وصفت رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة الوضع الذي آلت اليه مقابر البساتين اليهودية بـ quot;الاحتضارquot;، في ظل انعدام الحفاظ على تلك المنطقة الاثرية، لاسيما بعد تسجيل بعض أحواشها في الاثار المصرية، وقالت كارمن واينشتاين ان يهود العالم ضموا أصواتهم إلى صوتها.


كارمن واينشتاين رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة

القاهرة: أعربت كارمن واينشتاين رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة عن بالغ قلقها من تردي وضع المقابر اليهودية في حي البساتين في العاصمة المصرية، فرغم أن تلك المقابر هي ثاني أهم مدافن يهودية على مستوى العالم بعد مقابر جبل الزيتون في القدس، الا ان أيادي الاهمال لا تتوقف عن العبث فيها، في وقت تعالت فيه نداءاتها، مطالبة الدوائر المعنية في مصر بالتدخل لحماية المقابر التي باتت تحتضر تحت وطأة الاهمال حتى تحولت الى ما يشبه مكاناً لتجمع القمامة على مرأى ومسمع من المسؤولين.

وترى واينشتاين في حديث خاص لـ quot;ايلافquot; انها أضحت وطائفتها تعانيان تجاهلا مُفرطا لحقوق ما تبقى من اقلية يهودية في مصر، مشيرة الى: quot;ان الازمة لا تكمن في كون اليهود المصريين اقلية، وسط نظرائهم من المسلمين والمسيحيين من أبناء مصر، ولكنها تتمثّل في وجود مفاهيم خاطئة تربط بين اليهود واسرائيل، او بعبارة اخرى مفاهيم وتراكمات ايديولوجية تخلط بين الدين والسياسةquot;.

أوكار الممنوعات

وأبدت واينشتاين دهشتها حيال ما تتعرض له المقابر اليهودية في حي البساتين في القاهرة من حملات للاهمال، موضحة انه على الرغم من أهمية تلك المقابر من الناحية التاريخية، الا ان الاهتمام بها لا يصل الى المستوى المطلوب، وتضيف واينشتاين متسائلة: quot;أليست تلك المقابر مصرية؟ وأمواتها يهود مصريون ساهموا الى حدّ كبير في بناء اقتصاد مصر؟ واذا كان ذلك كذلك، فلماذا لا يكترث المسؤولون بتحولها الى أوكار لتعاطي الممنوعات، ومعقلاً لايواء المتشردين، وقطاع الطرق؟quot;.

وفي معرض حديثها عن وضعية اليهود في مصر، قالت رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة: quot;اليهود المصريون جزء من نسيج هذا البلد، ومن تبقى منهم فيها رفض وما زال يأبى العيش على تراب غير ترابها، مهما تعددت الاغراءات، فلا يملك احد ان ينزع عنا وطنيتنا ومصريتناquot;.

وأضافت أن الفجوة الأيديولوجية التي زرعتها فئة اصولية في عقول البسطاء من المصريين هي السبب في الربط بين اليهود واسرائيل، او الخلط بين الدين والسياسة، ولعل ذلك كان سبباً مباشراً في إحجام عدد كبير من يهود مصر عن كشف هويتهم الدينية، لاسيما انهم يشعرون عند الكشف عنها بحالة من الاغتراب وسط بلدهم الذي لا يزالون يحملون جنسيته، ويرفضون التخلي عنها الى الابد.

وأضافت: quot;أن ما يشاع حول عدد اليهود في مصر لا يتجاوز ما يقرب من مئة يهودي، الا انني اؤكد ان عدد اليهود المصريين يفوق ذلك الى حد كبير، غير انهم يرفضون الكشف عن هويتهم خشية تعرضهم لأذى وسط المجتمع الذي يعيشون فيه، ولا تكتشف الطائفة انهم يهود إلا عند وفاتهم، عندما يطالب أقاربهم بدفنهم في مقابر البساتينquot;.

وعلى ذكر مقابر البساتين، عادت واينشتاين للحديث عن بيت القصيد، مشيرة الى ان المقابر التي يدور الحديث عنها كان قد حصل عليها اليهود من احمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر، حتى يدفنون فيها موتاهم، ويعود تاريخ بعض المقابر فيها الى القرن الخامس عشر تقريباً، وبعد تلك الحقبة الزمنية وارى تراب هذه الارض كبار الشخصيات اليهودية المصرية، التي كان لها باع طويل في خدمة الاقتصاد المصري، ومن هذه الشخصيات والاسر، الحاخام quot;حاييم كابوتشيquot; وquot;القطاوي باشاquot;، ورائدا بناء الاقتصاد المصري quot;عدسquot;، وquot;شيكوريلquot;، اللذان لا تزال متاجرهما تعمل حتى الان في مصر، بعد ان تم تأميمها إثر ثورة تموز/يوليو عام 1952.

أهمية تاريخية ودينية

ومن المقابر التي وضعها المجلس الأعلى للآثار على قائمة الآثار المصرية quot;حوش موصيريquot;، إذ تم تسجيله على أنه أثر مصري، كغيره من المقابر اليهودية التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، إذ عُثر فيها على ما يُعرف بـ quot;جنيزة القاهرةquot;.

وعن الجنيزة تقول كارمن: quot;الجنيزة عبارة عن وثائق وخطابات كان يتناقلها يهود مصر مع جيرانهم من ذوي الديانات المختلفة، وتخص حياتهم اليومية التي كانوا يعيشونها، إذ كانت عبارة عن وثائق وعقودquot;.

وتقول رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة: quot;أهمية مقابر البساتين لا تقتصر على كونها موقعاً اثرياً فقط، وانما تعود اهميتها الى كونها ثاني مكان يُبعث منه موتى اليهود، وتؤكد الشروح والتفاسير التوراتية هذا الاعتقاد، إذ تشير الى ان انبعاث الموتى اليهود من قبورهم سيبدأ من مقابر جبل الزيتون في القدس، ثم يتبعه موتى مقابر البساتينquot;.

وترى كارمن واينشتاين انه انطلاقاً من هذا المنظور الديني، ينبغي الحفاظ على قدسية تلك المقابر، وحمايتها من العبث، وتضيف: quot;منذ عام 1975 وانا اسعى بكل طاقتي لدى كافة المسؤولين للحفاظ على مقابر البساتين وحمايتها من الاذى الذي تتعرض له، خاطبت محافظة القاهرة اكثر من مرة، مسؤولي الحي حتى سئمت من الجدل والردود الفاترة التي ربما لا تعي حجم الكارثة، ومنذ هذا التاريخ يتوافد سكان العشوائيات على الاقامة في مقابر البساتين، وهذا لا يليق بصورة مصر، إذ انه من غير المنطق ان ينشأ اطفال وشباب هذا البلد في المقابرquot;. وطالبت كارمن بأن يتم توفير المسكن المناسب لتلك الفئة من الشعب المصري، حتى تعود الخصوصية الى مقابر البساتين مثلما كانت عليه في الماضي.

الأمور زادت ضراوة في مقابر البساتين عندما قرر المسؤولون اقامة جسر لعبور السيارات، وكان من الضروري وفق التقديرات الهندسية ان يمر الجسر فوق المقابر، عندئذ - كما تقول كارمن ndash; quot;تلقينا وعداً بترتيب اوضاع منطقة المقابر بعد بناء الجسر، وعلى خلفية هذا الوعد قمنا بنقل بعض المقابر بعيداً عن مسار الجسر، غير ان الامور ساءت بصورة يصعب وصفها، لا سيما ان المنطقة التي تقع اسفل الجسر تحولت الى ممر للمشاة، يسمح بالتوغل داخل المقابر دون اي عوائق او عراقيل، وتفاقمت المشكلة عندما قرر الحي تجديد شبكة الصرف الصحي في المكان، وقام مقاول المشروع بهدم 300 متر من السياج الذي اقمناه في الماضي حول المقابر، ووعدتنا الشركة ببناء ما تم هدمه الا ان ذلك لم يحدث حتى الانquot;.

لم تقتصر خلافات الطائفة اليهودية في القاهرة مع المسؤولين في الحي او المحافظة او مع رئيس المجلس الاعلى للاثار نفسه، وانما طالت القائمين على شبكات الكهرباء، إذ طالبت رئيسة الطائفة وما زالت بوضع اعمدة إنارة داخل المقابر للحيلولة دون عمليات الاغتصاب وتعاطي الممنوعات وغيرها من جرائم في المقابر، غير أن مطالبها لم تنفذ.

وعن ذلك تقول واينشتاين: quot;لم يتحرك ساكن رغم مطالبنا الدؤوبة، حتى وصلت الامور الى حد لا يمكن السكوت عليه، فخلال احدى زياراتي للمقابر فوجئت بمقبرة والدتي السيدة quot;استرquot; قد تعرضت للهدم، وسرق اللصوص بابها الحديدي لبيعه في سوق quot;الخردةquot;، فضلاً عن سرقة آلات وملابس العمال الذين يقومون بالعمل في المقابر في محاولة يائسة لتنظيفهاquot;.

حواس والمترجمون

أما في ما يتعلق بالمجلس الأعلى للآثار الذي يقوم عليه الدكتور زاهي حواس، فقالت رئيسة الطائفة اليهودية في حديثها لـ quot;إيلافquot;: quot;لم يرد الدكتور زاهي حواس على طلبنا الرامي الى توفير مترجمين للغة العبرية من اجل رصد وتحديد الشخصيات اليهودية البارزة التي تم دفنها في المقابر، من خلال قراءة ما هو مكتوب على القبور، فمع مرور الزمن تلاشت معالم هذه الاسماء، وكان من اللازم الاستعانة بمتخصصين لتحديدهاquot;.

أزمة مقابر البساتين لم تقتصر على الشأن المحلي في مصر، وانما تجاوزته للعالمية وذلك في اطار ما وصفته واينشتاين بزيارات يهود الخارج لمقابر البساتين، حيث بعثت احدى المنظمات الفرنسية المعنية بالحفاظ على التراث اليهودي في مصر، والتي كان يقودها اليهودي الفرنسي quot;جاك حاسونquot;، بالعديد من الرسائل للمجلس الاعلى للاثار ووزارة الخارجية المصرية، وطالبت المنظمة في تلك الرسائل بحماية مقابر البساتين، غير ان هذه الرسائل لم تجد مجيباً، لاسيما بعد وفاة حاسون، وانقطاع دعمه الشهري لمقابر البساتين، وحاول يهود الولايات المتحدة استكمال مشوار المنظمة الفرنسية ولكن دون رد فعل ايجابي من الخارجية المصرية والمجلس الأعلى للآثار.