دخلت قناة الجزيرة الرياضية القطرية ونظيرتها الفرنسية كنال بلس في حرب تجارية غير معلنة بأهداف متباينة ، الأولى تتطلع إلى كسب مواقع جديدة في أوروبابعدما اكتسحت أجواءالخليج العربيوالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والثانية تدافع عن مواقعها التقليدية في القارة العجوز خاصة في فرنسا.

شعار الجزيرة الرياضية وكانال بلس

بينما تستخدم الأولىاليافعة السلاح الناعم ذا الفعالية الناجحةممثلا في المال، فان الثانية تراهن على تاريخها العريق وجودة منتوجها وتعلق جمهورها بها على مدار السنين.

ورغم أن القطرية تخوض الحرب خارج قواعدها إلا أنها اختارت الأسلوب الهجومي خاصة أن ليس لها ما تخسره بغض النظر عن النتيجة النهائية لهذه الحرب ، بينما فضلت الفرنسية تبني استراتيجية دفاعية لأنها الخاسر الأكبر.

وللقناة العربية هدف أسمى هو احتكار بث منافسات جميع البطولات وفي كافة الرياضات بشكل مطلق على قنواتها الرياضية الكثيرة.

ولغاية الآن، فإن المنافسة تصب في صالح الجزيرة الرياضية التي كسبت أولى معاركها مستفيدة من مواردها المالية الضخمة التي سمحت لها بضخ ميزانية هائلة لتحقيق هدفها ، ومستفيدة أيضا من خبرتها في مثل هذه المعارك بعدما سبق لها أن نالت حقوق البث الحصري لعدد من البطولات سواء في كرة القدم أو في رياضات أخرى على غرار أمم أوروبا ، والدوري الاسباني الأكثر مشاهدة في العالم والايطالي ، وبطولة كوبا أميركا ، وجل المباريات الودية العالمية.

كما استفادت من انهيار شبكة راديو وتلفزيون العرب أي ار تي في العام 2009 ما جعل الاخيرةتتخلى عن عدة بطولات قارية وعالمية زادت من نسبة مشاهدة الجزيرة الرياضية في العالم على غرار تصفيات ونهائيات كأس العالم ودوري أبطال أوروبا ، ودوري أبطال أفريقيا وكأس الكنفدرالية الأفريقية و أمم أفريقيا ، وهي البطولات التي زادت من شعبية القطرية من جهة ومن جهة أخرى من طموحاتها في غزو الفضاء العالميالرياضي بالتزامن مع السياسة الحكومية لدولة قطر في تنظيم واستضافة كبرى التظاهرات الرياضية العالمية وعلى رأسها نهائيات مونديال 2022 في انتظار الاولمبياد ، وأيضا الاستثمار المالي القطري في الكرة الأوروبية ، لذلك فان منافسة الجزيرة الرياضية وسعيها للاستحواذ على أسهم كانال بلس ما هو في الحقيقة سوى جزء أو جانب من استراتيجية قطرية مدعومة من قبل الحكومة و على رأسها سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني.

ورغم الفارق الكبير بين القناتين من حيث الخبرة الكبيرة في السوق الإعلامية والذي يصب لمصلحة الفرنسية التي سبق لها أن أزاحت العديد من القنوات التي حاولت زعزعتها دون جدوى بل زادها تماسكاً ، إلا أن الأمر اختلف كثيرا مع القطرية التي انطلقت بأقصى سرعة ممكنة لها.

وفي عز الأزمة المالية التي تعيشها أوروبا منذ 2008 فان الدفع بسخاء هو السلاح الرئيس الذي تبنته الجزيرة الرياضية لتحقيق ما تصبو إليه خاصة أنها ليست قناة نفعية والربح المادي ليس ضمن أهدافها أو على الأقل ليس ضمن أهدافها الأولوية ، فالمسؤولون على إدارتها يدركون جيدا عدم تكافؤ ميزان المنافسة بينها وبين أي مؤسسة إعلامية على الأقل في وقت الشدة بما فيها كانال بلس، ويدركون أيضا ان مالكي الحقوق وهم الاتحادات الوطنية والقارية والدولية لا يهمها من يدفع ولا هويته بقدر ما يهمهم كم يدفع وهو الوتر الذي لعبت عليه الجزيرة الرياضية بنجاح لحد الآن ، خاصة أن هذه الاتحادات لديها التزامات مالية كبيرة تجاه الأندية والمنتخبات ومختلف الهيئات الرياضية المنضوية تحت لوائها وملزمة بتقاسم الريوع معها .

كما لجأت القطرية في صراعها مع الفرنسية إلى دغدغة جيوب الأوروبيين من خلالتحديد مبالغ مالية شبه رمزية للمشتركين أقل من تلك التي كانت تفرضها عليهم كانال بلس وبجودة البث العالي .

وهكذا حصلت الجزيرة الرياضية على حقوق بث 133 مباراة من مباريات مسابقة دوري أبطال أوروبا المسابقة الأغلى بنجومها والأكثر شعبية ومتابعة في القارة العجوز لغاية العام 2015 بعدما دفعت للاتحاد الأوروبي 61 مليونيورو أي ضعف ما دفعته في العقد الأول الذي لم تتجاوز صفقته 31 مليونيورو.

ولم تترك للقناة الفرنسية سوى 13 مباراة تذيعها لمشاهديها ، بعدما ظلت هذه البطولة هي إحدى البطولات المحتكرة من قبل الفرنسية على مدار سنوات خاصة منذ تعديل نظامها في العام 1992.

كما حصلت على حقوق بث مباريات نهائيات بطولة أمم أوروبا لدورتي 2012في أوكرانيا و بولندا و 2016 في فرنسا بعدما دفعت مبلغا خياليا يقدر بـ130 مليونيورو وبموجبه ستنقل القناة المباريات للفرنسيين مع تحليلها من قبل نجوم كروية فرنسية جلبتهم الجزيرة الرياضية أمثال روبير بيراس وألان بومسونغ و جريجوري كوبي ومايكل لوندرو وباتريك فييرا و كريم بن زيمة .

ولتجسيد سيطرتها على الفضاء الأوروبي وخاصة الفرنسي أقدمت الجزيرة الرياضية على إنشاء قناتين جديدتين هما بي ان سبورت الأولى التي افتتحت في الأول يونيو وبي ان سبورت الثانية المنتظر افتتاحها في أغسطس ، والناطقتين باللغة الفرنسيةاللتين ستبثان مباريات الدوري الاسباني والانكليزي والفرنسي ودوري أبطال أوروبا واليوروبا ليغبداية من الموسم الجديد 2012-2013 وهو ما شكل ضربة موجعة لكانال بلس التي تراجع بثها لمباريات البطولات المذكورة بشكل رهيب خاصة أن قيمة الاشتراك الشهري لن تزيد عن ال11يورو ، فالقناتان ستبثان كل مباريات دوري الأبطال باستثناء مباراة واحدة للقناة الفرنسية الأولوية في اختيارها ، والأمر نفسه ينطبق على الدوري الأوروبيمع قناة ام 6 التي تمتلك امتياز اختيار مباراة واحدة تبثها لجمهورها ،ستبثان ثماني مباريات من الدوري الفرنسي الأول عن كل جولة منها مباراة يوم الجمعة بينما لن تبث كانال بلس سوى مبارتين فقط عن كل جولةمنها مباراة الأحدالأخيرة عن كل جولة. و التوزيع نفسه تقريبا ينطبق على الدوري الانكليزي والاسباني والايطالي والألماني فضلا عن مباريات الكأس .

ووفقا لتوقعات خبراء السوق التجارية الإعلامية، فان عدد مشتركي الجزيرة الرياضية في فرنسا لوحدها سيصل في حدود العام 2016 إلى مليون ونصف المليون مشترك وهو رقم ضخم بكل المقاييس .

و لم تكتفِ الجزيرة الرياضية بخطف مشتركي كانال بلس بل خطفت منها أيضا عددا من موظفيها الكوادر وضمتهم لكادرها البشري حتى تتميز عنها في كل شيءعلى غرار جوليان برون وكريستوف جوزي ، لكن الضربة التي أوجعت الفرنسيين هي انضمام المذيعدارين تولي الذي كان يعد ايقونة القناة بعد الشهرة الواسعة التي نالها مع تقديمه مباريات الدوري الانكليزي وخاصة مشاركته في تقديم الحصة الرياضية الشهيرة فريق الأحد الذي يتناول ملخصات نتائج مباريات أبرز الدوريات الأوروبية.

و لم يكن دارين هو الأيقونة الوحيدة التي غادرت الفرنسية نحو القطرية بل سبقه إلى ذلك شارل بيتري الذي أصبح الرئيس التنفيذي للجزيرة الرياضية ، كما نجحت في انتداب وجوه كروية معروفة على الساحة الأوروبية على غرار الانكليزي جاري لينيكار ومواطنه ستيف ماكمنامان و الفرنسي امانويل بيتي و هي أسماء كانت ستنضم بالتأكيد إلى كانال بلس لولا الإغراء المالي للقطرية.

وفي انتظارانتهاء فصول هذه المنافسة الحرب بين الطرفين فان المتابعين لا يستبعدون ان تدخل الجزيرة الرياضية ساحات أخرى لخوض معارك تجارية أخرى مع مؤسسات إعلامية عريقة وفي هذا الصدد فإن الهدف القادم لها حسبهم هو مجموعة سكاي التي تحتكر هي الأخرى قطاعا هاما من البث الحصري في أوروبا .