ما من أحدٍ يعرف على وجه الدقّّة هل مؤلف ملحمة گلگامش ذَكَر أم أنثى؟ لِمَ لا يكون شاعرة، ففيها من صورالامومة والضعف الانثوي ما يعجز عنه الرجل.
أيضاً، ما من أحدٍ يعرف بثقة، هل كانت الملحمة مجموعة من الحكايات المتفرقة، فجمعها شاعر ذو مّلَكَة خاصة، وحبكها حبكاً روائياً ممسرحاً. مع ذلك ما من أحدٍ قرأها، إلاّ ووقع تحت سحرها العجيب.
قال الشاعر النمساوي الألماني رينر ماريا ريلكه في رسالة له عام 1916: "ملحمة گلگامش مذهلة، أعْتبرُها من أهمّ الأمور التي يمكن ان يصادفها الانسان.. لقد أغرقت نفسي فيها، فخبرت في تلك الكِسَر الهائلة من الألواح المفخورة أنظمةً واشكالاً تنتسب الى الاعمال المجوّدة التي انتجتها الكلمة الساحرة على طول تاريخها".
ما السرّ في عظمة هذه الملحمة؟ في تأريخيتها؟ وهي ليست تاريخاً. في خيالاتها الخرافية؟ وهي ليست خرافية. في أسئلتها الفلسفية؟ وهي ليست كتاباً فلسفياً. أم في هذا المزيج العجيب من التاريخ و الخرافة و الفلسفة؟ ليكنِ الأمر كذلك. غير انّ التاريخ أو الخرافة أو الفلسفة، لا يكون مؤثراً فنّياً إن لم يمرَّ بتقنياتٍ مختلفة، مبتكرةٍ ومتطورة. لا ريب ان مؤلف ملحمة گلگامش شاعر حاذق فتقنياته في صناعة الشعر لا تقلّ عن تقينات ايّ شاعرٍ معاصرٍ عربي أم اجنبي.
ربما بهذه التقنيات، انسحر ريلكه، كما انسحر الشاعر الانكليزي المعاصر: ديفيد MITCHELL الذي ترجم مؤخراً، الملحمة الى اللغة الانكليزية شعراً.
لكن ما من أحدٍ – على حدّ علمي المتواضع- خصص دراسة خاصة لهذه التقنيات، وإنما هناك انطباعات –وبعضها مهمّ جداً- ولكن في تضاعيف موضوعات أخرى – كما سنرى-.
تقول KOVACS: "مما لا شك فيه إن مؤلف ملحمة گلگامش كان عالماً ومتضلعاً من الموروثات المدوّنة لبلاد الرافدين" (المقدمةxxxiii ).
حين يكون مؤلفُ أيّ نصّ، عالماً، وإذا تمتع مع ذاك العلم، بالموهبة الفطرية، فلابدّ أن يكتسب النص أبعاداً باطنية خفية، لا تكون فيه الكلمات في الظاهر إلاّ قشرةً خارجية. وكما أنك لا تستطيع أن تفتح الأبواب إلاّ بمفاتيحها، كذلك النصوص الجليلة، لها مفاتيحها الخاصة وسعيد مَنْ يعثر ولو على بعضها.
إذنْ ما هي مفاتيح ملحمة گلگامش؟ بكلماتٍ أخرى: كيف نقرأ ملحمة گلگامش؟ لا شك أن النص إذا تعددت قراءاته دلّت على ثرائه، وعلى مستوياته المختلفة.
يقول مثلاُ N. K. SANDARS في كتابه "ملحمة گلگامش" THE EPIC OF GILGAMESH عن رحلة گلگامش وانكيدو الى غابة الأرز لقتل عفريت الشرّ خمبابا: "الرحلة الى الغابة وما تبعها من قتال، يمكن أن تُقرأ على مستوياتٍ مختلفةٍ من الحقيقة مثل قصة رمزية من القرون الوسطى. فالغابة غابة حقيقية إما شمالي سوريا أو بعيلام جنوب غربي إيران، ولكنها أيضاً مسكن قوىً خارقة، ومشهد لمغامرات غريبة، كمغامرات هؤلاء الأبطال الكلتيين، وفرسان العصور الوسطى. كما أنها (أي الرحلة)، هي الغابة المظلمة للروح" (ص 32).
أكثر من ذلك يشبه SANDARS هذه الرحلة برحلة "أوذيس لإيجاد TEIRESIAS" ويعتبرها: "مشهداً روحياً مثلما هو الحال مع غابة دانتي المظلمة والجبل والحفرة" (ص 36). أما ANDREW GEORGE فيؤكد بأنه "يمكن التمتع بملحمة گلگامش لأنها ممتعة بحد ذاتها، بدون استفسارات أخرى، إلاّ أن بعضَ معرفةٍ بالميثولوجيا التي تعبّر عن العلاقة بين الآلهة والملوك والبشر وكيف فهم البابليون الكون والدين، وكيف أثرت معتقداتهم في فهمهم للألهة، سيعطينا استبصاراً أكبر في هذه التحفة" (ص xxxvii). لا ريب أن وجهات النظر في كيفية قراءة گلگامش تتعدد بتعدد النقاد الذين يبحثونها، أو هؤلاء الذين يترجمونها. ولكن – كما يبدو- أن أطرف كتابين ظهرا لحد الآن في تفسير ملحمة گلگامش هما:
1-THE ARCHETYPE SIGNIFICANCE OF GILGAMESH
Rivkah Scharf KLUGER
2- HE WHO SAW EVERYTHING

من تأليف: ROBERT TEMPLE

ولدت KLUGER عام 1907 بمدينة بيرن، ولكنها عاشت بزيوريخ منذ أن كان عمرها سنتين. حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة زيوريخ. موضوعها للدكتوراه: "اللغات السامية وتاريخ الأديان". أصبحت تلميذة لعالم النفس السويسري الشهير يونغ JUNG (كارل غوستاف 1875-1961)، ومن ثمّ شاركته في التأليف، وهو الذي "حثّها على بحث موضوعٍٍ كان قد أحبّه منذ ان بدأ بحثه العلمي الأول في الميثولوجيا: كلكمامش". درست KLUGER ملحمة گلگامش من وجهة نظر سايكولوجية، وهي أوّل دراسة من نوعها. اعتمدت في هذه الدراسة على نظريات JUNG ولاسيما "في تحليل نصّ" ملحمة گلگامش. على هذا فنحن لا نجد في كتابها هذا، كما يقول C. A. Meier: "إلاّ اقتباسات من كتب ومقالات تعطي الأسس الاركيولوجية والفيلولوجية لنصّ الملحمة"(المقدمة ص9). سيرى القاريء في كثير من الهوامش لاحقاً، بعضاُ من تفاسيرها الطريفة. أما الكتاب الآخر: "هو الذي رأى كل شيء"، فقد فسّر روبرت Temple ملحمة گلگامش تفسيراً فلكياً، واجداً علاقة بين ابطال الملحمة وبين بروج النجوم والكواكب. يقول TEMPLE: "ملحمة گلگامش مفعمة بالألغاز والطقوس المثيرة. إنها – في غالبيتها- مكتوبة بالشيفرة، فهي من ناحية تشبه قصة دنيوية زاخرة بالأحداث، ومن ناحية أخرى تفسح المجال للكهنة والعلماء أن يخفوا معانيها الأعمق بواسطة استعمال التورية Double entendre والمرموزيةSymbolism".

يأخذ Temple كَمَثل على ذلك ما يُذكر بأن ثلثي گلگامش من مادة إلهية، وثلثه الآخر من مادة بشرية، وهذا هو الرأي الشائع. يقول Temple: "گلگامش ينتسب الى كوكب عطارد MERCURY الذي كان يراقبه البابليون باهتمام بالغ الافراط. كانوا يعرفون ان عطارد حين يجري في السماء فإنه لا يقطع كل نطاق البرج. إنه في الواقع لا يقطع إلا ثلثيه فإذا اعتقدت ان عطارد إله، عندئذ فإن طريق الكوكب في البرج هو ثلثا إله والثلث الباقي لا إله".
يذكر Temple كذلك أن كتاباً نشر بالألمانية عنوانه: “DIE STERNE VON BABYLON” (نجوم بابل)، لمؤلفه WERNER PARKE، الذي ترجم الملحمة وشرحها شرحاً وافياً جداً، حاسباً إياها قصيدة فلكية. يبين PARKE في بعض الحالات كيف أنّ گلگامش له صلة ببرج الشعرى ORION، وأدرك أيضاً أن تحركات عطارد MERCURY المعقدة هي جزء من القصة" (ص xxii- xxiv).
هذه النظرات وسواها قد تخطئ وقد تصيب، وكلها تومئ الى حقيقة واحدة هي أن الملحمة معبأة بالرموز والألغاز، وهذا أحد وجوه ثرائها. يبدو أن هذا الاهتمام الشديد بملحمة گلگامش، لا يمكن ان ينوجد لولا مَلَكَة التأليف وبلاغة التوقيت، أي التقنيات. ربما بسبب هذه التقنيات انتشرت. وأول مَنْ يتأثر بهذه التقنيات هم الأدباء، والشعراء خاصة، لأنهم أعرف بسرّ المهنة، كما رأينا أعلاه، مدى حماسة ريلكة للملحمة.
يذكر وليم ل. MORAN، بعد أن ذكر ترجمتين حديثتين لگلگامش، كيف "أن روبرت SILVERBERG الروائي البارز في الروايات العلمية، حوّل ملحمة گلگامش الى رواية من الطراز الأول عنوانها "گلگامش الملك- GILGAMISH THE KING. أما المرحوم JOHN GARDNER، فقد أكمل قبل وفاته بزمن قصير إعادة كتابة النص الى الانكليزية، ونُشر عام 1984. وفي هذه العقود الأخيرة أيضاً حولت الملحمة الى موسيقى، ففي عام 1988 عرض مسرح der freien wolksbűhne ببرلين أوبرا بسبعة فصول عنوانها الغابة The Forest من تأليف روبرت ولسون وديفيد بيرن. خلاصة القول، أصبحت ملحمة گلگامش جزءاً من أدب العالم"

يذكر الأديب العراقي فوزي كريم في مقالة منشورة في Internet عن تأليفٍ موسيقيّ لبويسلاف مارتينو (1890-1995). وضع مارتينو عمله هذا: ملحمة گلگامش، عن ترجمة انكليزية.. قام بها ريجدنالد كامبيل تومسون عام 1928،.. حاول إعادة صياغتها وتكثيفها محتفظاً بما هو أساسي وجوهري، خاصة فيما يتصل بتطلع البطل التراجيدي گلگامش الى المعرفة والصداقة ومواجهة الموت. هذه الأركان الثلاثة للملحمة الخالدة عالجها مارتينو محققاً التأثير النفسي الدرامي عبر الصور النموذجية الأولى التي تتسع دلالاتها لتشمل كل كائن بشري. صحيح إن گلگامش كان مَلِكاً ولكنه بالنسبة الى مارتينو كان كل واحد منا دون حدود للزمان والمكان" (مادة گلگامش Google).
نعود الى Temple لأن حماساته للملحمة لا حدود لها. يقول: "ملحمة گلگامش أساس معظم ثقافتنا دون أن ندرك ذلك، فالبطل گلگامش هو النموذج الأصلي لهرقل الإغريقي فيما بعد. فمبدأ القصص الزاخرة بالبطولة تنحدر أصولها الأولية الى ملحمة گلگامش والى الملاحم السومرية الأخرى حوالي ثلاثة آلاف سنة ق. م"( viii). ويقول:
"... تأثر الشاعران الإغريقيان هوميروس وهيسيود HESIOD بملحمة گلگامش وبالعُقَد والرموز الميثولوجية المتعلقة بها."
كتب علماء مثقفون مقالات عديدة بهذا الشأن. يقول Cyrus Gordon في كتابه "الخلفية المشتركة للحضارتين الاغريقية والعبرية": "يفسر حلول گلگامش بين أيدي الايجيين (على بحر إيجه) كثيراً من العلاقات الوثيقة بين الملحمة والاعمال الادبية الإغريقية المبكرة، الممثلة بالمجموعة الهرقلية، لدى هوميروس وهيسيود. لقد كانت ملحمة گلگامش، التحفة الرئيسية والأكثر تأثيراً قبل العصور السابقة للتوراة ولهوميروس.." ( ix).
يشير Temple كذلك الى مقالة كتبها George Heild عام 1983 تناول فيها التشابهات بين الملحمة وأفلاطون". أشار في هذا المقال الى أن بذور النظرة الأخلاقية الغائية، تلك الشبيهة بنظرة أفلاطون وأرسطو يمكن العثور عليها في ملحمة گلگامش" (ص x).

لإعطاء مثل واحدٍ من ملحمة گلگامش وكيف انتقل الى مؤلفات أخرى، لنأخذْ على سبيل المثال، حديقة الاحجار الكريمة. وصل گلگامش الى هذه الحديقة المسحورة بعد مسيرة أيامٍ مظلمة في نفق. لا يرى ما أمامه وما خلفه. كان يريد ان يلتقي بجدّه الإنسان الخالد ويسأله عن سرّ خلوده. ما من طريق للوصول إليه إلاّ هذا النفق الذي دلّه عليه "الرجل العقرب". سار گلگامش بهمّة الخائف من الموت، فإذا هو بعد أيامٍ دامسة أمام هذه الحديقة المضيئة بالجواهر:

"ثم سار عشر ساعات مضاعفة
وبعد إحدى عشرة ساعة بزغ الفجر
وبعد أن قطع اثنتي عشرة ساعة مضاعفة عمّ النور
وأبصر أمامه أشجاراً تحمل الأحجار الكريمة
ولمّا رآها اقترب منها
فوجد الأشجار التي أثمارها من العقيق
وتتدلى الأعناب منها ومرآها يسُرّ الناظر
ووجد الأشجار التي تحمل اللازورد فما أبهى مرآها
رأى الشوك والعوسج
الذي يحمل الاحجار الكريمة واللؤلؤ البحري..."

نرى أول صدى لهذا البستان العجيب في سفر حزقيال: (13-18) عن ملك صور الذي طُرد من حديقة الأحجار الكريمة بسبب تغطرسه وإثمه: "كنتَ في عدن جنة الله. كل حجر كريم. ستارتك عقيق أحمر وياقوت أصفر وعقيق أبيض وزبرجد وجزع ويشب وياقوت أزرق وبهرمان وزمرد وذهب. أنشأوا فيك صنعة صبغة الفصوص وترصيعها يوم خلقت." بحثت STEPHNIE DALLEY في كتابها :أساطير من بلاد الرافدين" كيف تأثرت "ألف ليلة وليلة" بحكايات ملحمة گلگامش، فنوّهت برحلة بلوقيا:
"الملك الشاب بلوقيا (وقد يكون صيغة تحببية من اسم بلكامش وهو الاسم السومري لگلگامش) شدّ الرحال مع صديق حميم له للتفتيش عن الخلود، وذلك بالحصول على خاتم سليمان، (تعيد الذهن الى فصل خمبابا). مات صديقه في وقت غير مناسب عندما كان نجاحهما في متناول اليد. الرحلات اللاحقة لبلوقيا قادته عبر ممر سري تحت الأرض (گلگامش الفصل التاسع) أوصله الى مملكة حيث للأشجار فيها أوراق زمردية وثمار ياقوتية. وهناك يلتقي بالملك القاصي صخر، الذي حصل على الخلود بطريقة هي مستحيلة الآن لأن يحصل عليه بلوقيا، وذلك بالشرب من اكسير الحياة الذي يحرسه الخضر (وهو حكيم إسلامي بني على شخصية "إترا حاسيس"). يشرح الملك صخر لبلوقيا، التاريخ القديم للعالم (في الكتاب 11)، ومن ثمّ يعود بلوقيا الى بلاده رأساً...) إلخ (ص 48)
لهذه الحديقة الياقوتية أهمية فنية مؤثرة، لأنها تظهر كسرابٍ مائيّ جميل، بعد طول رحلة دامسة. لذا فتوقيتها يضفي عليها أهمية أخرى. لا ريب إن التوقيت في ملحمة گلگامش من أهم ميّزاتها.
يبدو أن الشرّاح -عرباً وانكليزاً- لم يلتفتوا الى عبقرية التوقيت، وإذا التفتوا اختلفوا في رمزيتها. يقول N. K. SANDERS: "كانت رحلة گلگامش عبر الجبل التوأم المسمّى "ماشو"، لاتباع مسير الشمس على الاقدام. والغاية منها في نهاية المطاف هي الوصول الى حديقة أو جنّة الشمس على سواحل المحيط... إنها جنة أرضية... وثمارها الأحجار الكريمة. إنها تعطينا لمحات عن جنة عدن... هنا تجري الشمس في الصباح وترى گلگامش أشعث بائساً، فتعترض عليه. ولكن على الرغم من إنذار الإله له بأن ما ينشده لن يجده، إلاّ أن گلگامش يمضي غير آبه". (ص 37-38).
أما KLUGER المعروفة بتأويلاتها البالغة الفطنة لملحمة گلگامش، فتقول: "ما الذي ترمز إليه هذه الحديقة؟ إنها جنة روحية. ولماذا مجوهرات؟ لأنها كنوز". "نعم إنها كنوز ترمز الى السرمدية. فالماسة رمز لجوهر الانسان في أكثر الاحايين، وللقناعة الثمينة، وللأشياء التي لا تتلف بالنسبة للخيمياوي ALCHEMIST. ان نوعية الثمار التي لا تتلف قد تشير الى انها لا تنمو في حديقة طبيعية. قد يكون للدخول هنا الى هذه الحديقة صلة بالحصول على تلك الأشياء التي لا تتلف وهذه نفسها لها علاقة باستعادة كمال البشرية البدائي وسموّه" (ص 171).
المعروف ان روبرت Temple، وهو أحد مترجمي ملحمة گلگامش، هو الوحيد الذي شرح، كما قلنا، هذه الملحمة شرحاً فلكياً، فأعطاها أبعاداً جديدة. يقول: "قد تكون حديقة المجوهرات، جنة خرافية للشمس.. ثمة حديقة للشمس في الأساطير الإغريقية في موطن الغروب معروف باسم حديقة التفاح الذهبي HESPERIDES. لقد زار البطل الإغريقي هرقل الذي صيغت شخصيته على غرار شخصية گلگامش، حديقة الشمس..." ومع ذلك يعتقد Temple أن التفاح الذهبي لم يكن تفاحاً في الأساطير الإغريقية وإنما كان سفرجلاً... لأن السفرجل يرمز الى الشمس... لذا اعتقد أن التفاح في جنة عدن كان في الواقع سفرجلاً..." (ص 97 حاشية 14).
بما أن الملحمة لا تبشّر بفكرة أو فلسفة أو دين، فلا بدّ أن يُعزى انتشارها الواسع وتأثيرها العميق حتى في الآداب العالمية المعاصرة، إلى مَلَكَة التأليف والى بلاغة التوقيت: اي التقنيات. مع ذلك، لم يفطن إلاّ القليل من النقاد الى التقنيات المدهشة التي استعملها هذا الشاعر، بحيث أصبحت هذه الملحمة وكأنها نص عصري.
من هؤلاء القلّة SARA DENNING-BOLLE في كتابها: “WISDOM IN AKKADIAN LITERATURE” حيث تتبعتْ بعمق أهمية الحوار في ملحمة گلگامش. تساءلت BOLLE: "ما تأثير الحوارات؟ كيف تؤثر الحوارات عامة في الملحمة ككل" (ص103).
تقول BOLLE: "إن الملحمة نصّ حواري"، وهي تعتقد ان الحوار هو الذي "حَبَك أجزاء الملحمة بوحدة واحدة" (ص 103). ومن خلال الحوار درستْ شخصية گلگامش، وعشتار وانكيدو، وألقت ضوءاً على لغة كل منهم وتعابيرهم. تناولت BOLLE مجموعتين من الحوارات (سنتناول المجموعة الأولى فقط). يبدأ الحوار في هذه المجموعة بعد أن قتل گلگامش وانكيدو عفريت الشر خمبابا في غابة الارز، وعادا الى "أوروك". يبادرنا گلگامش بأجمل زينة:

"غسل گلگامش شعره الطويل وصقل سلاحه
وأرسل جدائل شعره على كتفيه
وخلع لباسه الوسخ واكتسى حللاً نظيفة
ارتدى حلة مزركشة وربطها بزنّار
ولما أن لبس گلگامش تاجه
رفعت عشتار الجليلة عينيها
ورمقت جمال گلگامش..."

ودعته لأن يكون زوجها. أن "يمنحها بزره لتتمتع بها". إلا أن گلگامش بدأ جوابه باستفهام استنكاري:

"لكن ما الذي يجب أن أقدمه لك إذا ما تزوجتك"؟

ثم راح يجيب هو نفسه عن السؤال. يجيب باستعارات ورموز عن ازواجها السابقين.(تفاصيل أوفى عن الأزواج لاحقاً). قال لها مثلاً

" أنت قصر يتهاوى على حماته الأبطال
نعل يقرص قدم منتعله"

لا يتوقف غلّ گلگامش عند هذا الحدّ. بسؤال استنكاري آخر يقدم القِسْم الثاني من الاهانات... ثم يعدد أزواجها وكيف حوّلتهم إلى أسد وحصان وشقراق بعد ان ملت من حبهم. يروي گلگامش في احدى مراحل هذا الحوار حواراً آخر يجري بين عاشق مأمول وعشتار، يشكل هذا الحوار حواراً آخر داخل الحوار الأوسع بين گلگامش وعشتار. يصف گلگامش ما الذي حدث للبستاني الذي توددت إليه عشتار بكلمات ناعمة، تدعوه فيها لحبها. إلاّ ان البستاني يرفض مطارحاتها الماكرة بعدة عبارات مجازية حاذقة:

"ألا تخبز امّي؟ ألمْ آكلْ،
حتى آكل خبزاً يجلب عليّ التعسف واللعنات؟
البردي فقط يجب ان يكون غطائي ضد البرد!"

كان ردّ فعلها على ذلك أنْ ضربته ضربة واحدة، فمسخته الى حيوان أدنى. ثم اتخذت الراعي حبيباً لها. كان يقدّم لها الجداء يومياً كأضحية، ولكن حين ملّت منه، مسخته الى ذئب، بات يطارده لِداتُه الأولون وتعضّه كلابه" تقول Bolle: "وهناك حيل أدبية عدة تضاف الى التأثير الذي يحدثه حوار الملحمة. تظهر الأسئلة الاستنكارية على الدوام في الحوارات. الأسئلة الاستنكارية وسائل شديدة الفاعلية في الخطاب الأدبي. إنها تؤثر حتى في الانتقالات المهمة في النص، وفي بعض الأحيان تقوم كواسطة يتمُّ من خلالها إيصال حقائق سرمدية وفلسفات، كما في أسئلة أوتو- نفشتم الى گلگامش (اللوح العاشر)، وبين حين آخر، يجيب المتكلم نفسه عن هذه الأسئلة الاستنكارية، كما في تهجّمات گلگامش على عشتار.
الأسئلة الاستنكارية، بالإضافة إلى ذلك، تعزز الى حدّ كبير، من التأثير الدرامي في الملحمة. إنها تجرّ القارئ أو المستمع الى النصّ، لأن السؤال ينبع فجأة من الجزء الأساسي منه. إنه يحمل في أغلب الأحيان نبرة توكيد، وتفاجئ القارئ على حين غرّة. يفكر القارئ عادة لفترة في السؤال، لأن السؤال لا يمكن الإجابة عنه، أو لأنه بديهي ويتضمن في داخله بذور نتائجه. الأسئلة الاستنكارية مستعملة بكثرة في حوارات الملحمة، وتحمل معها مؤثرات درامية هائلة" (ص 100-101). تقول ايضاً:
"وثمة أسلوب آخر في استعمال الحوار لرفع النوعية الدرامية، وهو الحوار الخارجي كردّ فعل على الحوار الداخلي كما في المشهد المهم بين گلگامش وصاحبة الحانة سيدوري، فكلمات گلگامش هنا تخاطب ما قالته سيدوري لنفسها صامتة" (ص 101).
قلنا أن التقنيات التي استخدمها الشاعر في صناعته، هي من أهم مجوّدات الملحمة. وقد انتبه غير واحد من النقاد الى ظاهرة التخطيط الهيكلي لهذه الملحمة. تقول ستيفني BALLEY: بمهارة فائقة (خلق الشاعر) عملاً موحداً من عناصر مختلفة. وقد اتبع من أجل ذلك عدة أساليب. البطل گلگامش حاضر في الملحمة دائماً، وان كان في بعض الأحيان يقوم بدور الشاهد الصامت الى حكاية شخص آخر.
تطورت قيمة التفتيش عن الصيت في البداية، الى نشدان الخلود في القسم الأخير من الملحمة. من علامات التخطيط المسبق لتأليف الملحمة، أنّ الألواح الأحد عشر قُدَّم الشاعر لها بالمقدمة Prologue تعاد كخاتمة Epilogue في النهاية. أحلام گلگامش الثلاثة في اللوح السادس وأحلام أنكيدو في اللوح السابع ربما استخدمت لتصعيد التوتر، باستخدام تفسيرات خاطئة متعمّدة تتنبأ بدنوّ الكارثة والموت، إلاّ أن المشاهدين يدركون أنها تفسيرات خاطئة. ومما يعطي تلاحماً خاصاً للملحمة، استعمال التعابير الجاهزة وعلى الأخص، المدخل الى الخطاب المباشر" (ص 46).
من ناحية أخرى رأى STEPHEN MITCHELL في كتابه: "گلگامش" ميزة أخرى لشاعر الملحمة، حينما ضمّنها قصة الطوفان. يقول : "مَنْ اراد من القرّاء أن يفهم الغاية الدرامية من تضمين الطوفان في الملحمة، عليه أن يقرأ الكتاب الحادي عشر ثانية. في هذه القراءة الثانية، يقفز من سؤال گلگامش الأول (فقلْ لي كيف دخلت في مجمع الآلهة ووجدت الحياة الخالدة؟) إلى نهاية خطاب اوتو-نفشتم: (والآن من سيجمع الآلهة من أجلك في مجلسهم يا گلگامش/ لكي تنال الحياة التي تبغي). فإذا ما حذفتَ أو اختصرت قصة الطوفان اختصاراً شديداً، واذا حذفت الفترة بين السؤال وإحباط أمل گلگامش، ستراها قصيرة جداً. ولكن مع استمرار القصة بذاك الطول، فإن حالة الترقّب تبقى تتصاعد. نحن عارفون أن گلگامش كان يصغي بانتباه مطلق، لأنه في أية لحظة قد يُكشف عن الطريقة التي بواسطتها يمكن التغلّب على الموت.."
يقول MITCHELL كذلك: إن لقصة الطوفان تأثيراً درامياً آخر، "فهي تعطينا صورة موجعة لثمن خلود أوتو- نفشتم، فالخلود نفسه يبدو مثل فكرة متأخرة AFTER THOUGT شاحبة. وهناك في خلفية القصة يحوم سؤال غير منطوق. هل يستحق الخلود كلَّ ما خبرته من رعب، ومن موتٍ لمعظم ما هو حيّ، حتى أُجازى به؟" (ص 54-55).
إلاّ أن وليم ل. موران MORAN، يعتقد أن قصة الطوفان في ملحمة گلگامش مقحمة وليست في الأصل جزءاً من النصّ. ويؤكد: "أن اقحام هذه القصة يقطع تدفّق الحوار بين أوتو- نفشتم وگلگامش، فإذا ما تركناها جانباً فإننا سننتقل انتقالة طبيعية بلا تعسّر من أوتو- نفشتم وهو يُخبر گلگامش عن مجلس الآلهة بعد الطوفان الى سؤاله الاستنكاري: "والآن مَنْ الذي سيجمع الآلهة لك" يعتقد موران كذلك: "أن الشاعر المحقق الذي كتب المقدمة Prologue هو الذي أضاف قصة الطوفان" (ص 16-17).
لا ريب، هذا بالضبط ما أسعى الى توضيحه. ناقد يرى قصة الطوفان عنصراً مهماً في بناء الملحمة، وآخر يجدها حشواً لا لزوم له. القارئ في هذه الحالة، حائر بين شرعية قصة الطوفان ولا شرعيتها، بعيداً كل البعد عن تقنيات كتابة قصة الطوفان.
انصب الاهتمام في هذه المقالات على صناعة الشعرية في النص لا على شرعيته، أو تاريخيته أو كهنوتيته أو جغرافيته، لأنها خارجة عنه و إن بدتْ ملتصقة به أو مندمجة فيه. فالماء غير النهر وغير الغيم وغير العرق، والنار غير الحريق وغير الشهب الراجمة. سيكون البون شاسعاً جداً بين الماء والنهر، لو عدّدنا خواص كل منهما ويبدوان كأنهما مادتان شديدتا الاختلاف.
كنت حريصاً منذ البداية أن أجيب عن كيفية القول لا عن دوافعه، عن تأثيره لا عن شرعيته. بكلمات أخرى، كان الهمّ الأول والأخير أن أكشف عن موهبة الشاعر في التأليف قدر المستطاع: كيف كَتَب مثلاُ رثاء گلگامش لأنكيدو؟ كيف صَوّر الطوفان وماهي الأدوات والأجهزة التي استعملها؟ كيف صَوّر الخوف، كيف صوّر خيبة الإنسان التامة. كنت أسعى الى اكتشاف تقنيات هذا الشاعر الخصيب.
إذا ما ركنّا فضائل الملحمة الفنية جانباً، ولا يمكن لنا ذلك دون الإساءة لها، فإن قراءتها بنباهة وعمق تعيننا على فهم الكتب السماوية، وكَشْف ما غمض من رموزها. أُلِّفتْ كتب، وحُبِّرت بحوث عن التماثلات بين ملحمة كلكامش والتوراة. وها هو بهاء الدين الوردي يحاول في كتابه النفيس: "حول رموز القرآن"، بأجزائه الأربعة، أن يوضّح كثيراً مما استغلق علينا من الإشارات التاريخية والفلكية في القرآن الكريم عن طريق فهم هذا الأدب السومري، وعلى الخصوص ماجاء في ملحمة كلكامش. بالإضافة الى ذلك، فإن بعضاً من الطقوس البكائية واللطم وتصوّرات الناس العاديين عن العدالة الألهية THEODICY، وفِكَرِ ما بعد الموت ESCHATOLOGY، يعود منشؤها إلى تلك الحقب.
ربما، كذلك، عن طريق ملحمة كلكامش وأخواتها، نفهم من أين جات فكرة رثاء الأطلال لدى الشاعر الجاهلي، ولماذا يبالغ في مقاتلة الأسود ومصارعة الوحوش الى درجة الكذب الأبلق. ربما، كذلك، عن طريقها نعرف لماذا نقدّس بعض الأشجار كالنخلة ونتطير من بعض الطيور، ونأنس ببعضٍ آخر، منها لدرجة اعتبارها كالمقدسة.
لنأخذْ مثلاً المنافرة التي شاعت في الجاهلية على وجه الخصوص، وهي أن "يفتخر رجلان كلّ على صاحبه، ثمَّ يحكّمان بينهما رجلاً كفعل علقمة بن علاثة مع عامر بن طفيل، حين تنافرا الى هرم بن قطبة الغزاري" (لسان العرب)
يعتبر الباحثون المعاصرون، المنافرة فنّاً مسرحياً، مادامت تقام في مكان مخصص، ومادام هناك جمهور، وما دام هناك حوار. ولقد تصوروا أن المنافرة من الصيغ الأولى للمسرح العربي، وهم بهذا يردّون على الذين ينفون وجوده في أدبنا القديم. على أية حال، المنافرة فنّ سومريّ متطور، وربما منه تولدت المنافرة العربية. تقول DALLEY: "بعض القصص السومرية التي كٌتِبت حوالي 2150 ق. م تبين خلفية أدب المساجلات، وهو نوع من الترويح، وفيها يتم السجال بين وجهتيْ نظر متباينتين، سواء كانت فضائل إلهين، أو شخصين أو حيوانين أو معدنين. مثل هذه المساجلات كانت رائجة في البلاطات الملكية، حتى في العصور الوسطى ويمكن أن يعثر عليها في ألف ليلة وليلة" (ص 41-42).
جاء في كتاب MESOPOTAMIAN EPIC LITERATURE ORAL OR AURAL أن "امرأتين تقاذفتا الإهانات والسباب، الى أن شرعت واحدة منهما بالبكاء. عندئذ، احتكمت لدى حَكَم، وأصبحت هي الرابحة في السجال. أمّا المكان الذي تجري فيه مثل هذه المنافرات فقد يكون سوقاً، أو شارعاً حيث يلتقي الجيران" (ص 31).
إنّ الفوائد التي يجنيها الباحث, وكذلك القارئ غير المتخصص من قراءة الملحمة، عميمة فعلاً. حاولت من جانبي أن أكون عوناً لهما ما أمكنني ذلك، فلخّصت الملحمة أوّلاً تلخيصاً حاولت فيه أن أسرد الوقائع الأساسية للملحمة، حتى يتابعها مَنْ لم يقرأها. اتخذ هذا السرد صيغة التحليل لأبتعد عن عادات بعض النسخ الانكليزية التي تجعل السرد إمّا بديلاً أو أساساً في الكتابة عن ملحمة گلگامش، كما فعل SANDARS.
توقفت لبلوغ الغاية للكشف عن تقنيات الملحمة عند:
1-رثاء گلگامش لأنكيدو
2- التشابيه في الملحمة
3- انطباعات عن قصّة الطوفان.
4- من دلالات التكرار.
5 - الوزن الشعري في الملحمة.
6- الأبواب

لندن 22-02-2005

الملحمة كمسرحية

ملحمة كلكامش أوّل ملحمة في تاريخ الأدب. مرَّ عليها الآن أكثر من أربعة آلاف سنة، فهي أقدم من الأوذيسة والإلياذة بألف سنة. ولو صحَّ ما افترضه النقاد الأجانب من أن الملحمة عمل مسرحي، فإننا نكون أمام أوّل نص مسرحي في تاريخ الأدب. في الواقع، تحمل الملحمة جيناتٍ مسرحيةً لا تخطئها العين. من ذلك أن شخصيات الملحمة تتطور وتنمو من خلال الحوارات وما أكثرها في هذا العمل الأدبي المؤثر، وما أشدَّ تنوعاتها.
أولاّ تؤكّد SARA DENNING BOLLE في كتابها الذي أشرنا إليه في المقدمة أعلاه: أنّ الحوار في ملحمة كلكامش يشكّل جزءاً أساسياً منهاً. ندرك من طريقة تحليلها، أن الحوار في ملحمة كلكامش أقرب ما يكون الى الحوار المسرحي الشعري (ص 88 فصاعداً).
يقول SILVESTRO FIORE: "تتضمن ملحمة كلكامش، أيضاً، فقرات يستخدم فيها الشاعر التقنية المسرحية. قد تكون هذه التقنية أحياناً كورساً لوحده، كتعليق أهالي اوروك على دخول أنكيدو الى المدينة، وفي أحيان أخرى تكون التقنية شخصية واحدة في مقابل كورس، كما في مشهد كلكامش وهو يبحث مع شيوخ أوروك مشروعه لقتل خمبابا، ... لدينا حتى أكثر من مثليْن، بالإضافة الى الكورس: كلكامش وأنكيدو وشيوخ أوروك، وهم المشاركون الثلاثة في التمثيل" (ص 232).
يضرب FIORE مثليْن آخرين، هو ندب كلكامش لصاحبه انكيدو أمام شيوخ المدينة، وجَمْع عشتار للمومسات المنذورات والكاهنات في معبدها للقيام بمناحة على فخذ الثور السماوي. (ص33-232)

يبدو أن ملحمة كلكامش تختلف عن الأذويسة والإلياذة، بأنها ابتدأت مدوّنة. يتضح ذلك من تتبع مراحل نضج شخصيات الملحمة. هذه المراحل لا يكاد يكون لها أثر في الملحمتين أعلاه، لأنهما ولدتا شفويتين. يقول FOSTER:
"من الافتراضات المتداولة عن الملاحم القديمة، كالاوذيسة والإلياذة أن صيغتهما المدونة بنيت على أساس موروث شفوي. إلاّ أن هذا الافتراض لا ينطبق على ملحمة كلكامش. ما من دليل على أنّ ملحمة كلكامش ابتدأت كقصة شفوية، ألقاها شعراء أو منشدون وأُدمجتْ في نص مكتوب فيما بعد. الملحمة، بالصورة التي هي عليها الآن تبين في الواقع، بكثير من الإشارات، أنها كانت عملاً أدبياً رسمياً مدوّناً، كُتِبَ أو ربّما مُثِّلَ أمام أناس متعلمين جداً، ولاسيما العلماء منهم وأفراد العائلة المالكة. ربما كانت قصة كلكامش تهمُّ- في الأكثر- فئة صغيرة من الناس ينتمون الى النخبة الاجتماعية والاقتصادية، في ذلك الوقت، أكثر من كونها أدباً شعبياً أو فلكلورياً" (ص xiv)
يذكر Temple أنه حينما كان يترجم الملحمة الى الانكليزية، شعر بأنه "يتعامل مع نصّ درامي مقدس".
أما عن تمثيل ملحمة كلكامش على المسرح، فيشير Temple الى مقالة كتبها عالما آثار روسيان، ونشراها في مجلة ألمانية معنية بالآشوريات، في النصف الأوّل من عام 1990. "يخمّن هذان العالمان أن أميرة عيلامية رحلت الى اورارتو (أي أرمينية) للزواج من تلك البلاد، وأخذت معها للاحتفال بزواجها حاشية لتمثيل جزءٍ أو كلّ ملحمة كلكامش بلغتها هي" (ص xi).
هوامش
يعني ماشو: التوأم، لأنه ذو قمّتين. أما البشر العقارب، كما يصفهم N. K. Sandars : "فنصفٌ بشر ونصفٌ تنّين. سلطانهم مرعب، ونظراتهم تورث الموت".
كان لا بدّ لكلكامش من الدخول في الجبل حتى يصل إلى أوتو_نفشتم ذلك الإنسان الخالد، (أوتو=الشمس و نفش= نفس و الميم للتعظيم أو للجمع. عن KLUGER) ليعرف منه ما سرّ الخلود.
سمح الرجل العقرب وامرأته العقربة لكلكامش بالدخول إلى كهف الظلمات Cave of darknes بعد أن عرفا أنه لم يكنْ من مادةٍ بشرية خالصة. كانت رحلةً دامسةً ولأيام متواصلة تلاحمت عليه جهاته الأربع.

على أية حال، يظنّ عالم السومريات بهاء الدين الوردي، أنّ البشر العقارب قوم من البشر حقاّ "وهم قوم عاد.. ومعنى عاد : عقرب أو البشر العقرب" يقول الدكتور الوردي :"أهم أثر وصل إلينا هو نصب حدود
(KUDURU) أي نبوخذنصّر الأوّل، وهو الآن في المتحف البريطاني، يرجع تأريخه إلى القرن الثاني عشر ق .م….
إذ نجد فيه ( البشر العقارب) وعلى رأسه ما يشبه الطربوش وجسمه عقرب ورجلاه رِجْلا طير كاسر ربّما نسر"
(حول رموز القرآن الكريم- الجزء الأوّل – (من ص151-220)

من مخطوطة ملحمة كلكامش الجاهزة للطبع)