تعتبر رياضة الجودو اول لعبة آسيوية تدرج ضمن البرنامج الاولمبي الرسمي، وتحقق ذلك بمناسبة تنظيم طوكيو العاب عام 1964، وهي اول دورة اولمبية تقام في احدى المدن الآسيوية.
وبالنسبة لليابانيين كان يعني حصولهم على شرف تنظيم الالعاب قبولهم ضمن الدول العظمى، وعلى رغم ذلك تحول نهائي لعبتهم الشعبية الاولى الى اهانة لكبريائهم الوطني بعد فوز الهولندي انطون غيسينك بذهبية الوزن الثقيل اثر ظهوره بمستوى اذهل خبراءهم كونه من اللاعبين القلائل الذين تشربوا روح اللعبة وبرعوا فيها وتحدوا اهلها.
واظهر فوزه ان اليابانيين استخفوا به كثيرا، وبعدها بدأ يعترف به كبطل فذ تعب كثيرا حتى حقق انجازه.
منذ دخولهم "الكبير" الاستاد المكتظ بمئة الف متفرج يوم الافتتاح، اراد اليابانيون ان يفرضوا وجودهم امة رياضية قوية تساير نظيراتها الدول الصناعية في هذا العالم، لكن غيسينك تماهى في انجاز غير مألوف بالنسبة لرياضيي بلاده فهو لم يتوج في لعبة شمالية كالتزلج على الثلج أو التزحلق على الجليد بل في رياضة "مقدسة" عند "العرق الأصفر" هي الجودو.
غيسينك (98ر1 م و120 كلغ) هو اساسا خريج المدرسة اليابانية فاز على معبود الجماهير الذي "لا يقهر" اكييو كاميناغا وكان امامه جبلا من العضلات اللينة فقطع انفاسه وشل حركته على الـ"تاتامي" (بساط نزالات الجودو)..
وزار غيسينك اليابان للمرة الاولى عام 1956، ثم صار يتردد عليها سنويا ويمضي نحو اربعة اشهر في ربوعها، "خبرت العادات والعقلية والطباع اليابانية، وكنت اعرف ان منافسي يهاجم دائما من الجهة اليسرى، ومفتاح فوزي عليه يكمن في التفوق البدني، وهذا ما سعيت اليه وتحقق".
وتحول اليوم التالي الى يوم حداد في اليابان في حين كرمت ملكة هولندا غيسينك وحملت شوارع عدة اسمه.
انه "البربري" الذي حطم اسطورة الجودو اليابانية في غضون 30 ثانية، بعدما شل قدرة كاميناغا وشاهد 90 مليون نسمة "الفاجعة" على الهواء مباشرة.
غيسينك هو الاستاذ الذي اعطى اولى دروسه للآسيويين عندما اصبح في باريس عام 1961 اول بطل للعالم غير ياباني. "ذراعا حطاب" مفتولتان طوقت عنق كاميناغا وابكت مواطنيه.
بدا غيسنك على يقين من كل شيء محيطا بالتفاصيل وبحركات خصمه ونبرات مدربه ماتسوموتو وارشاداته.
ومقارنة بعام 1961، اظهر غيسينك تطورا هائلا فأطبق على خصمه امام مواطنيه في قاعة بودوكان الشبيهة بمعبد نارا في القرن العاشر.
غير ان الغضب والحزن اليابانيين اختلفا خلال مراسم التتويج، فاعترافا بمقدرة غيسينك واحتراما لها انحنى كاميناغا امامه بعد تقلده الميدالية الفضية. كما ان يابانيين كثرا اعتبروا فوز غيسينك يابانيا ايضا، لان البطل الهولندي اتقن مهاراته في معهد كودوكان للجودو.
يقول الفيلسوف رينيه ديكارت: "الاصعب ان تقصي لا ان تختار"، لكن قائمة المميزين في "طوكيو 1964" التي ضمت وجوها بارزة امثال العداء الاثيوبي ايبيي بيكيلا والسباح الاميركي دون شولاندر والسباحة الاسترالية داون فرايزر والعداء النيوزيلندي بيتر سنل، والعداء الاميركي بوب هايز بطل 100 م الذي كسر حاجز الثواني العشر (9ر9 ث) وكان اول من تخطت سرعته 36 كلم في الساعة، تصدرها العملاق غيسينك لانه برهن مقولة معتمدة في الجودو، وهي ان الاكثر خبرة وحكمة يفوز. لذا كان سهلا ان يختار نجما ساطعا لدورة طوكيو.
وهكذا تفوق ذلك الهولندي على من اوفدوا "رسلا" لنشر الجودو في العالم من منطلق تنمية شعبية اللعبة واتساعها وليس لتخريج من يفوز على ابطالهم وينال منهم، فرد لهم التحية في عقر دارهم فاتحا عهدا جديدا في عالم اللعبة.
وبعد اعتزاله، دأب غيسينك (مواليد 1934) الذي احرز بطولة العالم 3 مرات وبطولة اوروبا 21 مرة، على تدريب الناشئين بالاخلاص ذاته الذي كان ينافس به على البساط، من منطلق ان حامل الذهبية يبقى نكرة اذا لم يمثل القيم الاولمبية. كما انتخب عضوا في اللجنتين الاولمبيتين الهولندية والدولية، وتوفي عام 2010 عن 76 عاما
التعليقات