إيلاف تفتح ملف الدورات الأولمبية... تاريخ من السياسة (1/3)
ملك اليونان طلب إحتكار بلاده تنظيم الأولمبياد للأبد

وأقرأ أيضًا
الأميركيون رفضوا تنكيس العلم لملك بريطانيا
هتلر رفض مصافحة أسطورة الزنوج في اولمبياد 1936

محمد حامد ndash; إيلاف: إذا كانت دورة الألعاب الأولمبية quot;بكين 2008quot; التي سوف تنطلق في الثامن من أغسطس المقبل من أكثر الدورات الأولمبية تأثرًا بالسياسية وتأثيرًا فيها، فإن الأمر لم يكن حكرًا على بكين 2008، فالأولمبياد غرق في السياسة وأثر فيها بشكل كبير على مدار الدورات الأولمبية منذ ما قبل التاريخ وحتى وقتنا هذا، حيث انتهجت بعض الدول أسلوب المقاطعة والتهديد بالانسحاب، وطغى تأثير حركات التحرر السياسي، ومقاومة العنصرية، والحروب العالمية، والتأثر بأجواء الحرب الباردة ونشبت أزمات سياسية ودبلوماسية بين بعض الدول بسبب تصرفات بعض الرياضيين خلال الأولمبياد.

من مراسم الافتتاح لاولمبياد استوكهولم عام 1912
أي أن تأثيرًا متبادلاً بين السياسة والرياضة كان يحدث على مدار دورات الألعاب الأولمبية التي تشكل الحدث الرياضي quot;السياسيquot; الأبرز والأكبر في العالم، وقد لا يكون من المبالغة إذا قلنا إن دراسة تاريخ الألعاب الأولمبية قد يجعلنا نخرج بنتائج مذهلة عن التاريخ السياسي للعالم، والعلاقات السياسية وحركات التحرر السياسي وتحالفات القوى السياسية في العالم على مدار التاريخ، فقد كانت الأولمبياد منذ عام 1896 وحتى بكين 2008 مسرحًا لقراءة التاريخ السياسي والإجتماعي للبشرية وليس التاريخ الرياضي فحسب، واللافت أن هذا التزاوج بين السياسة والأولمبياد هو زواج غير شرعي بحكم المواثيق الأولمبية، ولكنها السياسة التي تتمرد على كل المواثيق وتتلاعب بكافة الأعراف.

ملك اليونان طلب احتكار بلاده لتنظيم الأولمبياد للأبد
تمكنت اليونان من احياء مجدها القديم في تنظيم الألعاب الأولمبية، وذلك حينما تصدت لتنظيم أول دورة أولمبية حديثة في عام 1896، وكان النجاح لافتًا رغم بعض المقاطعات من بعض الدول الكبرى التي لم تكن قد اعترفت بالحركة الأولمبية في هذا الوقت، حيث كانت تساورها بعض الشكوك في هوية وأهداف تلك الحركة الأولمبية، ولكن الحدث السياسي الأبرز في أولمبياد اليونان عام 1896 كان الطلب الرسمي لملك اليونان quot;جورج الأولquot; باحتكار بلاده تنظيم الأولمبياد بشكل دائم، على اعتبار انه تقليد يوناني راسخ، ولكن الأب الروحي ومؤسس الدورات الأولمبية الحديثة quot;دي كوبرتنquot; رفض المطالب الملكية، وأكد على مبدأ quot;المداورةquot; أي تنظيم الدورة بين كافة دول العالم، وخاصة الدول القادرة على التصدي لمثل هذا الحدث الكبير وذلك من أجل ترسيخ مبدأ مشاركة الجميع في هذا الحدث الكبير.

الأميركيون رفضوا تنكيس العلم لملك بريطانيا عام 1908!

من منافسات أولمبياد 1936
في عام 1908 نظمت لندن دورة الألعاب الأولمبية، وأثناء مرور طابور العرض للدول المشاركة، حدثت مفاجأة لم تكن في الحسبان، حيث رفض حامل العلم الأميركي تنكيسه أمام الملك الانجليزيquot;إدوارد السابعquot;، حيث يعد تنكيس العالم في مثل هذه المواقف تعبيرًا عن احترام الملك، ولا أحد يعلم على وجه الدقة لماذا لم يتم تنكيس العلم الأميركي في مثل هذا الموقف؟ وهل هو موقف شخصي قام به الشخص الذي كان يحمل العلم؟ أم هو موقف أميركي رسمي؟ واللافت أن هذا الحدث تسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين، وجاء رد الفعل الأميركي غاضبًا على المستوى الشعبي، حينما قامت جموع من الأمريكان باحضار أسد وهو رمز الإنجليز، ولفوا جسد هذا الأسد بالعلم البريطاني وجابوا شوراع نيويورك بهذا الأسد، الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات في هذا الوقت بين البلدين، رغم ما هو معروف عنهما من تحالف تاريخي، وعلاقات أجيال من المهاجرين تدفقت من بريطانيا إلى الولايات المتحدة.

استوكهولم 1912 ... التحرر السياسي من نافذة الأولمبياد

من منافسات اولمبياد 1912
في استوكهولم وخلال دورة الألعاب الأولمبية التي نظمتها السويد عام 1912 استغلت العديد من الدول التي تقع تحت سيطرة قوى الاحتلال الكبرى، استغلت تلك الدول مناسبة الأولمبياد لتوجه رسالة كان له صدى واسع، مطالبة بالاستقلال، فقد حدث ذلك من جانب quot;المجرquot; التي طالبت بالانفصال عن الامبراطورية النمساوية صاحبة النفوذ السياسي والعسكري الكبير في القارة الأوروبية في هذا الوقت، كما طالبت فنلندا بالتحرر من القبضة الروسية، ولا شك أن هناك الكثير من الأصداء لتوجيه مثل تلك الرسائل السياسية في حدث كبير تشرك به الكثير من دول العالم، حيث كانت الدورات الأولمبية بمثابة التجمع العالمي الذي يكسر حواجز العزلة التي كانت على أشدها في هذه الحقبة التاريخية، خاصة لو علمنا أن العالم كان يفتقد التواصل من خلال المحطات الإذاعية أو المحطات التلفزيونية كما هو الحال في الوقت الراهن، ولذلك فقد استغلت الدول الصغيرة، والقوى السياسية التي لا صوت لها، استغلت الأولمبياد لتمرير رسائلها السياسية للعالم، في زمن لم تكن هناك من قنوات تواصل أو قنوات تعبير متاحة لمثل هذه القوى .

هتلر والفكر النازي في اولمبياد 1936

في العشرينات من القرن الماضي وحتى منتصف الثلاثينات، حدثت انقسامات حادة ومقاطعات كبيرة لدورات الألعاب الأولمبية من جانب الكثير من الدول ومن جانب الكثير من القوى السياسية، حيث كان تأثير السياسة طاغيًا على الدورات الأولمبية في هذا الوقت، وفي عام 1936 تصدت ألمانيا لتنظيم الأولمبياد، وكانت تلك الدورة من الدورات المشهودة في تاريخ الألعاب الأولمبية، فقد تمكنت ألمانيا من تقديم تنظيم جيد، وشهدت المنافسات الرياضية سخونة كبيرة، وحضور جماهيري مبهر وقد تجلى ذلك في بيع 4 ملايين تذكرة لحضور فعاليات الدورة، ولكن يظل المشهد السياسي طاغيًا على أولمبياد 1936، وكانت هناك دعوات دولية لمقاطعة الدورة على إثر تولى النازيين للحكم، فقد استغل الزعيم الألماني quot;أودلف هتلرquot; توجه أنظار العالم لبلاده في هذه التظاهرة الرياضية الكبرى لكي ينشر الفكر النازي ويشدد على فكرة سمو الجنس الألماني quot;الآريquot; وكم كان قاسيًا ومؤلمًا ذلك المشهد الذي يتناقض كليًا مع فكرة الروح الرياضية واجتماع البشر من كل مكان وانصهارهم في تنافس رياضي شريف، حيث رفض quot;هتلرquot; مصافحة العداء الأميركي الزنجيquot;جيسي أوينزquot; وذلك لأنه تفوق على الألماني quot;لوتس لونغquot;، حيث فاز العداء الأميركي الشهير بأربع ذهبيات في 100 متر و 200 متر و 4 في 100 تتابع والقفز الطويل، وحينما تفوق quot;أوينزquot; على quot;لونغquot; في مسابقة القفز الطويل محققًا (8.06 أمتار) مقابل (7.89 أمتار) للمتسابق الألماني، انتفض هتلر وغادر الملعب ورفض مصافحة العداء الأميركي.

أولمبياد لندن 1948... الحرب العالمية الثانية تقول كلمتها

بوستر اولمبياد 1936
من الثابت تاريخيًا أن الحرب العالمية الثانية كانت الحدث الأبرز في التاريخ الحديث للبشرية وتحديدًا في القرن المنصرم، فقد نتج عنها تشكيل خريطة سياسية عالمية جديدة، وظهرت تحالفات وقوى سياسية جديدة تقود العالم منذ هذا الوقت وحتى وقتنا هذا، كما كان تأثير الحرب العالمية الثانية واضحًا على دورات الألعاب الأولمبية بشكل عام والدورة التي أقيمت في لندن عام 1948 على وجه التحديد، حيث أقيمت في ملعب ويمبلي الشهير ، وذلك بعد توقف دام 12 عامًا بسبب الحرب العالمية الثانية، وكان هذا الأولمبياد الأول منذ الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1936 التي أقيمت في برلين. فقد سبق أن تم تحديد مكان الأولمبياد عام 1940 في طوكيو (اليابان)، ومن ثم تم تغييره إلى هلسنكي (فنلندا) بعدما بدأت الحرب العالمية الثانية. كما كان من المفترض قيام الألعاب الأولمبية في عام 1944 في لندن، ولكن اللجنة الاولمبية الدولية قررت بعد توقف الحرب إعادة تنظيم الاولمبياد, وفي لوزان في عام 1946 قررت اللجنة الأولمبية الدولية منح لندن شرف تنظيم الدورة عام 1948, ووقع الاختيار على العاصمة البريطانية بموافقة الجميع ودون اللجوء إلى تصويت رغم تقدم مدن أخرى لاستضافتها، ومن بين تلك المدن 3 مدن أميركية فضلاً عن لوزان السويسرية، وقد واجهت حكومة لندن انتقادات واسعة من جانب الشعب البريطاني على الأقل، حيث كانت الحرب الطاحنة التي استمرت 5 سنوات قد وضعت أوزارها، وتنظيم حدث كبير بحجم الأولمبياد يتطلب الكثير من النفقات والاستعدادات التنظيمية، ورغم ذلك فقد نجحت quot;لندنquot; في تنظيم أولمبياد quot;سياسيquot; تاريخي، حيث شاركت 59 دولة في هذه الدورة، وهو رقم قياسي أعطى مؤشرًا وبارقة أمل لوجود تقارب عالمي، رغم أن الحرب العالمية الثانية مزقت العالم إلى كتل وكيانات متناحرة، وبالطبع كانت هناك مقاطعات أو (حرمان) لبعض الدول من المشاركة بسبب أدوارها في الحرب العالمية الثانية، ومن أهم هذه الدول روسيا واليابان وألمانيا وبعض الدول الصغيرة التي كانت تدور في فلك هذه القوى الكبرى.