عادل إمام
أثارت الدعاوى الَّتي رفعت ضد عددٍ من الفنانين المصريين وصنَّاع الدراما، وخصوصًا تلك المقدَّمة ضد الممثل، عادل إمام، الخوف في النفوس من عودة سياسة تكميم الأفواه، والقضاء على حرية التَّعبير والرأي المؤمَّل بالحصول عليهامنذ إندلاع الثورة.


واشنطن: حالة من الخوف والقلق تسود العاملين في الحقل الفني في مصر، وذلك بعد صدور الحكم الغيابي بالسجن والغرامة في حق الفنان عادل إمام بتهمة إزدراء الأديان على أعمال فنية كان قد قدمها منذ حوالي العشر سنوات الماضية، والذي اعتبر في نظر البعض نوع من الإنذار المغلف ليس لشخص عادل إمام بقدر ما هو نوع من الحجر على حرية الفن والإبداع المستوحاة من حرية التعبير والكلمة التي من أجلها تأججت الثورات العربية.

ولم تكن قضية إمام هيالقضية الوحيدة التي تأججت بعيد الثورة، بل كانت القضية الأولى التي فتحت الباب عل مصراعيه أمام سلسلة من القضايا،فقد تبعها عدة إنذارات وجهت لعدد من المبدعين والكتاب والفنانين بتهم مختلفة منهم محمد فاضل، والكاتب لينين الرملي،ووحيد حامد، ويوسف معاطي، ومن ثم خالد يوسف، وأخيرًا غادة عبد الرازق وسمية الخشاب، ذلك بتهمة إشاعة الفساد.

وكانت الأفلام التي قدموها والتي تعتبر رأس الحربة في توجيه الإتهام لهم تمت في عهد النظام السابق، وتعرضتوقتها لمقص الرقيب الذي كان لا يتوانى في قص كل ما هو مخالف، بل وتم في وجود التيارات الدينية التي كان بعض منها أعضاء في مجلس الشعب.

من واشنطن تم توجيه دعاوى قضائية ضد عدد من الفنانين بتهم مختلفة، وكان الفنان عادل إمام أول من تم توجيه دعوة قضائية ضده من قبل أحد المحامين السلفيين بتهمة ازدراء الأديان، وتم الحكم فيها غيابيًا، ومن ثم تزايدت الظاهرة لتشمل عدد من الفنانين والمخرجين والكتاب الذين تنوعت تهمهم ما بين إشاعة الفاحشة والتحايل على الشرع مطالبين المحكمة بتوقيع أقصى درجات العقوبةعليهم، بل ووصل لحد للمطالبة بالرجم لكل منالفنانتين غادة عبد الرازق وسمية الخشاب.

وجاءت الأحكام صادمة للجميع في ظل الثورة التي راهن البعض عليها كثيرًا كبداية للتغيير والإنفتاح على الديمقراطية التي أهم اركانها حرية التعبير والكلمة وتقبل الرأي الآخر، واعتبر ما حدث بأنه يشكل خطورة على مستقبل الفن والإبداع في ظل صعود التيارات الإسلامية، وتراجعًا للديمقراطية التي ماتزال مطلبًا رئيسيًا للشعوب العربية، واعتبره البعض الآخر ما هو إلا بداية لتكبيل الحريات وفرض سياسة تكميم الأفواه من خلال تخويف الفنانين وتكفيرهم لكي يتسنى لهم الخضوع.

نادر بكار

نادر بكار: ما يحدث هو عينة من الديمقراطية
من جهته رأى نادر بكار المتحدث الرسمي لحزب النور السلفي بأن وجود دعاوى ضد بعض الفنانين لا تعني بالضرورة تكفير الفن وتحريمه، فلا يمكن تصور حدوث نهضة لا سيما في بلد متقدم كمصر من دون وجود فن راق يسمو بالروح ويعبر عن المجتمع وثقافته وتراثه، ويساعد على تطور المجتمع و يتفق مع العاداتوالتقاليد وغير مبتذل، لا أن يخاطب الغرائز ويخرج أسوء ما في المجتمع مما يسهم في تشويهه أمام المجتعات الأخرى، فالمشكلة من وجهة نظره تكمن فيما يقدم للناس من سموم على أنها فن ممتهن، لذلك عليهم تحمل مسؤولية ما يقدمون، بحسب تعبيره.

وبرر الدعاوي المقدمة من قبل بعض المحامين، على الرغم من أن حزبه ليس طرفًا في تلك الدعاوى، وحجته أن الفن وسيلة والغاية منه هي الإصلاح، فالفنان يستخدم الفن لإصلاح الفساد، قائلاً: quot;بعض الأفلام لا تحض على الإصلاح بل على الفساد، فهي تقوم بنقل المشكلة وعرضها بشكليبررها ولا يحلها أو يهدف لإصلاحها، فهناك من يعرض الفساد وهناك من يبرر له وفي الحالتين النتيجة واحدة، فساد المجتمع.

وأكد أن النظام السابق هو من كان دفع لهذه النوعية من الأفلام المفسدة للذوق العام بغض الطرف عنها وذلك لإلهاء الناس، ولم يكن في مقدور الإسلاميين التصدي لذلك في ذلك الوقت معتبرًا أن ما يحدث اليوم ما هو إلا عينة من الديمقراطية، وذلك أنه احتكام من الشريعة الإسلامية ذلك من حق أي إنسان أن يقول أن الفيلم مسه في دينه وعقيدته ويحتكم للقضاء، والقضاء يفصل بينهم، قائلاً: quot;الديمقراطية مقبولة إذا كانت مقيدة بالشريعة الإسلامية، كما أننا نعبر عن ٧٥٪ من الشعب المصري الذي لا يرتضي ما يقدم في تلك الأفلام، لذلك على الفنانين أن يبحثوا عن مواضيع تسهم في بناء المجتمع والتوعية وليس اختراع مواضيع هادمة وغير حقيقيةquot;.

وكانت محكمة جنح الهرم المصرية بدعوى مقامة من المحامي السلفي عسران منصور، قد حكمت أوائل شهر فبرايرعلى عادل إمام غيابيًا بالحبس ٣ أشهر وتغريمه مبلغ ١٠٠٠ جنيه بتهمة ازدراء الدين الإسلامي والسخرية من الجلباب واللحية والإستخفاف بالإسلام وتسفيه تعاليمه، في عدد من أعماله الفنية منها quot;حسن و مرقصquot;، وquot;الإرهابيquot;، وquot;مرجان آحمد مرجانquot;، ومن ثم مسرحية quot;الزعيمquot;، و فور إعلان الحكم قدمالفنان عادل إمام طعنًا في الحكم وينتظر الرد في شهر ابريل القادم.

محمد صبحي
محمد صبحي: الفن سلاح شرس لا يمكن كسره
من جهته اعتبر الفنان محمد صبحي أن قضية عادل إمام قضية مرفوضة وتشكل إعتداءً على حرية التعبير والإبداع، مؤكدًا أن ما يحدث ما هو إلا حالات استثنائىة من بعض الأشخاص المتطرفين من التيار الإسلامي ولا يمكن اعتبارها من الأشخاص الممثلين لهذه التيارات.

معتقدًا بأنه اجراء فاشل بحد ذاته، باعتباره حكمًا بأثر رجعي فالأفلام قديمة وبعضها تعدى عمرها ال١٠ سنوات، وعلى الرغم من تقليله لشأن ما حدث، إلا أنه أكد على أن مجرد حدوثه في هذا الوقت أمر يدعو للقلق، كونه يخلق تساؤلات لدى البعض حول مستقبل حرية التعبير والإبداع في الفن في مصر.

ويؤكد صبحي أنه مع الفن الهادف النبيل الملتزم بالقيم الأخلاقية والتقاليد وسقف بلا حدود للفكر والإبداع، قائلاً: quot;لا أستطيع أن أقدم فنًا يهدم عقول أمة وأنا مع الإلتزام بالقيم والأخلاق، وهذا متواجد في كل الشخصيات والأدوار التي أوديها كفنان، متمنيًا أن يكون هنالك إلتزام من جميع الفنانين فيما يقومون به من أعمال تعرض على الشاشات تسهم في رقي المجتمع لا في اضمحلاله، و ليس بداعي الخوف من محاسبة الأخرين بقدر ما هو وازع من ضميرهم الإنساني، وحتى اللحظة يرى صبحي بأن المشهد ضبابي فيما يخص مستقبل الفن في ظل صعود التيارات الإسلامية للسلطة، قائلاً: quot;الصورة لم تكتمل بعد في ظل الثورة الموجودة، فلا يوجد مؤشرات لأي شيء لان الأحداث والمتغيرات سريعة ومذهلة ومتناقضة،معتبرا أن الفن سلاح قوي وشرس لا يمكن كسره لأنه يعبر عن المجتمع

و يشار إلى أنه عقب إعلان الحكم القضائي الصادر في حق عادل إمام، تعاقبت الدعوات المرفوعة ضدد عدد من الفنانين، فقد واجه عدد من الفنانين والعاملين في الحقل الفني خطر الملاحقة القضائية بتهم مختلفة منهم المخرج محمد فاضل، السيناريست يوسف معاطي، الكاتب وحيد حامد،المخرج خالد يوسف، الفنانة غادة عبد الرازق، والفنانة سمية الخشاب، مما آثار المخاوف في القطاع الفني المصري أن يكون ذلك مؤشرًا على بداية حقبة جديدة من ممارسة قمع الحريات وتشديد الرقابة على الأعمال وعدم وجود حرية في التعبير والكلمة التي تشكل عمود الديمقراطية والعدالة الإجتماعية التي كانت من أهم مطالب الثوار.

وجاء الحكم الصادر بحق عادل إمام وما تلاه من دعاوى صادرة بحق الفنانين من بعده صادمًا للوسط الفني والأدبي، خصوصًت أنه جاء بعد إصدار شيخ الأهر الشيح أحمد الطيب الشهر الماضي وثيقة للحريات العامة تضمنت بندًا خاصًا بحرية الإبداع، آكدت فيه أن القاعدة الأساسية التي تحكمه هي قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التراث والتجديد في الإبداع الأدبي والفني من ناحية أخرى، كما وأكدت على عدم التعرض لكافة أشكال الفنون ما لم تمس المشاعر الدينية والقيم الأخلاقية المستقرة، وأن الإبداع الفني والأدبي يظلان من أهم مظاهر ازدهار الحريات الأساسية وأشدها فعالية في تحريك وعي المجتمع وإثراء وجدانه.

حافط أبو سعده
حافظ آبو سعده:حق التعبير مكفول من الدستور
وفي ظل ما يحدث تضامنت منظمات المجتمع المدني مع الفنانين وتم الخروج في مسيرات مناهضة لتلك القرارات مطالبة الجميع باحترام حرية التعبير وتطبيق الديمقراطي.

من جهته، يرى السيد حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بأن ما يحدث هو عودة مرة أخرى لسياسة تكميم الأفواه والتي كانت تتم تحت مسمى قضايا الحسبة في عهد النظام السابق، معتبرًا أن الأحكام الصادرة في حق الفنانين خاطئة ولا يجوز قبول الدعوى، فمن الناحية القانونية لا يجوز رفع دعوى إلا من خلال النائب العام، وكونها لم ترفع من خلاله فلا يجوز القبول بها.

ويشير آبو سعده إلـى أن جميع القضايا المرفوعة هي انتهاك لحق الإنسان في التعبير عن رآيه وهذا حق كفله له الدستور، محذرًا من عدم وجود تغيير في السياسات القديمة والضغوط مازالت تمارس على المنظمات الأهلية وحقوق الإنسان، ونحن نتفاعل في قضايا كثيرة كقضية عادل إمام وساويرس وغيره من القضايا التي تخص حرية التعبير وقضايا المرأة، ويعيد ذلك إلى الوضع الحالي والتخبط الذي يعانيه المجتمع بسبب عدم وضوح الرؤيا، فلم تكتمل آليات الدولة الحديثة حتى الأن ولم يتم وضع الدستور الجديد للبلاد.

محمد الخشاب
محمد الخشاب: مستقبل الإبداع غامض في ظل المرحلة الحالية
ويرى السيد محمد الخشاب مدير شركة ريتش ميديا ومدير قنوات آرت في الساحل الشمالي في أميركا الشمالية بأن القضايا المرفوعة بحق بعض العاملين في الحقل الفني وخصوصًا بعد صدور قرار المحكمة الغيابي في حق الفنان عادل إمام ينذر بمزيد من التضييق على الحريات وخصوصًا حرية التعبير عن الرأي والديمقراطية، وهي أشياء لا تتناسب وما قامت من أجله.

معربًا عن أسفه في الحكم الغيابي الصادر في حق الفنان عادل إمام، معتبرًا إياها أنها ليست أكثر من تصفية حسابات وشهرة،فهذه الأعمال عندما عرضت حققت نجاحًا جماهريًا وقتها، ومرت علـى الجهاز الرقابي المتمثل في الرقابة على المصنفات والتيتمنع الأعمال التي تسيء للأديان.

ويعتقد الخشاب بأن القرارت التي ستصدر لابد وأن تؤثر على صناع الأفلام في مصر، من حيث المواضيع المطروحة أولاً فالمواضيع التي كانت في الحقبة السابقة في عهد النظام السابق ربما لا تتناسب والوضع الحالي مما يعني سلفًا اختيار مواضيع مختلفة،فيما يخشى على حرية الفن والإبداع في ظل المرحلة القادمة، خصوصًا بعد صدور النتائج في الطعن الموجه في قضية عادل إمام، جازمًا بأن الوضع الحالي غير متضح المعالمولكنه بالتأكيد سيتضح مع الوقت.