بعد غيابٍ طويلٍ، أطلَّت الفنانة السوريَّة، واحة الراهب، من خلال quot;إيلافquot; لتتحدَّث عن أبرز المحطَّات الَّتي مرَّت بها، ومشاريعها وأحلامها.


دمشق: مخرجة سوريّة من مواليد القاهرة، ابنة الفنان التشكيلي والكاتب الروائي، هلال الراهب، تخرجت من كلية الفنون الجميلة ثم درست الإخراج السينمائي في فرنسا، تعتبر نفسها إنها حققت ذاتها في كل مواهبها في الرسم والموسيقى من خلال الإخراج ليظل التمثيل عشقها الأبدي، إنها الفنانة، واحة الراهب، التي خرجت عن صمتها بعد طول غياب وتحدثت لـquot;إيلافquot; عن مدى رضاها عن تجاربها السابقة في الدراما والسينما، وباحت لنا عن سر غيابها عن التلفزيون وروت لنا تفاصيل فيلمها الجديد الذي يحمل عنوان quot;هوىquot;، وتطرقت إلى ألية تطوير السينما السورية.

بداية ماذا عن فيلمك الجديد quot;هوىquot;؟
فيلم quot;هوىquot; هو تحويل رواية للكاتبة هيفاء بيطار تم تبنيها من قبل المؤسسة العامة للسينما وكتب السيناريو رياض نعسان أغا، وكنت سابقا قد حولت روايتها quot;امرأة من طابقينquot; إلى سيناريو لكنه لم ينفذ، والرواية تتحدث عن حالة الفساد المنتشرة في قطاع المشافي العامة من خلال ممرضة تتورط بلعبة الفساد، وبالعمق تتحدث عن حالة الهوى وبدائلها كالهوى للابن أو العشق للحرية أو التعلق بمدينة مثل بيروت في ظل الظروف الفاسدة للعشق والهيام في المجتمع لتعوض عنها بأطر مختلفة، وهذا الجوهر الأساسي للفيلم ورسالته كما تتشعب منها حالة فتاة تبحث عن الذات لتطر وتدفع ثمن الفساد الداخلي، والرواية فيها أحداث متنوعة وغنية لدرجة أننا اختصرنا منها الكثير لتحويلها إلى فيلم فضاعت بعض التفاصيل للاختصار.

بالأساس أنت كاتبة وأغلب المشاريع السينمائية السورية تعتمد على ما يسمى بـquot;سينما المخرجquot; لماذا تم اللجوء للرواية هذه المرة؟
سينما المخرج موجودة ومشروعة في كل العالم، لأن المخرج صاحب مشروع يملك الأفكار والمبادئ ويحمل بداخله هموم مجتمعه ليتم إيصالها للناس، وكتابة السيناريو كانت جزءاً من دراستي للسينما بفرنسا، ولكن هذا لا يعني إن أعجبني نص ما لكاتب آخر أن لا أتبناه إذا عبر ولو بجزء بسيط من أفكاري ولا يزيف وعي الجمهور، وكنت قد قدمت أكثر من رواية لتحويلها إلى مشروع فيلم للمؤسسة العامة للسينما في سوريا إلا إنهم اقترحوا هذه الرواية وعرضوا علي إخراجها.

ما رأيك بالسينما السورية؟ وماذا عن آلية تطويرها؟
السينما وجهنا الحضاري داخلياً وعربياً وعالمياً، لذا يجب عليها أن تحمل الثقافة والهوية السورية أكثر من الدراما التي حققت الانتشار والمجد لسوريا، وعلى الرغم من أن دور السينما أكبر وأخطر إلا إنها لم تتجاوز الرقابة المفروضة عليها، وأعتقد إن الهامش المتاح للتلفزيون غير محقق بالسينما، وربما دخول القطاع الخاص لإنتاج الدراما حقق لها وساهم برفع سقف الرقابة بسوريا، لذا حان وقت أن يتحمس القطاع الخاص ويدخل في الإنتاج السينمائي ولكن للأسف هناك الكثير من الأمور المعيقة بوجهها وأهمها عدك وجود قوانين ناظمة لاستثمارات القطاع الخاص الذي هو بالأساس جبان ولا يجرأ على دخول المعترك إن لم توجد ضمانات مؤكدة.
ولتطوير اللعبة الإنتاجية يجب إنتاج الكم وتسويقه وعرضه في صالات مناسبة وأذكر أنني بكيت أثناء عرض فلمي الأول في صالة سوريا، حيث لم أتعرف على الصوت، ولم تكن الشاشة مناسبة ولا الضوء إضافة إلى البرد الذي واجه الجمهور السوري المقاوم لكل الظروف السيئة في الصالات، مما أدى إلى غياب الطقس السينمائي وتراجعها، وتدني مستوى الأفلام المنتجة كمضمون وشكل وفكر، كما أثر غياب السينمائيين والأسماء الكبيرة المهمة عن الفعل السينمائي.

لكن مبررات المؤسسة هي إنتاج النوع على حساب الكم؟
ينبغي تكامل عناصر الإنتاج كماً ونوعاً، كون الكم جزء لتطوير النوع ولا تقبل مبررات في إنتاج فيلم يتيم بالسنة بشرط أن يكون ممتازاً، والقطاع العام أوجد مؤسسة السينما ليعمل على ما عجز عنه القطاع الخاص الذي لا يركز غالباً على المضمون على الرغم من أنني شخصياً لا أؤمن بأن الشكل ينفصل عن المضمون على اعتبار إن مقولة quot;الجمهور عايز كداquot; قد بطلت، والمؤسسة نشأت بهدف تقديم أفلام ذو سوية عالية، فيلم تتم إطلاق الطاقات بهذا الإطار، وكان مستوى السينما السورية في الثمانينات أكثر أهمية.

واحة الراهب فنانة كانت حاضرة في أغلب المسلسلات السورية في التسعينات ما سر هذا الغياب ؟
بصراحة هناك عدة أسباب ذاتية وموضوعية، ربما لأنني ومنذ أن عملت بالوسط الفني أكون انتقائية بأدواري كثيراً ويجب أن أحب العمل الذي أقوم به، وهذه الانتقائية تجعل الخيارات والفرص أقل، كما إن عملي بالسينما وتوجهي نحو الإخراج لتحقيق بعض المشاريع الخاصة كانت لها سبب في الغياب.

أما الأسباب الموضوعية تمثل بظاهرة الشللية الموجودة بالوسط الفني ولا أقصد الشللية التي تكون في صالح العمل فأنا أعرف إن المهنة متعبة وتحتاج لتركيز وإرهاق لذا يجب أن يكون فريق العمل منسجماً ولكن لا يجب توزيع الأدوار على أساس الصداقات والمصالح الشخصية كما يعمل حالياً بالساحة وأصبح من يعمل بالوسط الفني بكثرة هو الأكثر قدرة على التنازل التي تعد مسألة مستحيلة بالنسبة إلي، وأيضاً هناك سبب آخر تتعلق بمحاربتي من قبل أحد القائمين على الإعلام والتلفزيون السوري حيث جندت كل الوسائل ومن ضمنها الوسائل غير المشروعة لإيقاف نشاطي ووجود مثل هذه الشخصيات بشكل مسؤول في البلد يؤدي إلى توقيف الطاقات، لذا أعتبر نفسي لم أحقق شيئاً لأن الوقت والظروف العامة والمنافسة غير شريفة بمهنتنا ومحيطنا لا تسمح لنا كي تظهر طاقاتنا بالقدر الكافي .

إذاً فترة الغياب لا تتعلق بالسن المحير الذي يعاني منه معظم فناني جيلك؟
أيضاً قضية السن المحير تلعب دوراً، وشكلي أنا يزيد الحيرة مع أني أرى إن المسألة مطاطة فالماكياج قادر على إلغائها وحلها فأنا كنت صغيرة عندما عملت دور أم للفنانة رنا جمول في عمل quot;حرائر النساءquot; ولأكثر من فنان من عمري وألوم الكتاب الذين لا يكتبون أدواراً مهمة لجيلنا من النساء.

تميزك بالأعمال البدوية كان واضحاً؟ هل أنت مع عودة الموضة لهذا النوع من الأعمال؟
لا أعرف من أين أتى التصاق دور البدوية بي، فأنا لم أجسد هذا النوع من الأدوار، حتى أدواري في كل من quot;غضب الصحراءquot; وquot;القلاعquot; وquot;البركانquot; كانت ناطقة بالفصحى ولكن ربما الخيم الموجودة أوهم الجمهور بالبيئة البدوية من ناحية الشكل، ثم عرض علي الكثير من الأعمال البدوية وكنت اعتذر لتشابه مواضيعها في الحب والغرام والانتقام، ووقتها كان المنتج الذي يبحث عن الاستسهال والاسترخاص في الأعمال كان يلجأ للعمل البدوي الموضة، كونه لا يكلف أكثر من نصب خيمة بالصحراء، بالمختصر لم يغريني العمل فيها إلا عندما عرض علي المخرج نجدت أنزور دور quot;زوينةquot; في مسلسل quot;جواهرquot; واعتذرت عنه بالبداية، لكن أنزور أكد بأن الدور لا يعوض وأنه من أجمل الأدوار، وبعد أن قرأت العمل عرفت إنه أيضاً لا يندرج ضمن العمل البدوي إلا من حيث اللهجة هذه المرة وتم التصوير في القصور وليس في الخيمة كونه يحكي قصة أمراء الخليج.

أما عن عودة الموضة وعمل الدراما البدوية فأنا أرى إن البدو لا يشكلون إلا نسبة 2% من سكان سوريا والبداوة تندثر في المجتمعات العربية وليس جلياً بنا التطرق لهذه الشريحة الضئيلة في المجتمع إلا إن كان هناك غنى بالطرح والأفكار، ولكن هناك الكثير من المواضيع الأجدر بالطرح، مثل التي تمس هموم الناس ومشاكلهم وقضاياهم، لذا يجب الانتباه وعدم الاندفاع إلى الأعمال البدوية على حساب المسلسلات التي اشتهرت فيها الدراما السورية التي تحمل قضايا عميقة وتعكس هموم الوطن العربي، بدليل استقطابها لكل المشاهدين العرب.

متى سنراك عائدة للدراما؟
أي دور يمثل قناعتي سيعيدني إلى الدراما بمهنة التمثيل التي أحبها، فالإخراج يمثل قناعتي وشخصيتي وتعبر عن أفكاري، لكني أستمتع بالتمثيل أكثر، ولا يوجد أي فيتو تجاه التمثيل حتى مع المخرجين الشباب والعائق الوحيد هو عدم وجود الدور المناسب.

بين المواهب الكثيرة التي تملكينها من الكتابة للتمثيل والإخراج وأيضاً الفنون التشكيلية أين تجد واحة الراهب نفسها ؟
الإخراج يمثلني أكثر كونه يضم كل هذه الفنون السابقة التي ذكرتها تحت جناحه، فمن خلال الإخراج أصنع لوحتي في كل كادر وأحرك الممثلين بالتوزيع اللوني الذي أريده باللوحة، وتحقيق الإيقاع الموسيقي الذي يعنيني، وأمارس حريتي في الكتابة من خلال الإخراج، والتمثيل من خلال إدارتي للممثلين مما يعني إن كل العناصر مندرجة تحت لواء الإخراج.

ما مدى رضاك عن فيلم رؤى حالمة ؟
كانت من أجمل التجارب التي حققتني، حيث عبرت عن الأفكار التي أردت قولها فعلاً من خلاله وبعد سبع سنوات بقي الفيلم في أدراج المؤسسة العامة للسينما قبل أن يوافقوا على تبنيه حاولت إعادة النظر بأفكاره لتغييرها بعد مرور السنوات لأجد ما ولى زمانه، والحقيقة وبكل صراحة اكتشفت إن أفكارها مناسبة وحاضرة في كل الأزمان كونه يحكي عن جوهر فكر الهزيمة التي كانت سبب تراجعنا وعدم قدرتنا على تحرير ذواتنا ولا على تحرير أوطاننا. كون الفرد نفسه ليس حراً بما يكفي من الداخل وكل أفكار الفيلم راهنة. لكن من ناحية الشكل فأنا لست راضية عنه وما رسمته بالسيناريو كان من الممكن أن يعرض بشكل أفضل بسبب محدودية إمكاناتنا ولم استطع عمل الخدع المطلوبة لتنفيذ المشاهد التخيلية في الفيلم لان البطلة لديها رؤى حالمة والفتاة تستعيض الواقع بأحلام اليقظة والأحلام الواقعية التي تعيشها، ولم أنفذ سوى جزء بسيط منها وإحدى الخدع تم إرسالها إلى فرنسا لصعوبة عمل الغرافيك بسوريا وكانت مكلفة للغاية كما تم إلغاء الحل اللوني في الكثير من المشاهد، ولم تكن هناك كاميرا تظهر الحركة الانسيابية المطلوبة بالتقطيع الفني للفيلم، والقصور التقني كان موجوداً ولم يساعدني على تحقيق طموحاتي.