مسيرو الخرائط
أمين الكنوني


قبل سنوات خلت ،كانت دوريات الأحياء التي تعرفها جميع أنحاء المغرب ،تستقطب كثيرا من المواهب الناشئة ، وجمهورا غفيرا، ومنقبين يمثلون كبريات الفرق المغربية ،وكان بعض لاعبي الأحياء يتجولون بين الأزقة يحملون معهم قميص فريقهم،ويطوفون على المقاهي والبيوت وهم يرددون quot;عاونو الفريقquot; من أجل شراء لوازهم الرياضية، فالدوريات التي أجريت في الثمانينات بملعب دوار حسيسن بمدينة القصر الكبير، استطاعت إنجاب الهداف عبد السلام الغريسي وحارس منتخب الشبان السابق الصادق المرابط .

كما أن ملعب المصلى بنفس المدينة أخرج موهبة اللاعب الأمين بالفاسي للوجود والذي سجل الموسم الماضي أكثر من 20 هدفا بالقسم الثالث البلجيكي ، ومع انقراض المساحات الخضراء وزحف البناء والعمران على الأماكن التي كنا نلعب فيها صغارا ،والتي كانت في السابق مدارس كروية يتلقى فيها الموهوبون المبادئ الأولية للعبة،أصبح على المواهب الناشئة الاتجاه نحو المدارس التكوينية للفرق الوطنية ، كمدرسة الفتح الرباطي مثلا والتي تستقطب أولاد quot;بابا وماماquot; والذين تمنحهم المدرسة فور انتهاء الموسم الكروي شهادة ملونة يتفاخرون بها بين أقرانهم،وبعد أن كانت الأندية المغربية تخطب ود اللاعبين الصغار وتنقب عنهم في الأحياء وبين الأزقة الضيقة بل وتمنحهم راتبا،أصبح ولوج مدارس التكوين الخاصة بهذه الفرق أشبه بالتسجيل في مدارس البعثة الفرنسية.

سياسة التكوين النخبوبة هي التي ساهمت في صد الأبواب أمام المواهب الصاعدة، ولاغرابة أن نجد المسيرين المغاربة والذين يعشقون السفر ويتفوقون في مادة الجغرافيا أكثر من التسيير، يقلبون خرائطهم ويبحثون عن المواهب النادرة خارج المغرب ، في خريطة حميد الصويري مثلا توجد حواري كاراكاس في نقطة أقرب من أحياء الدار البيضاء المتشعبة ولذلك فضل طرد زمامة من الباب الخلفي ، والتعاقد مع اللاعب الأشقر غوميز ،بينما ألحق رئيس الدفاع الحسني الجديدي عبد الله التومي،سهل كرواتيا (البلد وليس الشرطة) بسهل دكالة ،حين سعى فريقه لتجريب لاعبين من زغرب ،وفي خريطة رئيس ومدرب ومدلك والناطق الرسمي باسم الراك quot;ماندوزاquot; العين الامارتي أقرب من فرق إسبانيا وفرنسا،ولذلك دعا العين الاماراتي ومعها الخمسين ألف دولار من جهة ،والمغرب التطواني ومعها شاشاتها العملاقة من جهة ثانية ، للمشاركة بدوري النتيفي، وبالنسبة لquot;مانذوزاquot; فالمسألة مسألة quot;مرقةquot; أولا وقبل كل شيئ ،فلإعطاء دوري النتيفي إشعاعا دوليا ومن أجل إحضار إحدى الفرق الأوروبية كان على quot;ماندوزا أن يحك جيوبه جيدا،ولذلك فضل الاستفادة من عطايا المسيرين الخليجيين وضرب عصافير كثيرة بحجر واحد ،دوري دولي وخمسون ألف دولار في الجيب... وأيضا تلفزات كولدفيزيون.

وبينما يفكر رئيس فريق ليون الفرنسي جان ميشيل أولاس في إدخال فريقه إلى عالم البورصة،وشراء ملعب جيرلان لحساب فريقه ،فإن فكر مسيري الخرائط لا يتعدى إنشاء محل للكولفازير أو على أبعد تقدير فتح مقهى بغية الزيادة في مداخيل الفريق ، وترتكز السياسة المالية لمسيري الخرائط أساسا على تصدير اللاعبين المغاربة لأي جهة تدفع دولارات أكثر ،وتعتمد أيضا على استيراد الريالات والدراهم الخليجية عن طريق الاستجداء والتكسب والدعوات التفاهة، لقد استطاع مسيرو الخرائط أيضا تجريد الفرق الوطنية من هيبتها ،وجعلها تخوض غمار البطولة وهي حافية القدمين،فلا ملاعب عشبت ،ولا مدرجات رممت،ولا عقود احترافية أبرمت...ولا غالب اليوم ، إلا مسيرو الخرائط.