله مسؤولية إضافية. ويؤكد الجبوري إقدامه على استبدال حمايته الشخصية ثلاث مرات.والحمايات بالنسبة للجبوري على مستويين مستوى الحمايات المقربين ويفترض وجود نسبة من الثقة عالية بهم ndash; ومستوى ثاني من الاغراب او موظفيين عاديين. وامتنع الجبوري عن إعطاء رقما محددا لإفراد حمايته لكنه أكد أن رواتبهم هي بمعدل الأجور المرصودة وهي 500 ألف دينار.

أما فرياد رواندوزي نائب عن الكتلة الكردية فقد اختار أفراد حمايته بنفسه داعيا الحمايات الشخصية إلى عدم إيذاء الناس والتقيد بقواعد المرور. لكنه في الوقت نفسه دافع بقوة عن ضرورة وجود الحمايات الشخصية للمسئولين حتى لا يترك المسئول صيدا سهلا لمن يريد أو يرغب في اغتياله..واقر انهم يستخدم أحيانا سيارة مدرعة في تنقلاته

الشيخ صباح الساعدي رئيس هيئة النزاهة في البرلمان يجد ان الحمايات الشخصية تتفاوت حسب أهمية المسؤول ودرجة الخطورة التي يتعرض لها. مثلا في البرلمان شخصيات لا يعرفها الشارع العراقي وهؤلاء لا تعتبر حياتهم مهددة بخطر على خلاف البرلمانيون الذي يعرفهم القاصي والداني والذين تتعرض حياتهم للمخاطر وينطبق الأمر ذاته على الوزراء والمسؤولين الآخرين فمثلا مسوؤلية وزيري الدفاع والداخلية اكبر من مسؤولية وزير الدولة لشؤون مجلس النواب ولهذا فالخطر الذي يهدد حياة الوزيرين المذكورين على سبيل المثال اكبر من ذلك الذي يتعرض له وزير الدولة لشؤون مجلس النواب. ويواصل النائب الساعدي ان تقديرات النائب هي التي تحدد ما يحتاجه من الحمايات الشخصية وفق الضوابط والقوانين الأمنية شرط أن لا تتحول الحمايات الشخصية الى عصابات إجرامية كما فعلت حمايات وزير التجارة التي ضربت الأجهزة الأمنية وقاومت تنفيذ أمر قضائي قانوني.. ويضيف quot;يجب ان لا تتحول الحمايات الشخصية إلى قوات تضرب القانون بل عليها حمايته.

ويقر الساعدي ان حمايات اعضاء مجلس النواب تتم وفق عقود وعلى ملاك مجلس النواب وليسوا على الملاك الدائم..وان كل نائب برلماني له 30 فردا يرتبطون بعقود مع البرلمان وليس مع أي جهة أخرى ويتقاضون أجورا تقارب 500 الف دينارا وهي ارقام تقل عن اجور المنتسب في وزارتي الداخلية او الدفاع..

ويعلق موظف في مجلس النواب ان المجلس حدد ما يقارب 13 مليون دينار كأجور للحمايات الشخصية للبرلمانيين الا ان اغلب البرلمانيين يفضل الاحتفاظ بهذا المبلغ لنفسه والطلب من وزارة الداخلية تزويدهم بحمايات شخصية او يميل بعضهم لتعيين عدد من أفراد الحماية لا يتجاوز أصابع اليد من اجل الاحتفاظ بالمبالغ المالية المخصصة لأفراد الحمايات


أوامر لا تطاع

وكان الناطق الرسمي لقيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا قد أعلن في تصريح لصحيفة محلية عن تشكيل عمليات بغداد لمديرية حمايات االمسؤولين مشيرا الى انه سيتم محاسبة كل من يتجاوز على المواطنين من حمايات المسؤولين ومنها السير بعكس الاتجاه أثناء المرور في الشوارع لكن محاولاتنا فشلت في الحصول على تفاصيل آلية عمل المديرية من السيد عطا الذي يرد مكتبه بعدم علمه بالمديرية..

لكن مجلس الوزراء كان قد اصدر أوامر عديدة بعدم إثارة الفوضى او مخالفة السير وقواعد المرور..كما ودعي المسؤولين الى تقليص أعداد أفراد الحمايات الشخصية والالتزام بالعدد المحدد الا ان هذه الأوامر لا تجد لها صدى تطبيقيا في الشارع من قبل المسؤولين ويعزو المراقبون أسباب ذلك إلى عدم جدية تلك الأوامر ولتراخي الدوائر الأمنية المعنية بتنفيذ هذه التعليمات إضافة إلى الاستثناءات التي يتمكن المسؤولين المخالفين من الحصول عليها من مجلس الوزراء نفسه والتي تجيز لهم إبقاء الأمر على حاله..

ويقر اللواء عبد الكريم الكناني مدير العمليات في وزارة الداخلية وهي الجهة المعينة باتخاذ إجراءات رادعة توقف اعتداءات حمايات المسؤولين ان تطبيق القانون بحق المسؤولين المخالفين لشروط الحمايات الشخصية يحتاج الى شجاعة فائقة في التنفيذ لان المخالفين هم غالبية عظمى من المسؤولين الكبار وهذا يتطلب شجاعة عالية وحزم وإسناد من رئيس الوزراء نفسه..!!