فتحي الشيخ من القاهرة: وسط حقل قمح يميل لونه إلى اللون الأصفر رغم‮ ‬أن سنابله لم تنضج‮ بسبب قلة المياه وقف سعيد الشيمي ينظر إلى عيدان القمح التي تحولت لونها للاضفر بسبب العطش ويتذكر كيف جاء إلى هنا من عشرين عام بعد ان قدم استقالته من وظيفته كمحاسب في احد الوزارات ليتسلم خمس فدادين يقوم باستصلاحها وزراعتها في مشروع شباب الخريجين ليحضر إلى القرية 23 في منطقة بنجر السكر بمحافظة مطروح في غرب مصر يحمل الكثير من الاحلام والامال لارضه في الصحراء التي سوف يجعلها جنة له ولابنائه من بعده وطوال السنوات الاولي كان المحصول ليس بالكبير وكان يدرك ان الارض تحتاج الكثير من الجهد والعرق حتى تؤتي ثمرها وبعد سنوات بدات الارض تستجيب ليفرح بها ولكن فرحته لم تدم طويل بسبب قلة المياه حيث اصبحت مياه الري تنقطع لمدة من 50 الي60 يوم ويتكرر الامر ليجلس عاجز عن التصرف وهو يشاهد حلمه يتسرب من بين يديه.

الاف شباب الخريجين مثل سعيد يعانوا من ضياع الحلم الذي بذلوا الجهد في سبيله لسنوات في نفس الوقت الذي لم يبقي من اسم شباب الخريجين سوي الاسم في البطاقة بعد ان اصبح عمر اي شخص منهم يترواح بين اربعين وخمسين عام. سامي عبدالحميد كان معيد بقسم الفلسفة بجامعة عين شمس وقدم استقالته من اجل ان يستلم الارض من 18 سنة يقول المشكلة الان اكبر من خسارة محصول هذا العام وهو الامر الذي يتكرر في الاعوام الاخيرة بسبب قلة المياه ولكني افكر في ال18 سنة من حياتي التي ضاعت واني الان من الصعب ان ابدا من جديد بعد ان اصبحت محمل بثقل اسرة بها ابناء على ابواب الجامعة. زمان كان عندي الشجاعة لاقدم استقالتي واتي إلى هنا ولكني الان وانا على مشارف الخمسين لا استطيع البدأ من جديد ولم يعد لدي مدخرات تساعدني على ذلك.

وفي وسط حقل فول اسمرت عيدانه من قلة المياه وقف سعيد كامل من قرية 21 يقولquot; انا من الارياف مفيش حاجة اسمها اترك الارض وارحلquot; عندما قررت الحضور إلى هنا وقف في وجهي الاهل وقالوا لي كيف تترك ارضك في البلد وتذهب تزرع ارض صحراء ولكني لم اهتم بهذا quot; كنت مصدق كلام الحكومةquot;ولكن الان وبعد السنين التي قضيتها هنا لاينفع ان اعود إلى اهلي خائب حتى لو كان فيه خسارة ويشير إلى حقل الفول قائلا: هذا الحقل الان ما سوف يحدث فيه هو ان اتفق مع احد الرعاة ان يشتريه ويحضر اغنامه لتأكله بدلا من احضار عمال لتحضير الارض من جديد للزراعة وعن عدم حفر ابار للري قال المياه هنا على اعماق كبيرة اكبر من الف متر ولهذا سوف تكون عملية مكلفة جدا وغير مضمونة في نفس الوقت.

قلة المياه كل عام لها اسباب مختلفة كما اكد لايلاف حسين عبدالمعنم من قرية 21 قائلا: اولا سكان الشاليهات في الساحل الشمالي حيث تقطع عنا المياه لتصل لهم لري المساحات الخضراء هناك وتزيد المشكلة في الصيف عندما يتم سحب معظم المياه للساحل بينما تترك الاراضي عطشي‮. ‬وليست هذه هي المشكلة الوحيدة‮. ‬فأراضي الخريجين نهاية خط الترعة ويقوم بعض المستثمرين بسرقتها بالقوة وشق افرع جانبية لري اراضيهم‮. هناك اسباب اخري تؤكدها تقارير وزارة الري ومنظمة الايفاد الدولية‮ quot; ‬الصندوق الدولي للتنمية الزراعية‮ raquo;‬ان اسباب مشاكل الري بهذه المنطقة متعددة منها كمية مياه الري‮ ‬غير الكافية التي تصل للأراضي ‬من خلال ترعة النوبارية وفرعيها بترعتي النصر والبستان‮. ‬بالاضافة إلى استحواذ المستثمرين على المياه أولا وبكميات كبيرة يساعدهم في ذلك موقع مزارعهم في بداية الترعة‮. ‬ليأتي الدور على الخريجين متأخرا في آخر الخط‮ حيث تكون المياه قد تم سحبها كلها إلى جانب شبكة الري المتهالكة التي تلعب دورا ‬كبيرا في المشاكل حيث تعاني من عيوب في التصميم وسوء الاستخدام و إهمال الصيانة الدورية‮. وأكدت التقارير اهمية إحلال وتجديد الشبكة التي تسببت بدورها في فقد كميات كبيرة من المياه ‬وتشير التقارير إلى مشكلة اكبر تتمثل في إهدار مياه الري المحدودة في الاصل من خلال استخدام نظم الري التقليدية الذي يهدر المياه‮.‬و اكدت التقارير إن التحويل إلى نظم ري التنقيط سيوفر حوالي‮ ‬25٪‮ ‬من المياه‮. ‬ولكن تعيقه التكلفة العالية التي تصل الي‮ ‬4‮ ‬آلاف جنيه لكل فدان.

مسئولو الري في هذه المنطقة كان لهم راي مختلف حيث اكد المهندس صلاح زينة مسئول الري بالمنطقة ان مشاكل الري محدودة وقد تم ري المنطقة كلها و ان المحاصيل بحالة جيدة‮ ‬ومضيفا أن المياه توزع على المزارعين والمستثمرين على حد سواء و بدون تمييز وأضاف ان المشكلة تأتي بسبب عدم التزام المزارعين بتعليمات الري ونظم الري الحديثة التي توفر الكثير من المياه‮. ‬واضاف ان مخالفات الري تشمل مايقارب‮ ‬130‮ ‬الف فدان‮‬حيث يتم ريها بمياه الغمر بدلا من الرش والتنقيط‮ ‬مما يؤدي إلى إهدار كميات كبيرة من المياه‮ سواء بتسربها للمياه الجوفية او تبخرها. وبالفعل هناك حالة تبخر في المنطقة لاحلام الاف الاشخاص. الذين ضيعوا شبابهم في تصديق حلم تغيير واقعهم ورسم مستقبل اخضر لهم ولابنائهم.

تصوير: محمد علي الدين