تفشى مرض الإنفلونزا المكسيكية (اتش1 ان1) في نيسان/ابريل الماضي مهدّدًا بأن يصبح فيروسًا قاتلًا عالميًّا، لكن بعد عام تكاثرت الإنتقادات بأنه تمت المبالغة بتداعيات المرض وبأن أموالًا طائلة أنفقت لشراء الأدوية واللقاحات.

جنيف: قبل عام وتحديدًا في 24 نيسان/ابريل 2009 اعلنت السلطات الصحية العالمية حال التأهب لمواجهة فيروس جديد اطلق عليه اسم انفلونزا quot;اتش1 ان1quot;. وقال البرلماني البريطاني بول فلين الذي يتولى رئاسة لجنة التحقيق من مجلس اوروبا حول هذا الموضوع ان quot;دولاً متعدّدة انفقت مبالغ طائلة لشراء اللقاحات التي لم تستخدم ولم يكن هناك نية أبدًا في استخدامهاquot;. واتهم فلين مع آخرين منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية الوطنية بأنّها quot;دقت ناقوس الخطرquot; تحت ضغوط مختبرات صناعة الادوية.

ففي بريطانيا انفقت الحكومة مليار جنيه (1,13 مليار يورو) على شراء 110 مليون جرعة لقاح وهي كمية تسمح بتلقيح 80% من السكان مرتين، بحسب البرلماني البريطاني. وشراء ملايين اللقاحات كلف فرنسا 600 مليون يورو والولايات المتحدة 1,88 مليار دولار (1,4 مليار يورو) والمانيا 283 مليون يورو واسبانيا 93 مليون يورو.

وقالت السناتورة ماري كريستين بلاندان مقررة لجنة تحقيق برلمانية فرنسية حول ادارة وباء انفلونزا المكسيك quot;انه هدر للاموالquot;، ولا سيما ان اقل من 10% من السكان تلقوا اللقاح. وأثّر ظهور مرض الانفلونزا في المكسيك والولايات المتحدة، ودقت لجنة الحالات الطارئة في منظمة الصحة ناقوس الخطر في 25 نيسان/ابريل.

وبعد شهر ونصف اي في 11 حزيران/يونيو اعلن مرض quot;اتش1 ان1quot; الذي اخذ يتفشى بوتيرة سريعة في العالم، اول جائحة في القرن الحادي والعشرين. وأوصت منظمة الصحة بغسل اليدين والبقاء بعيدًا من الاشخاص المصابين بالفيروس، وان يلازم المرضى منازلهم ويتجنبوا الاحتكاك بالاشخاص المعافين.

الا ان منظمة الصحة كانت تصدر معلومات متناقضة اذ كانت تؤكد احيانًا ان الفيروس لا يتفشى بسرعة واحيانًا اخرى تقول بانه اشبه بالانفلونزا الاسبانية التي اسفرت عن مصرع ما لا يقل عن 40 مليون شخص في 1918.

واشاع ذلك اجواء من الذعر في العالم من طوكيو الى بوغوتا، وتهافت الافراد لشراء الاقنعة الواقية والمواد المطهرة لليدين واغلقت المدارس وحظرت التجمعات العامة. وتبين لاحقًا ان انفلونزاالمكسيك لم تكن اخطر من انفلونزا موسمية. لكن منظمة الصحة اوصت في مرحلة اولى بانتاج خمسة مليارات جرعة لقاح سنويًا.

وكانت هذه التوصية بمثابة نعمة لمجموعات صناعة الادوية في خضم الازمة الاقتصادية العالمية. وعلى سبيل المثال باعت مجموعة نوفارتيس في الربع الاول من 2010 لقاحات بقيمة 1,1 مليار دولار وquot;غلاكسوسميثكلاينquot; 130 مليون جرعة بقيمة 883 مليون جنيه (مليار يورو) في الربع الاخير من 2009.

وقال فلين quot;غالبًا ما يمارس العلماء الذين يرفعون توصيات الى منظمة الصحة ضغوطا للمبالغة في حجم الكارثة ما يعني المزيد من العقود والاموال لاجراء ابحاث حول الفيروسquot;. ونتيجة لذلك تصبح سلطة منظمة الصحة موضع شك. وقال الاستاذ الجامعي ديديه تابوتو المسؤول عن منبر الصحة في معهد الدراسات السياسية في باريس quot;كل ما يخلط بين المال والصحة يطرح مشكلة مصداقية بالنسبة الى القرارات المتخذةquot;.

وقال فلين quot;اذا تفشى فعلاً في المستقبل فيروس خطر لن يأخذ احد تحذيرات منظمة الصحة على محمل الجدquot;. وباسم quot;الشفافيةquot; وللرد على الانتقادات شكلت منظمة الصحة، التي تنفي تدخل مختبرات انتاج الادوية والمدعومة من قبل معظم اخصائيي الفيروسات، لجنة مستقلة مكلفة تقييم ادارتها لتفشي فيروس quot;اتش1 ان1quot; بحلول الخريف.

وقائع وارقام - اسئلة واجوبة

كم هو عدد الذين اصيبوا بالفيروس؟

رصد الوباء في 213 بلدًا ومنطقة بحسب منظمة الصحة العالمية التي لم تصدر اية تقديرات بشأن اعداد المصابين. في البداية توقع خبراء الاوبئة ان يصاب بالفيروس 30% من سكان الكوكب (وعددهم 6,7 مليارات نسمة)، الا ان كريستوف فرايزر المتخصص في علم الاوبئة في quot;امبيريال كولدجquot; في لندن يرجح ان يكون الفيروس طال ما بين 10% الى 20% من سكان المعمورة اي بضع مئات ملايين الاشخاص. القسم الاكبر من هؤلاء اصيبوا بعوارض طفيفة للغاية لا بل ان بعض المصابين لم تظهر عليهم اي عوارض ولم يذهبوا الى طبيب.

كم هو عدد الذين توفوا جراء الوباء؟

لقد تبين ان الوباء اقل فتكًا بكثير مما كان يخشى، فبعد عام على ظهوره تأكدت مخبريًا وفاة حوالى 17 الفًا و700 شخص في العالم اجمع بالمرض. وبالمقارنة فإن الانلفونزا الموسمية تحصد سنويًا ارواح نصف مليون نسمة تقريبًا. اما الاوبئة السابقة فقد قضت على 50 مليون نسمة بين العامين 1918-1919 وبين مليون ومليوني نسمة في 1957 وكذلك في 1968. ولكن اذا اضيفت الى هذه الوفيات المؤكدة مخبريًا اعداد الاشخاص الذين كانوا مصابين بامراض اخرى وتوفوا بعدما اوهنتهم الاصابة بانفلونزا المكسيك، فعندها يصبح على الارجح العدد الحقيقي لضحايا الوباء خلال العام المنصرم اكبر بكثير.

من هي الفئات التي كانت اكثر تعرضًا للوباء؟

لقد كانت احتمالات اصابة الاشخاص الذين تزيد اعمارهم عن 65 عامًا بالفيروس اقل من احتمالات اصابة الاصغر سنا، والسبب في هذا على الارجح هو ان الاكبر سنًا تعرضوا سابقًا لسلالة من فيروس quot;اتش 1quot; من النوع نفسه الذي تفشى في 2009 ما زود اجسامهم ببعض المناعة. بالمقابل كان الشبان مجردين من اي مناعة تجاه هذا الفيروس. الاشخاص الاكثر تعرضًا كانوا اولئك المصابين بامراض تنفسية ورئوية وقلبية اضافة الى الحوامل والبدناء ومرضى السكري والاطفال دون العامين.

كيف جرت عمليات التلقيح؟

الدول الاكثر ثراء طلبت شراء اكثر من مليار جرعة من اللقاح نهاية 2009، الا ان 200 مليون شخص فقط تم تلقيحهم حتى اليوم في العالم بحسب منظمة الصحة العالمية. وفي فرنسا تم تلقيح نحو ستة ملايين شخص من اصل 94 مليون جرعة لقاح طلبتها الحكومة الفرنسية. ولا تزال هناك كميات هائلة من جرعات اللقاح مخزنة في المستودعات، في حين تم الغاء طلبيات شراء اخرى. في فرنسا بلغت تكاليف الغاء الطلبيات حوالى 50 مليون يورو.

ما الذي يمكن توقعه في المستقبل؟

يشهد انفلونزا المكسيك تراجعًا حادًّا في المناطق المعتدلة في نصفي الكرة الارضية بينما ينشط بصورة ضعيفة في المناطق الاستوائية. يمكن للوباء ان يواصل انتشاره بالوتيرة نفسها ليصبح انفلونزا موسمية جديدة. ولكن مما تبين من الاوبئة السابقة فان سلالة quot;اتش1 ان1quot; يمكن ان تعاود الظهور بشكل اكثر فتكا. ويقول استاذ علم الفيروسات جون اوكسفورد quot;للاسف هذا الفيروس لم يمت بعدquot;، مضيفًا quot;انه يسير في اتجاه معين ولا نعلم الى اين سيصلquot;. ويخلص الاستاذ البريطاني الى القول quot;انه فيروس خارقquot; يتطور وقد اخرج جميع الفيروسات الاخرى من حلبة المنافسة.