اعتدال سلامه من برلين: الارقام التي نشرت أخيرًا لاهم معاهد البحوث العملية في المانيا تثير القلق، حيث اشارت الى ان نسبة الاصابات بمرض الشلل الرعاشي ( البركنسن) في تزايد متواصل، وفي السنوات ال25 المقبلة سوف يزداد عدد الاصابات بهذا المرض في البلدان التي تشهد تطورًا صناعيًا سريعًا، ليقفز من ثلاثة ملايين في اوروبا مثلا الى خمسة مليون حتى عام 2030، وتصيب هذا النسبة بشكل اكبر الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا. ولقد اجريت هذه الدراسة في عشرات البلدان منها اليابان وباكستان والصين وبنغلايش والمانيا وفرنسان وبريطانيا وايطاليا واسبانيا والبرازيل وروسيا والولايات المتحدة الاميركية واندونيسيا. ومن المنتظر ان تصل الاصابات بمرض الشلل الرعاشي في الصين لوحدها حتى عام 2030 الى نحو خمسة ملايين اصابة.

ولا يمكن للمريض المصاب بهذا المرض ان يشفى منه، لان الامر يتعلق بالدماغ الذي يصاب بالخلل الوظيفي، حيث تموت في مكان فيه الخلايا العصبية التي تنتج ما يسمى دوبامين Dopamin وهو عنصر مهم من اجل مراقبة حركات الايدين والساقين. اذ ان قلة كمية الدوبامين تؤدي الى حدوث خلل في الحركة وعدم التوازن عند المشي او الوقوف. ليس هذا فقط بل وتبطىء الكثير من قدرات المريض فيصبح تفكيره مثلا بطيئا ويصاب بالارق، كما تصاب المثانى لديه بخلل في عملها وتصلب العضلات. لكن بعد تجارب كثيرة على مدى عقود طويلة جدا تمكن الطب من تحسين وضعية المريض بالشلل الرعاشي بعض الشيء عبر العقاقير وتحضيره منذ حدوث اول اشارة للمرض، الا انه لن يتمكن ابدا من الاعتماد على نفسه.

امكانية تقليل الاثار
ويمكن التقليل من تفاقم اعراض مرض الشلل الرعاشي اذا ما عولج في المراحل الاولى ، فمؤشراته تظهر قبل عشرة اعوام احيانًا، وتكون عادة خفيفة جدا لكن بامكان المريض ملاحظتها. وتصاب نسبة 80 في المائة منهم بالامساك الدائم ومشاكل في الدورة الدموية واوجاع بين الكتفين او الاصابة بتصبب العرق اضافة الى فقدان قدرة الشمّ بنسبة عالية لبعض الروائح وانخفاض الصوت.
ورغم الاعتقاد السائد بان هذا المرض يصيب كبار السن لكن يمكن لشباب من سن الاربعين الاصابة به ايضا. وفي حالات كثيرة يتسبب بالوفاة عندما يصبح المريض في مراحل متقدمة وتتيّبس عضلاته مما يؤثر سلبًا على اعضائه ولا يستطيع القيام بأبسط حركة منها مضغ الطعام.
وحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية فان الشلل الرعاشي يصيب النساء كما الرجال على السواء وتصل نسبة الاصابة به في العالم الى ما بين 0،1الى0،2 في المائة ، وترتفع الى 1 في المائة مع عمر الستين و2 في المائة ما فوق السبعين.

مكان الخلل
ولقد اثبتت تجارب وبحوث علمية كثيرة ان أسباب هذا المرض يعود الى خلل في منطقة دقيقة في المخ تسمى المادة السوداء او النواة السوداء substanzia negra. فالدور الذي تلعبه مهم جدا، فهي تنسيق حركات الجسد. وفي اجسام المصابين بالمرض يؤدي تلف الخلايا العصبية في هذه المنطقة الى تعطيل نقل النبضات ما بين نواتين في الجزء المسمى Basalganglien اي النواة السوداء والنواة الجزيئية، فتكون النتيجة فقدان المريض القدرة على تحريك جسده وصعوبة القيام بالحركات وارتعاش اليدين والرجلين.
والمشكلة ان الكثيرين يستبعدون اصابتهم بهذا المرض ويعيدون العوارض التي تظهر عليهم بانها نتيجة الادمان على الكحول، فيتأخرون في الذهاب مبكرا الى الطبيب الا عندما تزداد رعشة اليد او القدم والاصابة بالارهاق الجسدي وصعوبة التنفس.

علاج جراحي
وما يدخل الامل في قلوب المصابين بهذا المرض كشف مجموعة من الأطباء في جامعة كيل الالمانية مؤخرا النقاب عن علاج جراحي يستطيع تحسين أداء حركات المصابين بالمرض. حيث زرعوا جهازا دقيقا في دماغ مريضة فقد الامل في شفائها وتدهورت حالتها كثيرا بسبب تلقيها الكثير من العقاقير، ولم تعد تستطيع التحكم بحركاتها وفقدان امكانية النوم.
فخلال العملية الجراحية التي دامت اكثر من عشر ساعات ربط الأطباء دماغ المريضة بجهاز محفزّ زرع في الرأس بالقرب من منطقة quot;النواة السوداءquot; تحاكي ذبذباته المنطقة المصابة وتكبت بذلك عوارض المرض. ويتألف هذا الجهاز من الكترود له اربعة اسلاك كهربائية يزرع في الدماغ مرتبط عن طريق توصيلة ببطارية تزرع في ترقوة او في الجزء الاسفل من البطن تبعث بموجات كهربائية. وهذا الجهاز لا يشفي من المرض لكنه يخفف حوالي 75 في المائة من عوارضه التي تتفاقم مع الوقت فيتحسن بالتالي وضع المريض. واتضح ان المرضى الذين زرع لهم هذا المحفز يعيشون حياة هادئة وباستطاعتهم الآن القيام بنشاطات مختلفة والتبضع وزيارة الأصحاب والسفر.

لكن ليس كل مريض بالشلل الرعاشي يمكنه الاستفادة من هذا الجهاز، اذ يجب اخضاعه قبل فترة لفحوصات مختلفة ودقيقة جدا، والسبب في ذلك ان الاطباء لا يمكنهم اجراء العملية الا بناءا على النتائج التي تحدد هل يصلح هذا الجهاز للمريض ام لا. واهم فحص هو مدى تفاعله مع عقار L-Dopa، حيث يعطى عيارا اكبر من العيار المعتاد الذي يتناوله، فاذا ما تفاعل معه وشعر في الوقت نفسه بعوارض جانبية يكون مرشحا للعملية ،أي انه مازال يتجاوب مع هذا الدواء ويسبب له هذه العوارض.

وخلال العملية لا يخدّر المريض بالكامل بل يعطى مخدرا موضعيا في جلد الرأس، فهذا كاف ولن يشعر بالم الحفر في عظام الجمجمة من اجل الوصول الى المكان المطلوب والغوص فيه. وعدم التخدير له سبب اخر وهو ابقاء المريض بكامل وعيه كي يعرف الجراح بسرعة تأثير كل خطوة يقوم بها داخل الدماغ. وقد يكون ذلك غير مريح للمريض خاصة وانه سيظل بدون حركة ساعات طويلة ورأسه داخل حلقة، لكن في مثل هذه الحالة يتمكن الجراح خلال العملية بشكل افضل من فحص كل ملمتر مكعب من اماكن مختلفة تكون قريبة من بعضها في منطقة النواة السوداء من اجل تحديد أي من خلايا الاعصاب يجب ايقاف نشاطها من اجل التخفيف من عوارض الشلل الرعاشي ، أي العثور في هذه المنطقة على النقاط المسببة للعوارض وتكون واضحة لان المريض لم يتناول العقار او يخدر. وتساعد ذلك هنا ايضا صور الاشعة التي يحللها جهاز الكمبيوتر في غرفة العمليات ويعطي بيانات دقيقة جدا عن وضع الدماغ وكأنه عملية مسح.
اضافة الى ذلك يجب ان يكون المريض بكامل وعيه لان الجراحين يجرون له خلال العملية الجراحية وبشكل دائم فحص للاعصاب ويطلبون منه تحريك اطرافه كي يتأكدوا من اصابة الهدف المطلوب وهو تعطيل نشاط خلايا الاعصاب المسببة لعوارض المرض.

ويمهد حفر ثقب صغير في الجمجمة للجراح ادخال سلك رفيع جدا ليدخل فيه الالكترود الذي يدفعه الجراح حتى يصل الى المكان المحدد له في منطقة النواة السوداء بالقرب من خلايا الاعصاب التي ظهرت عليها تغييرات فيثبت بالقرب منها. وتجرى خلال العملية اول تجربة لمعرفة مدى نجاح الزراعة ومدى تجاوب الدماغ مع الشحنات الكهربائية المنبعثة من البطارية فيظهر في وقتها على المريض قلة الارتعاش.