استفتاء:
كيف يترجم الشاعرُ شاعرا

يكاد أن يُجمع جل المترجمين العرب على مقولة صلاح الصفدي، كما وردت في كشكول العاملي: "للترجمة في النقل طريقتان إحداهما أن يُنظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات الأجنبية وما تدل عليه من المعنى فيأتي الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها وينتقل إلى الأخرى حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه... الطريق الثاني: أن يأتي الجملة فيحصل معناها في ذهنه ويُعبّر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها".
بصفتك شاعرا ومترجما في آن:
أولا: أتعتقد أن هناك طريقة ثالثة، ما هي، وأيٌّة هي الأفضل في نظرك، لإنجاز ترجمة ناجحة؟
ثانيا: ألا تعتقد أن ترجمتك لشاعر ما قد تؤثر على قولك الشعري diction، ثم ألا تخشى أن يؤثر الإكثارُ من الترجمة في أسلوبك الخاص؟
ثالثا: يقينا أنك تترجم شعرَ الآخر لإفادة القارئ العربي... لكن هل ثمة دافعٌ (شخصي – شعري) غير هذه الخدمة الثقافية، يدفعك إلى ترجمة هذا الشاعر وليس ذاك؟
رابعا: كيف تأتي إلى الشعر المراد ترجمته - هل تستفيد مما كتب من دراسات عن هذا الشعر وصاحبه..؟
خامسا وأخيرا: كتب عبد القادر الجنابي في العدد الثاني (2001) من مجلته "ارابويتيكا" الفرنسية ما يلي "الشعر العربي المعاصر مدين إلى ما تراءى من نماذج عبر ترجمات مجلة "شعر" أكثر مما هو مدين للإنتاج الأدبي العربي الحديث نفسه"... ما رأيك في هذا التصريح؟

5- صلاح نيازي: كلّ نصّ متميز ترجمة خاصّة مفصّلة عليه

أدري هل صلاح الصفدي يتحدّث عن خبرة ترجمية، أمْ أنّه مجرّد إدلاء دلوٍ مع الدلاء، أو صاحب منجل مكسور في الحصاد؟ هل ينضاف اسم الصفدي إلى أولئك العروضيّين الذين قننّوا أوزان الشعر، وهم لم يكتبوا قصيدة واحدة مخلّدة ولو بماء فضّة! أو ينضاف إلى واضعي قواعد اللغة العربية، وهم لم يكتبوا نصّاً ذا بال. أين مؤلفاتسيبويه أو آبن هشام؟ هؤلاء العروضيون وكذلك اللغويون أفادوا مدرسيّاً وأضرّوا إبداعيّاً.ما قاله الصفدي لا أكثر من معلومة مدرسية صغيرة بمثابة ضِغْثٍ على إبّالة. لا أكثر من جدول ضرب. لا بدّ أنّ الصفدي كان قد سبق عصره فتكهن بالترجمة الكومبيوترية الآلية. وهي شرّ الترجمات. ثمّة لا ريب، طريقة ثالثة ورابعة وخامسة في الترجمة .. إلى ما لانهاية كالمرايا المتقابلة في علم الفيزياء.

كلّ نصّ متميز ترجمة خاصّة مفصّلة عليه. لا تشبه غيرها. كما يختلف الماء عن النهر، والموقد عن الحريق، التراب عن الآجرّ.أيْ أنّ القواعد التي اتبعت في ترجمة نصّ لا يمكن توظيفها مرة أخرى. النصوص المجلية لا تتشابه، وبقدر اختلافاتها تختلف ترجماتها. النصوص المتوسطة الجودة تتشابه، ولهذه الأخيرة توضع القواعد والأقمطة.
قد تعلّم الأمَّ الجديدةَ أفضل طريقة لرضاعة الطفل، أو أوقات الرضاعة والنوم.. ولكن من المستحيلتعليمها الحنان. الترجمة بهذا المعنى حنان. لا يُقَنّن. لا يُفهم، وطرقه مجهولة. وهذا حقّ، لأنّ النصّ هو الذييخلق طريقةَ ترجمته أثناء عملية الترجمة، كما تخلق عمليةُ الولادة أثناء الطلق تلوياتها و آلامها المضنية اللذيذة.

السؤال الثاني

الترجمة تشرّب بكل الحواسّ لنصّ مسحور معجب، ومحبوب، حتى في اللغة الواحدة. القراءة الاستبطانية ترجمة صامتة، حتّى في اللغة الأمّ.الإكثار من قراءة أديب مشهودٍ له بالملَكة والدربة، لا بدّ لها من تأثير في قارئها. الترجمة كذلك. لا بدّ لها من تأثير. ما الضير؟ لا سيّما إذا كانت اللغة المترجم عنها قد تخرجتْ من أرقى الجامعات، وأعدل المحاكم وأرقى المسارح. ما الضير؟ قديماً تأثّر ابن المقفّع بما ترجم. هل أفادنا؟ هل دشّن الأدبُ العربيُّ على يديه، النثرَ المرسلَ ربّما لأوّل مرّة؟

الجواب الثالث

يترجم الشعر وكذلك النثر ربّما لثلاثة أسباب:
1-إشراك الآخرين في متعة نصّ جدير.
2-إيجاد منحى جديد في مرحلة أدبية معينة. كما دخلت الرواية إلى اوربا عن طريق الف ليلة وليلة
3-تقوية منحى أدبي لم تُعجَمْ قناته بعد. كترجمة قصائد نثرية أجنبية لتبرير وتشجيع قصيدة النثر المكتوبة محليّاً.

جواب السؤال الرابع

لِمَ ننسى مجلة أبولو المصرية، وأحمد أبو شادي؟ في هذه المجلّة بالذات ظهرت لأوّل مرّة عام 1934(؟)، قصيدة كُتِب في أعلاها من الشعر الحرّ، وأظنّها للشاعر المصري محمود حسن إسماعيل.
كانت إحدى غايات أبولو تطعيم الأدب العربي بالأدب الأجنبي، تماشياً مع الحركة النهضوية آنذاك. أمّا مجلة شعر فأرادت، كما يبدو، أن تجعل من النصوص الأجنبية بديلاً عن النصوص المحلية.أخذت مجلّة شعر مكانتها في الغالب من مكانة بيروت التي كانت تُزَوّق لتكون العاصمة الثقافية الأولى في العالم العربي بدلاً من القاهرة.

مجلة شعر لم تقدّم ترجمات حاسمة. كانت حركة مرحلية مهما عظم عدد منتسبيها.

يتبع

1- سهيل نجم: ترجمة الشعر بين الاستحالة والأثر

2- سركون بولص: الترجمة الشعرية وسحر الإيصال

إسكندر حبش: هناك طريقة روبان الثالثة

سلمان مصالحة: لماذا التّرجمة، وكيف؟