عرفت السنوات العشر الأخيرة استنجاد الكرة الإنكليزية بمدربين أجانب لإستعادة هيبتها القارية و العالمية و كان حظ الفنيين الطليان كبيراً بعدما اعتبرهم الإنكليز الأجدر و الأكفأ بتحقيق الهدف المنشود خاصة أن الأسماء التي حلت بعاصمة الضباب تركت وراءها إرثا ثقيلاً من الإنجازات مع أندية إيطالية محلياً و أوروبياً.


إيلاف:وكانت الإدارة التقنية قد أسندت للكثير من الأندية لهم ، ورغم أن الانكليز لم يستوردوا سوى زبدة المدربين الطليان إلا أن ذلك لم يشفع لهم و تجارب جلهم آلت للفشل ، فتعاقد تشيلسي مع كارلو انشيلوتي الذي صنع مجد الميلان ، لكنه اكتفي بنيل لقب الدوري عام 2010 الذي لم يحافظ عليه في الموسم الموالي كما فشل قارياً رغم ترسانة النجوم التي كانت تحت إمرته ، و لم يكن انشلوتي هو المدرب الإيطالي الوحيد الذي لم ينجح مع البلوز فقد سبقه للفشل مواطنيه كلاوديو رانييري الذي انسحب عام 2004 بعدما اكتفى بنصف نهائي دوري الأبطال ، و فيالي في نهاية التسعينات ، و استقدمت إدارة ويستهام جيان فرانكو زولا لكنه لم يعمر طويلاً و استقال بسبب النتائج المخيبة ، كما فشل المدرب الشهير فابيو كابيلو مع المنتخب الإنجليزي و اضطر هو الآخر للانسحاب بعدما اكتفى ببلوغ نهائيات مونديال جنوب إفريقيا 2010 حيث خرج من الدور الثاني بهزيمة نكراء من ألمانيا و لم تكن حصيلته مع الأسود الثلاثة ايجابية على مدار الأربع سنوات التي قضاها معهم.

وأدت هذه الإخفاقات إلى التشكيك في المدرسة الفنية الإيطالية و في مؤهلات المدرب الإيطالي و مدى قدرته على العمل خارج إيطاليا و تحقيق نفس النجاح الذي حققه داخلها ، و هو ما اثر سلباً على أسهمهم في بورصة إنتقالات المدربين بدليل انه لم تبرز أسماء إيطالية أخرى خارج إيطاليا في السنوات الثلاث الأخيرة و لم يعد مطلوب من قبل الأندية و لا حتى المنتخبات خاصة انه تزامن مع إخفاقات أخرى مثل اريكو ساكي مع ريال مدريد و حتى انشيلوتي مع باريس سان جيرمان.

مانشيني و دي ماتيو يرفعان رأس المدرب الإيطالي

غير أن نهاية الموسم المنقضي كانت تاريخية للمدرب الإيطالي الذي استعاد بريقه و رفع أسمه عالياً في سماء القارة العجوز ، بعدما حقق ناديين إنجليزيين إنجازين كبيرين تاريخيين كان فيهما الفضل الأكبر لمدربيهما ، حيث توج مانشستر سيتي بلقب الدوري بعد صيام دام 44 سنة بقيادة روبرتو مانشيني الذي قد يصبح بيتهوفن إنجلترا و ليس إيطاليا بعد هذا التتويج الغالي، و بعدها بأسبوع أحرز تشيلسي بطولة أوروبية لم يسبق له أن تذوقها على مدار تاريخه العريق و هي دوري أبطال أوروبا تحت قيادة إيطالي آخر مغمور و يافع هو روبرتو دي ماتيو.

اللقبان عجز عن تحقيقهما مدربون كبار مرواً على الفريقين ، و هو ما يؤكد بأن مانشيني و دي ماتيو لعبا دوراً محوريا في ناديهما ، فمانشستر سيتي كان قاب قوسين أو أدنى من تسليم الراية البيضاء لغريمه و منافسه مانشستر يونايتد الذي ابتعد عنه في الدوري بفارق ثمانية نقاط قبيل جولات عن خط النهاية ، و مع ذلك تمكن السيتزن من تذليل الفارق و التساوي معه لينال اللقب الغالي بفارق الأهداف ، و الواقع أن دهاء مانشيني ظهر عندما كان فريقه متخلف عن غريمه حيث نجح في زرع الحماس و الروح القتالية في نفوس أشباله جعلهم يرفضون الاستسلام بعدما أكد لهم بان الموسم ينتهي في الجولة الـ 38 و ليس قبلها ، و حثهم على ضرورة تحقيق إنتصارات عريضة تمنح لفريقه فارقا كبيراً في الأهداف و كأنه كان يعلم بحسه بان كرة القدم جنون و ليس فقط فنون ، و ناشد أشباله أيضا عدم التركيز على نتائج المنافس لان ذلك من شأنه أن يصيبهم بالإحباط ، غير أن تلك الرسالة تضمنت أيضا إشعارهم بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم لدخول التاريخ من أوسع أبوابه ، كما حقق ضربة معلم عندما تنازل عن بعض من كبريائه لمصلحة النادي فسامح المهاجم الأرجنتيني كارلوس تيفيز ليستفيد من مهاراته و خبراته و تناسى و لو مؤقتا كل ما بدر منه ، فكان له و لعشاق النادي ما أراد بعدما أسكت ماشنيني كل الأفواه التي انتقدته مراراً و تكراراً متهمة إياه بأنه يقبض كثيراً و لا يعطي إلا القليل و لا يستحق الامتيازات المالية العالية التي ينالها ، مؤكداً كذلك بان موسم الحصاد المحلي قد بدأ في إنتظار الحصاد القاري الذي قد يتطلب هو الآخر بعض الوقت .

أما دي ماتيو فقد أكد بأنه لا يقل شأناً عن أسلافه البرتغاليين جوزي مورينهو و فياش بواش و الهولندي جوس هيدينك و مواطنه كارلو انشيليتي ، و أن الفارق في الكفاءة التقنية لا يصنعه بالضرورة الفارق في الراتب الشهري الذي يتلقاه ، بل و أهم من ذلك فان دي ماتيو الذي لم يسعفه الحظ كثيراً كلاعب حقق ما حققه بتركيبة بشرية ، صحيح أنها ثرية لكنها أقل بكثير من تلك التي أتيحت لإسلافه المذكورين فجل الأسماء قد شاخت و افتقرت لحيوية الشباب ، و مع ذلك تمكن اليافع الإيطالي من زرعها في عواجيز بلغوا أرذل أعمارهم الكروية على غرار فرانك لامبارد و ديدي دروغبا و جون تيري و آخرون.

و رغم الفترة الحرجة التي عين فيها على رأس الإدارة الفنية للبلوز خلفا لبواش إلا انه لم يأبه و اّمن فقط بأن الفرصة الذهبية تلوح في الأفق و ما عليه سوى استغلالها مدركا بأنه سيكون الرابح الأول مهما كانت النتائج في نهاية الموسم دون أن يخسر شيئا من رصيده الفارغ أصلاً عكس أسلافه ، وإذا كان المتابعون يركزون في مسيرة دي ماتيو على تتويجه بدوري الأبطال و يختزلونها في الفوز على العملاق البفاري بايرن ميونيخ في عقر داره فأن ذلك ليس الحقيقة كلها ، فالبلوز و تحت إمرة دي ماتيو لم يتجاوزاً البايرن إلا بعدما أزاحوا العملاق الأكبر برشلونة و بعقر داره أيضا و تسبب دي ما تيو في دفع جوزسيب غوارديولا إلى الانسحاب ، كما أطاح بليفربول و أحرز كأس إنجلترا و نافس بكل شراسة على البطاقة المحلية الرابعة المؤهلة لدوري الأبطال بطريقة أفضل حتى عندما كان ينافس على البطولة نفسها رغم أن الجميع كان يدرك الحالة المعنوية السيئة التي أصابت زملاء جون تيري في عهد بواش غير أن خلفه حارب الإحباط فاستعاد لامبارد و دروغبا حماس الشباب و استرجع الإسباني فرناندو توريس حسه التهديفي المعتاد و أعترف زملاء سالامون كالون بفضل هذا الإيطالي في الأداء الرائع الذي قدومه في نهاية الموسم بطريقته الإيجابية في التعامل معهم و مع المباريات و الظروف المحيطة بها .

و بالتأكيد فان الإنكليز صحافة و نقاد و جمهور و مثلما انتقدوا انشلوتي و رانييري وكابيلو و اعتبروهم مسؤولين عن إخفاقاتهم الكروية سيرفعون القبعة لماتيو و مانشيني اعترافا مرة أخرى للمدرب الإيطالي بشخصيته المتميزة عن غيره من المدربين الأوروبيين و لهم من الشجاعة ما يجبرهم على الاعتراف بدورهم و نسب هذا النجاح لهم و ليس لغيرهم.