ينزل الفيلم اللبناني quot;شتي يا دنيquot; إلى الصالات اللبنانيَّة اليوم، وذلك بعد أنّْ إفتتح المخرج، بهيج حجيج، العرض الأوَّل أمس الإثنين الماضي، حيث يتناول التَّداعيات الَّتي تطرأ على حياة رجل مختطف يعود بعد عشرين عامًا من معتقله، والتَّغيرات الَّتي يحدثها في قلب عائلته، كما يعكس المصاعب النفسيَّة والإجتماعيَّة الَّتي يعاني منها ويتعامل معها.


بيروت: إفتتح المخرج اللبناني، بهيج حجيج، العرض الأوَّل لفيلمه السينمائي الطويل quot;شتي يا دنيquot; في بيروت في سينما quot;السيتي مولquot;، وهو من بطولة حسَّان مراد، وكارمن لبُّس، وجوليا قصَّار، وبرناديت حديب، وديامان بو عبود، وإيلي متري، وعايدا صبرا، وغابريال يمين، وأندريه بو زيد، وغيرهم..

ويتناول الفيلم قصَّة رجلٍ خطف في منتصف الثمانينات، خلال الحرب اللبنانيَّة، حيث يبدأ الفيلم من داخل زنزانة quot;رامزquot; -الَّتي لا توحي بهويةٍ أو جنسيَّةٍ أو لهجةٍ معيَّنة للدلالة على هويَّة الخاطف - وهم يفرجون عنه بعد 20 عامًا، ليعود إلى زوجته الَّتي رفضت إعتباره ضمن عداد المفقودين، وأولاده الذين كبروا في غيابه، غير أن عودته مريضًا ومحطَّمًا ومنفصلاً عن الواقع، تهز هذه العائلة وتحدث فيها اضطرابًا، وتربك مشاريع ولديه وزوجته، فإبنته quot;نادياquot; الَّتي تلعب دورها الممثلة، ديامان بوعبود، تتخبَّط بين حلمها بالسفر إلى فرنسا لإكمال تخصُّصها وبين الواقع الذي أحدثه عودة والدها المريض وإضطرار والدتها أنّْ تصرف كل أموالها لعلاجه، فيما يعيش إبنه quot;إيليquot; الذي يلعب دوره الممثل، إيلي متري، في أجواء ناتجة عن تخبَّطه جراء الواقع الذي وضع فيه، وينفِّس عن غضبه من خلال السهر وشرب الكحول والأفعال الطائشة، فيما تسعى quot;ماريquot; الزوجة الَّتي تلعب دورها الممثلة، جوليا قصَّار، للإنفصال عن حبيبٍ تعرَّفت عليه وتعلَّقت به أثناء غياب زوجها عن البيت، وذلك لكي لا تشتِّت العائلة في محاولة منها لتسير الأمور بشكلٍ طبيعيٍّ، كما أنَّها تضيع بين بقائها بجانب زوجها، أو تلبية رغبات ومسلتزمات أولادها، أو البحث عن حياتها الَّتي خطفت منها مع إختطاف زوجها، كما يلتقي quot;رامزquot; الرجل العائد إلى الحريَّة - السجن الكبير - بـquot;زينبquot; الَّتي تلعب دورها الممثلة، كارمن لبُّس، وهي إمرأة تنتظر عودة زوجها المخطوف هو الآخر منذ 20 عامًا، وتنشأ علاقة صداقة عميقة بينهما، حيث ترى فيه بصيص أمل لإحتمال عودة زوجها إليها الذي إنتظرته طويلاً وما زالت.

فالفيلم يعالج قضية المخطوفين والمفقودين خلال الحرب اللبنانيَّة، الذي عذبوا أو ماتوا في المعتقلات، من الناحية الإنسانيَّة والنفسيَّة والإجتماعيَّة، بعيدًا عن الغوص في الجدل السياسي الدائر حول هذه القضية الَّتي باتت جرحًا عميقًا في قلب العديد من العائلات اللبنانيَّة خصوصًا أنَّ هذا الملف لم يطو حتَّى الآن، ومصير الآلاف من المخطوفين والمفقودين ما زال مجهولاً حتَّى اليوم، أو الدخول في زواريب وتفاصيل مشاهد الحرب اللبنانيَّة، فهو يركِّز على التشويه النفسي والإجتماعي الذي يعاني منه أي مختطف عائد من الإعتقال، وصعوبة تكيُّفه مع الواقع الجديد والغريب عنه، وصعوبة تأقلم عائلته معه، وتقبل أولاده له وهم الذين لم يتعرَّفوا عليه قبلاً وكبروا دون وجوده في حياتهم.

وفي سياق متصل، تميَّز أداء الممثل، حسَّان مراد، الذي يؤدي شخصيَّة quot;رامزquot;، وهو واحد من آلاف الأشخاص الذين تعرَّضوا للخطف خلال الحرب في لبنان، وبعد إختفائه لمدَّة 20 عامًا قضاها في إحدى السجون حيث تعرَّض للتعذيب، يعود إلى عائلته وهو في العقد الخامس من العمر، لكن quot;رامزquot; العائد، مريضٌ ومضطربٌ ومحطَّمٌ نفسيًّا ومنفصلٌ عن الواقع، ويصاب بنوبات هلع، فيتخيل نفسه ملاحقًا من قبل خاطفيه السابقين، وتعود إلى ذاكرته ساعات التَّعذيب الَّتي كان يتعرَّض لها في المعتقل، فمراد حصل على جائزة أفضل ممثل عن دوره في هذا الفيلم في المهرجان الدولي السابع والثلاثين للأفلام المستقلَّة في بروكسل، خصوصًا أنَّه نجح في تأدية دوره وإعطائه حقِّه، وكان أداءه مميَّزًا، وإستطاع نقل الخيوط والتفاصيل الدقيقة للشخصيَّة بحرفيةٍ عاليةٍ، من حيث قلقه، وإرتباكه، وضياعه، ومرضه، وذكرياته، وبحثه عن التحرَّر من هواجسه وذكرياته الأليمة الَّتي تلاحقه بالوعي واللاوعي، وخوفه من التَّحديات الراهنة التي قد يعيشها، إضافة إلى خوفه على عائلته، وصعوبة التعبير عن مشاعره، وإنعزاله، وبرودته الجنسيَّة، إضافة إلى ولعه بتجميع الأكياس ذات الأشكال الجميلة.

وعلى مسار موازٍ لأحداث الفيلم، وضمن خطٍ دراميٍّ مستقلٍ عن القصَّة الأصليَّة، تظهر في الفيلم quot;نايفة نجَّارquot; الَّتي تلعب دورها الممثلة، برناديت حديب، وهي كانت تعمل في جريدة quot;السفيرquot;، خطف ابنها خلال الحرب، وكان في الثالثة عشرة من عمره، فبقيت تسعة أشهر تنشر مقالات ورسائل إلى الخاطفين لكي يعيدوا إليها ابنها علي، قبل أنّْ تفقد الأمل وتنتحر، وتظهر quot;نايفة نجَّارquot; في كل مشاهدها بالأبيض والأسود، ويقول المخرج أنَّ مشاهدها وعلى الرغم من إنفصالها دراميًّا عن أحداث الفيلم، إلاَّ أنَّها أساسيَّة على إعتبار أنَّها مقتبسة من الواقع، وتنقل تفاصيل قصَّة حقيقيَّة، وتمثِّل ضمير الفيلم، وتنقل حالة من آلاف الحالات الَّتي عاشها المخطوفون أو ذووهم، وتنعش ذاكرة اللبناني الذي لا يمكنه أنّْ ينكر واقعه وما يترتب عنه، أو أنّْ ينفصل عنه، ونعود من خلال هذه المشاهد إلى أساس القصَّة إلاَّ وهي قضيَّة المفقودين اللبنانيين خلال الحرب الأهليَّة.

كما ينقل الفيلم عدَّة صور للمرأة اللبنانيَّة من خلال نايفة نجَّار الَّتي حملت إبنها تسعة أشهر وإنتحرت بعد تسعة أشهر من غيابه عنها إثر إختطافه، ومن خلال زينب المخلصة لذكرى زوجها المخطوف والَّتي لم تفقد الأمل يومًا بعودته إليها، حيث تعيش على ذكراه يوميًّا، ومن خلال ماري الَّتي تولَّت مسؤوليَّة بيتها وأولادها بعد إختطاف زوجها وهي تحاول بعد عودته إعادة تركيب العائلةquot;.

على الهامش
غابت الممثلة اللبنانيَّة، كارمن لبُّس، الَّتي تلعب دور quot;زينبquot; عن الإفتتاح بسبب تواجدها في مصر.

حضر العديد من نجوم المسرح والدراما في لبنان نذكر منهم، أنطوان كرباج، شوقي متى، جورج خبَّاز، ورد الخال، كارلوس عازار، كلوديا مرشليان، جان قسيس، تقلا شمعون، شادي حدَّاد، بيتر سمعان، غابريال يمين، رودني حدَّاد، سعيد الماروق، إيلي حبيب، علي مطر، جو قديح، وآخرون...

حضور وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال طارق متري.

إغتصت صالة العرض بالحضور، ما أجبر العديد على الجلوس على الأرض، ففي وقت جلس أبطال الفيلم ديامان بوعبود، وغابريال يمين، وإيلي متري، وأندره بو زيد على الأرض، غادر الممثل كارلوس عازار والممثلة ورد الخال، لعدم وجود مقاعد.

بلغت كلفة الفيلم نحو الـ500 ألف دولار أميركي، أنتج بأموالٍ خاصَّة وبدعم من المنظمَّة الفرانكوفونيَّة ومن صندوق quot;سندquot; الذي أسَّسه مهرجان أبو ظبي السينمائي.

جوائز
وفي سياق آخر، تجدر الإشارة إلى أنَّ quot;شتي يا دنيquot; نال ثلاث جوائز عالميَّة وهي:

جائزة أفضل مخرج في مهرجان وهران الدولي الرابع للفيلم العربي
جائزة أفضل فيلم روائي طويل من العالم العربي، في الدورة الرابعة من مهرجان أبو ظبي السينمائي
جائزة أفضل ممثل لحسَّان مراد في المهرجان الدولي السابع والثلاثين للأفلام المستقلَّة في بروكسيل