يافطة تنعي ريال مدريد بعد خسارته من برشلونة بسداسية

ينتشر بين شباب العراق، رجالاً ونساء، هوس متزايد في تشجيع نوادي الكرة الأجنبية، مثل ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر وآرسنال، متزامنًا مع انحسار التشجيع للأندية المحلية مع الانفتاح المجتمعي على ثقافات العالم ومن ضمنها الثقافة الرياضية بسبب توفر وسائل الاتصال الرقمي عبر الانترنت، وانتشار الفضائيات التي تنقل أخبار نوادي الكرة الاجنبية التي اصبحت لها جماهيرية في العراق تفوق فيها النوادي العراقية المعروفة مثل الزوراء والطلبة والشرطة والجوية .

ولا يجد احمد عسكر (20 سنة) ضيرًا من ارتداء قميص ريال مدريد اينما حل حتى في المدرسة ، اضافة الى اصدقائه من مشجعي النادي، في وقت يتحول فيه التشجيع في بعض الاحيان الى عنف عبر التراشق بالكلمات والألفاظ دفاعًا عن النادي المفضل .

ويتابع : كانت عندي صداقات كثيرة لكنها انتهت في غالب الاحيان بسبب الخلاف حول الموقف من تشجيع النوادي الرياضية .

ويضيف عسكر : نحن مجموعة من الاصدقاء نشجع ( الريال ) ، وبيننا وبين مجموعة أخرى تشجع نادي برشلونة، مواقف خلافية تنتهي في بعض الاحيان الى شجار .

هوس جمعي بالنوادي الاجنبية

ويتحدث رحيم كاظم ( 23 سنة ) عن هوس جمعي بالنوادي الاجنبية، في تقليد واضح لسلوكيات المشجعين الغربية من ناحية ارتداء الملابس والشعارات الخاصة بالفرق والتصرفات الاستفزازية اتجاه مشجعي الخصم .

وكان رحيم شاهد على وقوع عدة اصابات بين مشجعي برشلونة وريال مدريد قبل عدة اشهرعقب انتهاء مباراة الفريقين.

ويعترف رحيم أنه كان مشاركاً فعالاً في المشادات ، مؤكدًا أن هذه الاشتباكات والجدالات تتجدد كلما التقى الفريقان.

وبحسب رحيم، فان بطولة الدوري الاسباني أو دوري ابطال أوروبا اصبحت في العراق مناسبات اجتماعية تترسخ في ثقافة المجتمع ، تتخللها مشادات كلامية وأعمال عدائية .

ومثال ذلك ، ما حدث من مشادة بالضرب والشتائم المتبادلة بين مشجعي (الريال وبرشلونة) في مدينة الصدر في بغداد عام 2011 بسبب سخرية الجماهير من الفريق الخصم وكانت نتيجة الاشتباكات جرح البعض . كما تفاعلت القضية اجتماعيًا الى حد تدخل العشائر وفض النزاعات بالفصل العشائري.

ويدهش سعد البياتي ، مدرب الكرة منذ ثلاثة عقود ، كيف ينحسر تشجيع الفرق المحلية العراقية كالزوراء والميناء والجوية والشرطة الى الاجنبية .

ويتابع : اثناء مباريات الفرق المحلية فإنه نادرًا ما تجد مشجعين يرتدون أزياء تلك الفرق ، مبينًا أن اغلب متاجر التجهيزات الرياضية تحتوى في اغلبها على شعارات وأزياء لفرق اوروبية واسبانية .


الرياضة في تنمية المجتمع

من جهته، ينبّه مدرس الرياضة والناشط الرياضي كاظم هادي ،الى أن الشباب العراقييدير ظهره لنجوم الكرة العراقية لعدة اسباب منها عدم وجود اعلام ناجح يساهم في خلق اهتمام جمعي بالكرة المحلية، كما أن النوادي نفسها لا تمتلك اجندة اعلامية واجتماعية تسخّر الفعاليات الرياضية في تنمية المجتمع والرياضة معاً .

ويشير ناشطون رياضيون الى أن هناك خيبة امل من عدم تمكن النوادي العراقية من تأسيس قنوات اتصال اجتماعية واقتصادية في المجتمع، كما تفعل الاندية الاجنبية التي تحولت الى رقم اقتصادي واجتماعي مهم في مجتمعاتها .

ويعتقد لاعب كرة القدم حميد سالم أن هنالك انتكاسة اصابت الاندية المحلية في اعقاب العام 1990 وأدت الى افراغ الدوري العراقي من نجومه وتحوله الى احد افقر الدوريات في منطقة الشرق الاوسط.

مجنون برشلوني

الشاب الجامعي رعد المعول يطلق عليه اصدقاؤه لقب ( مجنون برشلوني ) ، يرى أن الاندية الاجنبية تفرض نفسها ، مؤكدًا أنه يتمنى أن يتابع ويشجع النوادي العرقية لكن هذه النوادي لا تمتلك سحر الكرة الاوروبية والأميركية اللاتينية أو الاسبانية .
ويتابع : مَن لا يستطيع أن يشجع نجم يمتلك مواصفات ميسي ورونالدو.

وأصبح ارتداء القمصان التي تشير الى نادي اسباني أو اوروبي امرًا شائعًا بكثرة في العراق ، وهي قمصان تحمل رموزاً وكلمات أجنبية .

ويشير الطالب الجامعي لؤي سعد الى أنه يصاب بالاكتئاب عندما يخسر ريال مدريد ويصبح شخصًا عدائيًا طوال فترة الدوري الاسباني.

مدرسة الرياضة مائدة سيد حسن ، وهي ناشطة نسوية ، تبين أن الظاهرة الجديدة في العراق هي أن التشجيع الكروي لم يعد مقتصرًا على الرجال ، مشيرة الى أن هناك نساء يشجعن فرقًا وأندية أجنبية بتعصب وحماس يفوق هوس الرجال بالكرة .

وعلى الرغممنقلة الفرق النسائية في العراق الا أن مائدة تتوقع ازدهارًا لها في المستقبل القريب، كما تشير الاعداد المتزايدة للنساء اللواتي يشجعن كرة القدم .
أحد المهووسات بتشجيع فريق مانشستر الانكليزي ، الطالبة في كلية التربية الرياضية كوثر صبحي التي وقعت في غرام الكرة منذ خمس سنوات لاسيما وأنها تنحدر من أسرة رياضية يشجع جميع افرادها كرة القدم.

وكانت مدينة الناصرية شهدت عام 2011 نزاعًا عشائريًا بسبب خلافات بين مشجعي ريال مدريد وبرشلونة انتهت بالاشتباك بالأيدي وتبادل الشتائم .

كما اضطرت شرطة محافظة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) الى تبليغ مشجعي الأندية الرياضية عام 2011 من اثارة الشغب بعدما مصادمات حدثت بين مشجعي كرة القدم في شوارع المدينة. وشهد مقهى في كربلاء في 2012 مشاجرات بالسكاكين بين مشجعي الكرة في أعقاب مباراة لكرة القدم بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة الأسبانيين، أسفرت عن إصابة عدد من الأشخاص بجروح بليغة استدعت نقلهم إلى المستشفى.

ويصف احمد سالم ، الباحث الاجتماعي والرياضي ، شيوع اعمال العنف بين جمهور الرياضة بأنه ظاهرة خطرة تهدد السلم الاجتماعي وتتربص بالفعاليات الرياضية العراقية.

ويرى سالم أن المشجعين العراقيين صاروا يقلدون في سلوكياتهم الجمهور الرياضي الغربي في تصرفاته السلبية من ناحية الاعتداء على الشرطة ، وتناول الحبوب المخدرة، وحمل الادوات الحادة الى الملاعب .ويتابع : هذه سلوكيات متطرفة لم يعهد بها المجتمع من قبل .

ويرجع سالم التعصب الكروي الى العنف الذي ضرب المجتمع، والى الحروب التي مر بها العراق طيلة ثلاثة عقود .

ويتابع : كثيرون يفرغون غضبهم عبر التشجيع الكروي ، ويظهرونه عبر التعصب لهذا النادي أو ذاك ، يظهر ذلكفي تعبيرات الوجه والأزياء الدالة على التوجه والمعتقد ( الرياضي ).

ويقول المتتبع للشأن الرياضي ليث الجبوري إن امسيات رمضان تتحول في الكثير من الاحيان الى جدال كروي بين انصار النوادي الاجنبية حيث يتحول الى حوار منفلت في بعض الاحيان.

وبحسب ليث، فإن الدوري الاسباني على وجه التحديد ينال الاهتمام اكثر من أي دوري محلي ، لكنه يسبب اشكالات اجتماعية بين الافراد التوجهات في التشجيع الكروي.

وبحسب ليث، فإن حتى افراد الاسرة الواحدة تتوالد بينهم الضغينة بسبب اختلافًا، مؤكداً أن شابًا اصيب ( بجلطة قلبية) حين خسر فريق ريال مدريد مباراته الاسبوع الماضي.

وينتقد المدرس والاكاديمي سعد الشريفي انحسار الاهتمام بالعلم والنشاطات الاجتماعية وطغيان هوس التشجيع الكروي ، حيث تحولت الرياضة من فعالية،
الغرض منها الحفاظ على الصحة الشباب وتنمية الارواح والابدان، الى ظاهرة مرضية تسبب للأفراد القلق النفسي والتنافر الاجتماعي.

ولم يعد الفرد العراقي مهتمًا بالسياسة حيث يبدي كرهًا لرموزها ، كما لم يعد يصنف بحسب توجهه السياسي أو الفكري بل وفق النادي الذي يناصره ، فهناك من يصف نفسه( برشلونيًا ) ، وآخر( مدريدياً ) بحسب الفريق الذي يشجعه.

ويحذر اللاعب قاسم رباح من جنون كروي يتحول الى شكل من اشكال التعصب الذي يرتبط تدريجياً بالظواهر السياسية والاجتماعية، و يصعب السيطرة عليه في المستقبل.