تقترب quot;إيلافquot; من العشائر العراقيّة الرئيسة والعريقة وتحاور بعضا من أبرز شيوخها الذين تحدثوا عن دور العشيرة اليوم، وعن أصل تسمياتها، ومعنى quot;المضايفquot; التي تُحلّ عبرها النزاعات دون اللجوء إلى القضاء أو تدخّل الجهات الحكومية.

بغداد: quot;شيخ العشيرةquot; رمز اجتماعي عراقي يفض الخلافات والنزاعات التي تحدث بين أفراد العشيرة، وكافة المشاجرات صغيرة أو كبيرة، والعمل على الصلح بين الناس وخارجها بالتعاون مع وجهاء المجتمع:هذا هو التعريف الاجتماعي للشيخ الذي عاد دوره بقوة داخل المجتمع بعد أن اضمحلّ في حقبة السبعينات والثمانينات وصنفته الأيديولوجيات آنذاك بأنه من الأجندة الرجعية ووضعته في خانة الماضي المتخلف.

والعشيرة في العراق مجتمع متكامل، الناس فيه سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين كبير وصغير أو غني وفقير، حتى quot;شيخ العشيرةquot; عندما يخرج عن نظام العشيرة أو نطاق الآداب يتم عزله. هذا ما يقوله الشيخ علوان شاكر حمزة شيخ عشيرةquot; الكلابيينquot; الذي التقته quot;إيلافquot; في مضايف quot;آل كلبquot; المنتشرة في أطراف واسط وبابل.

يقول الشيخ علوان شاكر حمزة إن العشائر تنقسم في العراق إلى أفخاذ وارهاط وتجمعها (القحطانية)، و(العدنانية). وهناك العشائر والقبائل (المتحيرة) أيضا أي التي لا يسند لها اصل مؤكد .

يضيف الشيخ علوان: المثل العربي يقول (من آل وبني) ويضرب للقدم. وهذا الـ (آل) و الـ(بني) قديم، فالقحطانية تمتّ إلى (آل)، والعدنانية إلى (بني)، ولا تخرج عشيرة عن هؤلاء.

وفي مضيف بني كلب حيث يتبادل الجميع أطراف الحديث حتى منتصف الليل يقول الشيخ عبد عناد آل الثائر إن العشائر الجنوبية تستعمل (آل) بما نقصده من (بني) ومن أولاد أو أسرة أو ذرية، في حين أننا نستعمل آل بمعنى (الأسرة). وأما (البو) فيراد بها لدى القبائل القحطانية معنى (آل) أو (بيت) عند العدنانية. وفي أنحاء العمارة والكوت والجهات الفراتية يراد بالبيت ما نريده من الفخذ أو (البو) بلا فرق.

وكذا عند العدنانيين يراد ب (البو) ما يراد عينهعند القحطانيين إلا أنه تمدّ همزته فيقال (آلبو)، و(آل) عند القحطانية يراد به ما يرادعينه من (إل) ولكل استعماله.

يقول الشيخ الصيهودي إن (آل وبني) أي القحطانية والعدنانية، وكلّ واحد من هذين الجسمين يتفرع إلى عشائر عديدة جدا لها مزاياها وخصائصها.

فالقحطانية تتناول الزبيدية والطائية وما يتصل بهما ويتكون هذا المجلد منها. والعدنانية ينطوي تحتها المنتفق وربيعة وما يمت إليهما.. ولا شك أن الاختلاط أدى إلى تغلب الأكثر من العشائر على الآخر.

يحدثنا الشيخ عبد مناحي آل البو راشد عن طبيعة المضايف العراقية وما فيها من مزايا تعود على المجتمع بالعموم وعلى العشيرة بالخصوص قائلا:quot;كانت المضايف قديما تعرف بأنها مكان لتلاقي شيوخ وأبناء العشيرة في ما بينهم أو بين العشائر الأخرى ، فهي مكان عام يتوجه إليه الناس بحرية كاملة دون حرج لأنها مخصصة لذلك ، إضافة إلى أن لها مرافقها الخاصة، الأمر الذي يجعلها تعتمد على ذاتها في كل شيء، فهي حاجة أوجدتها طبيعة حياة الناس للتباحث في الأمور العامة التي تهمهم ما يشعرهم بالارتياح والطمأنينة نتيجة لذلك.

شيخ العشيرة في العراق يحظى بمكانة خاصة

ويضيف هادي احد وجهاء عشيرة (الجبور) قائلا: المضيف هو المكان أو المبنى الذي يتسم سمة خاصة من التكريم وغالبا ما يقسمون به بالقول (وحق هذا المضيف وبخته) ويجلس أبناء العشيرة والضيوف كل مساء لتداول أمور حياتهم، وأحيانا يقصون القصص والحكايات وتطول (السالفة) أحيانا إلى ثلاث ساعات، والجميع يستمعون إلى الأحداث وأحدهم يقص الحادثة سواء كانت تاريخية أو معاصرة وبين فترة وأخرى يسقي احدهم الجميع القهوة والشاي وتطول هذه الجلسات إلى ساعات متأخرة من الليل ثم ينهضون مبكرا لكي يواصلوا حياتهم بشكل طبيعيّ.

وأضاف:quot;حاليا تتم دعوة الشيوخ والوجهاء وأصحاب الرأي إلى مضيف كبير القوم أو ما يسمى بالشيخ عن طريق دق القهوة في الهاون التي تحدث رنات تنبيهية إلى الجيران فيفهمون ان مضيف فلان فيه ( قهوة)، وليس المقصود بالقهوة بأنها فقط quot;شرب فنجانquot; فحسب ، بل إن من المعاني المراد بها مثلا، قضية يراد حلها أو حادثة أو مبايعة لعالم دين أو مرجع ، فـquot; المضايفquot; حسب لغة العشائر مدارس يتعلم فيها الإنسان معنى الخلق والآداب الحسنة وكيفية الحديث وعدم التفوه بالكلام البذيء واحترام الآخرين.

ويكرم شيخ العشيرة أو الضيف أو الإنسان بإجلاسه في صدر الديوان احتراما وإجلالا له.

ويرى الشيخ عباس الكرعاوي أنّ quot;المضايفquot; ضرورة أساسية في حياة العشيرة فهي تمثل وجودها لأنها مكان متسع ومهيأ لاستقبال الناس بطريقة أفضل خاصة انه تتوافر فيها كل المقومات والخدمات الضرورية .

وبين الكرعاوي أن دور المضايف في السابق كان يقتصر على المناسبات الاجتماعية كالأفراح والأتراح وإكرام أهل المتوفى واستقبال الزائرين ، حيث أدى ذلك إلى إيجاد نوع من الألفة والمحبة وزيادة التواصل بينهم.

ولفت الكرعاوي إلى أنّ مضايف quot;آل أكرعquot; تقوم بدور بارز في إجراءات الصلح وquot;العطوة quot; العشائرية، مبينا أن الكثير من القضايا يتم حلها عن طريق quot;المضايفquot; دون وصولها إلى المحاكم، كما أصبح لها دور مهم في مواسم الحج والعمرة إذ يتم فيها استقبال الحجاج والمعتمرين وتقديم التهاني لهم، أما عن الدور السياسي فهو قليل ويكاد يقتصر على أوقات معينة خصوصا في مواسم الانتخابات.

وعدّد الشيخ حاتم الجريان شيخ عموم (البو سلطان) بعض المصطلحات التي تستخدم في متناول العشيرة منها، quot;الوجهquot; والذي يضمن بتنفيذ قرار الحكم على المجرم من قبل القاضي العشائري. وquot;العطوهquot; وهي هدنه أمنية يعطيها المتضرر أو ذووه لفترة محددة من الزمن يتفق عليها وقد تكون شفوية .

وتتداول عشائر العراق المختلفة نوعين من الصلح، الأول صلح تام حيث تنتهي فيه المشكلة وتتصافى النفوس ولا يترك لها أثر، وصلح ناقص وهو مشروط ينهي النزاع بين الأطراف باستثناء القاتل مثلا.

جانب من quot;المضايفquot; التي تقيمها عشائر العراق في المناسبات الكبرى أو لهدف عقد الصلح

أما الكفالة فهي ضمان استيفاء الحق من صاحب الحق إلى شخص آخر يلتزم بتحصيله.

كما أن هناك عادة quot; الدخالهquot; بين العشائر الهدف منها إزالة حدة التوتر بين أبناء العشيرة، وإعادة السيطرة على العوائد وتطبيقها على المنازعات .

وغالبا ما يتم حل النزاعات العشائرية والقبلية من دون تدخل الجهات الحكومية. وحول هذا الموضوع يقول المحامي إسماعيل كريم إن quot;القضاء العشائري رديف وساعد أيمن للقضاء المدني وعون للأجهزة الأمنية.quot;

ويقول الشيخ عاصم الداود إن الحكم العشائري quot;أثبت قوته في تنفيذ شروط الصلح بين المتخاصمين والذي يهمنا في القضاء العشائري الجانب الايجابي الذي يردع ويمنع الجريمة ويخدم المجتمعquot;.