حمل كتاب الدراما بشدة على شركات الإنتاج الخاصة وشركات الإعلانات، متهمين إياها بالتسبب في تدمير صناعة الدراما، وتحويلها من صناعة تسعي إلي إرساء القيم و تدعيم الأخلاق في المجتمع إلي صناعة تجارية، تلهث وراء كل ما هو مثير، بغض النظر عن مراعاة تقاليد و أخلاق المجتمع وآدابه.
القاهرة: جاء ذلك خلال المؤتمر الذي نظمته جمعية مؤلفي الدراما العربية، تحت عنوان quot;أزمة الدراما بين الإعلام والإعلانquot;. وقال الكاتب الكبير يسري الجندي إن هناك موجة من الأعمال التي وصفها بـquot;التافهة والسطحيةquot; تجتاح صناعة الدراما حالياً، وفي المقابل انحسار الأعمال التي تقدم قيمة ومعنى مفيدين للمجتمع، بحجة أن تلك الأعمال جاذبة للإعلانات.
وأرجع ذلك إلي لهاث جهات الإنتاج وراء الإعلانات، التي صارت تفرض هي الأخرى شروطها على صناع الدراما، ومنها إختيار اسماء محددة لفنانين، يعتقد بأنهم أصحاب جماهيرية واسعة، مما كان سبباً في تنامي وتوحش ظاهرة النجم الأوحد، وإهدار الأعمال ذات القيمة الفنية العالية.
و أضاف الجندي أن كل ذلك أدى بدوره إلى مغالاة النجوم في أجورهم، وصار النجم يحصل على حوالي نصف ميزانية المسلسل، على حساب باقي عناصر العمل، ووصف ما يحدث بأنه خطر على صناعة الدراما، يستدعي وقفة جادة، حتى تعود إلى ما كانت عليه في الماضي، كصناعة تدعم هوية المجتمع العربي.
وانتقد الجندي جهات الإنتاج الرسمية ممثلة في إتحاد الإذاعة والتليفزيون ومدينة الإنتاج الإعلامي، بسبب الإنسياق مع تيار الدراما التجارية السطحية، التي تعتمد على أسماء الفنانين بغض النظر عن القيمة التي يقدمها العمل، داعياً تلك الجهات إلى الأخذ بزمام المبادرة لإصلاح أحوال الدراما، من خلال تقديم أعمال جادة ذات قيمة فنية ومجتمعية تعلي من شأن الأخلاق والمبادىء القومية، وعدم الدخول في منافسة مع القنوات الفضائية أو شركات الإنتاج غير الرسمية التي لا تبحث سوى عن الربح بأي شكل، وأكد أن الأعمال الجيدة استطاعت فتح أسواق جديدة للدراما المصرية في دول جنوب شرق أسيا مثل أندونسيا وماليزيا، إضافة إلى تركيا.
وقال يوسف عثمان مستشار رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي لشؤون الدراما إن النص الجيد هو أساس أي عمل مميز، مشيراً إلي أن غالبية الأعمال الخالدة هي تلك التي كانت مستوحاة من أعمال أدبية وإبداعية راقية، لافتاً إلي أن فترة الستينيات من القرن الماضي شهدت ازدهار صناعة الدراما من خلال التلفيزيون،وتم تقديم أعمال رائعة، ثم شهدت فترة السبعينيات حالة من الركود بسبب ظهور العديد من الإدارات في وزارة الإعلام لتولي عملية إنتاج الدراما، وزادت العمالة لتصل إلي عدة آلاف، وسيطرت البيروقراطية على عملية الإنتاج، فتدهورت الصناعة، ثم عادت للإنتعاش في فترة الثمانيات، فتم إنتاج حوالي 800 مسلسل خلال عشر سنوات، منها quot;رأفت الهجانquot;، وquot;الشهد والدموعquot;، وquot;ليالي الحلميةquot;، وquot;قصة الحضارةquot;، وquot;ألف ليلة وليلةquot;، إلى جانب الفوازير، وكانت الميزانية لا تزيد عن الـ10 ملايين جنيه سنوياً، أما الآن فقد تضاعفت الميزانية لأكثر من 15 ضعفاً، وكان من المفترض أن تزيد الأعمال من حيث الكم والكيف أو الجودة، لكن سيطرة شركات الإنتاج الخاصة على الصناعة وتحكم شركات الإعلانات فيها، وشيوع الطابع التجاري، كل ذلك أدى إلى إرتفاع أجور الفنانين بشكل مبالغ فيه، مما أدى إلى تدهور الصناعة مجدداً.
ودعا عثمان إلى ضرورة إعادة النظر في مسألة سيطرة شركات الإعلانات على صناعة الدراما، والبعد عن المط والتطويل في المسلسلات، والعودة إلى نظام الخمسة عشر حلقة والسباعيات، والإعتماد على نصوص جيدة، ووضع خطة لتقديم أعمال ذات قيمة عالية على المدى الطويل.
وأعرب الكاتب، بشير الديك، عن تفاؤله بـquot;تحجيم توحش الإعلان على صناعة الدراماquot;، بشرط أن تبدأ الدولة بتقديم أعمال جيدة ذات قيمة فنية، وعدم الإنسياق وراء شركات الإنتاج الخاصة في تقديم أعمال تجارية من أجل الفوز بجزء من كعكة الإعلانات.
وانتقد الديك رفع التلفيزيون المصري شعار quot;مفيش حاجة حصري، كله على التلفزيون المصريquot; طوال العامين الماضيين، مؤكداً أنه شعار إعلاني تجاري، أدى إلى شراء التلفيزيون كماً ضخماً من المسلسلات التجارية السطحية، بحجة أنها جاذبة للإعلانات، مشدداً على أهمية أن يتوقف التلفيزيون الرسمي عن شراء تلك الأعمال، وأن ينتج أعمالاً تنمي القيم الإيجابية لدى المواطن، لأن هذا هو دوره الأساسي.
فيما قال الدكتور عمرو قيس أستاذ قياسات نسبة المشاهدة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إن الإعلانات لا تتعارض مع تقديم دراما جيدة، وذات مضمون يعلي من شأن القيم الإيجابية، مدللاً على ذلك بأن مسلسلي quot;أم كلثومquot; وquot;الشعراويquot;، كان من الأعمال ذات القيم الفنية والمجتمعية، و حازا على نسبة مشاهدة عالية، ونسبة إعلانات مرتفعة جداً، ولفت إلى أنه من المهم وضع ضوابط للإعلانات بحيث لا تطغى على العمل الفني، أو تتحكم في صناعة الدراما ككل.
التعليقات