تحت إدارة عبد الرحمن الماجدي، تفكك شخصيات رواية "بازيريك" بعض الأساطير وتعيد ترتيبها، وترسخ بعض الوقائع التاريخية وتنفي بعضها الآخر. إنها رواية عن "انثروبولوجيا العوالم" والتعدد الثقافي.

إيلاف: صدرت حديثًا رواية "بازيريك" (228 صفحة بالقطع الكبير، دار مخطوطات، هولندا) للكاتب والشاعر العراقي عبد الرحمن الماجدي. وتدور أحداثها في مدن مختلفة: في إيدي الهولندية، والقدس الفلسطينية، وبابل – العراقية، وفي أصفهان وشيراز الإيرانيتين، وسيبيريا وسانت بطرسبرج الروسيتين.

تحت إدارة الماجدي، تفكك شخصيات الرواية بعض الأساطير وتعيد ترتيبها، كما تقوم بترسيخ بعض الوقائع التاريخية ونفي بعضها الآخر. إنها رواية عن "انثروبولوجيا العوالم" والتعدد الثقافي.

بازيريك، تاريخًا، هو اسم أقدم سجادة إيرانية عثر عليها البحاثة. لونها أحمر، ونقوشها الفارسية تُعيدها إلى عهد الإخمينيين، حكام بلاد فارس قبل نحو 2500 عام. والتاريخ كما البازيريك، سجادة منمنمة تحمل آثار أقدام الفاتحين والمنهزمين في آن، كما تحمل آثار الماضي والحاضر إلى المستقبل.

من هنا، ينقل الماجدي سرده، تواليًا، في فصول روايته بين الماضي والحاضر ليتوحد بعد ذلك، موحداً، يقود القارئ إلى نهاية مفتوحة.

من فصول هذه الرواية التي صممها ورسم غلافها الفنان ناصر مؤنس، نقرأ: "شغلتْ خلافةُ الملكِ داودَ أيّامَ وساعاتِ ابنهِ الأكبرِ الأميرِ أدونيا، منذُ أنْ سمعَ، في رواق القصرِ، مستشارَ أبيهِ ناثانَ يهمسُ لصادوقَ الكاهنِ أنّ ملَكَ الموتِ يطوفُ حولَ القصرِ، فأدركَ أنَّ سنواتِ عمرِ أبيهِ الطويلةَ توشكُ على الانتهاءِ، لكنّه انتبهَ إلى أنّ تحذيرَ ناثانَ لمْ يكنْ همساً، وهلْ يُسمعُ الهمسُ عن بُعدٍ؟ فأيقنَ أنَ ناثانَ كانَ يريدُ إسماعَه ذلكَ الهمس. قرّرَ إقالتَه بعدَ أنْ يرثَ المــُلكَ من أبيهِ، لأنّه، وإنْ كانَ مستشاراً نبيهاً في شؤونِ الحكمِ، لكنّ ولاءَه الأوّلَ لنفسه".

جانب من سجادة بازيريك الفارسية القديمة

ونقرأ أيضًا: "استبعدَ، خلالَ مشاوراتِه في ما اتَّفقَ عليهِ معَ مقرّبيهِ من قادةِ القصرِ، أسماءَ أخوانِه، الثمانية والأربعين، أبناءَ الأميراتِ الغريباتِ اللّواتي تزوجهنّ أبوهُ، لتوكيدِ روابط صداقاتٍ، معَ ملوكِ آرامَ ومؤابَ وأدومَ والحثّيينَ وفارسَ وصيدونَ، مستبقياً على أبناءِ نساءِ إسرائيلَ اللّواتي يطمحنَ بميراثِ داودَ ونبوّته لأبنائهنّ، فاستبقى على الأصلحِ للميراثِ، والأقربِ لأبيهِ، كأبشالومَ وأمنونَ وشفطيا ويثرعامَ ودانيالَ وكيلابَ وإبهارَ وإيليشوا وجيرموثَ ونُوجَه وأليَداعَ وشُلومو الذي حذّرهُ منه مستشاروهُ، لكنّه استبعدهُ لصِغَرِ سنّهِ، ولنْ يرثَ المــُلكَ والنبوةَ صبيٌّ، لا يقوى حتّى على صعودِ العرشِ المفصّصِ بنادر الجواهرِ، والمحاطِ برأسَي أسدَيْن فاغرَي فاهيْهما، يحميانِ مَسندَي العرشِ، يعلوه نسران يصرخانِ بمنْ يدنو أنْ لا مساسَ، تتّسعُ هيبتُه بدائرةٍ مفتوحةٍ من اتِّجاهٍ واحدٍ، كحدوةِ حصانٍ تحرسُ العرشَ حتّى من الأبناء".

وفي فصل آخر، يظهر السجاد في الرواية. يروي الماجدي: "في ركنٍ، ازدحم بسجّاد حريريّ متباهٍ بحروف الجلالة، بالأحمر القاني والأزرق الداكن، ثمّة دراويش يدورون حول شيخ الطريقة في ليلةٍ هبطت فيها السماء، مقتربةً من مسجدٍ غصّ بالمريدين، يزاحمون، في الطاعة والتعبّد، بلا كللٍ، ملائكةً يحلّقون في هواءٍ ساكنٍ يهمّون بالنزول. المكان خالٍ إلّا منّي، ومن موسيقى فارسيّة الإيقاع، يزاحم فيها السنطور الرزين آلة الجوزة الحزينة، بخلفيّة إيقاعٍ وئيد. مشيت بخطى هادئةٍ إلى المكتب الزجاجي. سمعت حركة تشابكٍ وهمهمةٍ تطفر منها بعض كلماتٍ مكتومةٍ، خلف جدارٍ خشبيٍّ مصبوغٍ بلونٍ رصاصي، يفصل، كمخزنٍ، طاولة الاستقبال وبهو المتجر عن عتمته المضاءة، قسراً، بحزمة ضوءٍ تسلّلتْ من زجاج نافذةٍ علويّةٍ تطوّق، مثل حزامٍ، هامة بناء المتجر. اتّجهت إلى مكان الصوت بدافع الفضول والإثارة اللذين ولّدهما صوتٌ أنثويٌّ مكتوم. اقتربت، وقد اتضحت لي صورة ما يجري من فعلٍ جنسيٍّ ينطوي على خيانةٍ ما بدلالة المكان المختار، وخوف فاعليه من الفضيحة. قبل أن أصل إلى بداية الممرّ، ضربت بحذائي الأرض، كي يعلم منْ خلف الجدار بقدومي. انتابني قلقٌ رافقه ازدياد ضخّ دم الخوف في قلبي. ربّما صديقٌ للموظفة السورينامية يضاجعها الآن هنا، ماذا لو هاجمني، فما دخلي أنا بها؟ لست صاحب المكان، ولا أمتّ لأحدٍ فيه بصلة. لكنّي لم أتراجع. مضيت بخطى صاخبةٍ، فولجت الظلمة المضاءة بما تساقط من خيوط الضوء المنبعث من الكوّة الزجاجيّة في الأعلى".