قبل أشهر قليلة لا أكثر كنا نسمع خبراء أمنيين يؤكدون تراجع تنظيم القاعدة وحلفائه، عسكريًّا وايديولوجيًّا. ولكن عمليتي تفجير يفصل بينهما أقل من اسبوع، إحداهما فاشلة والأخرى ناجحة، وضعتا نهاية لهذا التفاؤل.

لم يكن الحديث عن سقوط quot;القاعدةquot; رجمًا في الغيب بل ان العديد من المحللين يرون ان قيادة الشبكة على مستوى المركز منيت بخسائر فادحة نتيجة الهجمات التي نفذتها الطائرات الاميركية من دون طيار في منطقة القبائل الباكستانية، وان فرع القاعدة في السعودية هُزم عمليًّا وشقيقه في العراق هُمش، أضف إلى أن الناشطين في مناطق أخرى لا يتمكنون إلا من تنفيذ هجمات محلية. وأخفق تنظيم القاعدة في توجيه ضربة في الغرب منذ تفجيرات لندن العام 2005. وأخذت مصادر التمويل تنحسر ومزيد من المسلمين يرفضون الارهاب الدولي.

وعلى الرغم من ان تنظيم القاعدة ما زال خطرًا، فإنّ الضغط أشد عليه والتحديات أكبر وهو تنظيم اكثر انكشافًا وضعفًا من أي وقت مضى منذ 11 ايلول/سبتمبر 2001، كما اعلن مايك لايتر مدير المركز الوطني الاميركي لمكافحة الارهاب في ايلول/سبتمبر الماضي.

مثل هذه التقييمات تخضع الآن للمراجعة على عجل. وتعتبر مجلة الايكونومست ان مايك لايتر احد الذين يتعين عليهم ان يوضحوا لماذا فشل مركزهم الجديد نسبيًّا الذي يُفترض ان يوحد جميع المعلومات المتعلقة بالتهديدات الارهابية، في ان يربط بين تحذيرات متعددة بشأن عمر فاروق عبد المطلب، الطالب النيجيري الذي انتقل من لندن الى اليمن وحاول تفجير طائرة على متنها 290 شخصًا بمواد اخفاها في ملابسه الداخلية في يوم عيد الميلاد.

بعد خمسة ايام تلقت الاستخبارات الاميركية ضربة مباشرة عندما فجر الطبيب الاردني ذو الأصل الفلسطيني همام خليل ابو ملال البلوي نفسه في قاعدة لوكالة المخابرات المركزية ـ سي آي أي ـ في افغانستان بعدما أُرسل الى باكستان لاختراق قيادة القاعدة. وقتل البلوي سبعة اميركيين وضابط مخابرات اردنيا في واحدة من أكبر الخسائر التي تكبدتها الوكالة.

وعاد اسامة بن لادن نفسه الى الظهور لتحية quot;البطلquot; عبد المطلب في تسجيل صوتي بثته قناة quot;الجزيرةquot;. وتوعد في رسالة quot;من اسامة الى اوباماquot; بان هجمات القاعدة ستتواصل على الولايات المتحدة ما دام دعمها متواصلاً لاسرائيل.

الى اي حد تنامى تهديد القاعدة حقا؟ من المشاكل التي تعترض الاجابة عن هذا السؤال ان القاعدة تنظيم هلامي، تنظيم سري وشبكة من الجماعات المقاتلة وتمرد اجتماعي مبعثر في آن واحد، على حد وصف الايكونومست. وانه يضم عنقودًا من القادة الملتفين حول اسامة بن لادن وايمن الظواهري محتمين في منطقة الحدود الباكستانية المنفلتة بعد طردهم من افغانستان، على ما يُعتقَد. وما زالت quot;نواة القاعدةquot; هذه تسعى الى تنفيذ هجمات ضد الغرب. ولكن مهمتها الأكبر هي توفير مصدر ايحاء ايديولوجي على الانترنت.

يستخدم عدد من الجماعات اسم القاعدة ـ لا سيما في العراق واليمن والمغرب ـ لكن هذه الجماعات تعمل بقدر كبير من الاستقلالية. كما ان لدى تنظيم القاعدة شبكة من الحلفاء تضم متطرفين افغان وباكستانيين وكشميريين وحركة شباب المجاهدين الصومالية ومتمردين شيشان ومسلحين اندونيسيين وآخرين. وثمة حركة اجتماعة حتى اوسع قد تضم مجموعات من المسلمين الشباب الذين تجذروا وتطرفوا ذاتيًّا في الغرب. وتربة خصبة اخرى لتجنيد العناصر هي بين السجناء الذين يعتنقون الاسلام.

من الصعب هزم شيء هلامي لا شكل له كهذا، بحسب الايكونومست. فالهجمات يمكن ان تأتي من اي مصدر وعناصر القاعدة يمكن ان يُقتلوا لكن افكارهم تبقى حية. ولعل النبذ الذي يبديه جهاديون سابقون يؤذي الحركة لكنها تُرفَد من معين كراهية عميقة للغرب. وإذا تراجع الجهاد في ميدان، كما في العراق، ينتقل المقاتلون الى مكان آخر، مثل اليمن أو الصومال. ويكون نجاح مجموعة سندًا للمجموعات الأخرى.

تتأثر المواقف بحالات المد والجزر في ما يقع من احداث. فالهجوم الناجح يقرع ناقوس الانذار والهدوء يبعث على الطمأنينة والتراخي،على الرغم من ان الحظ قد يكون الفارق بين الاثنين. فإن عبوة عبد المطلب لم تنفجر على الوجه المطلوب. وربما كان من الممكن تفادي الكارثة التي ألمت بالسي آي أي لو جرى تفتيش البلوي قبل اقترابه من ضباطها.

وإذا كان تفاؤل العام الماضي في غير محله، فإن مخاوف هذا العام قد يكون مبالغًا بها. فالمؤامرات الكبيرة تتطلب وقتًا وفضاء لتدبيرها، والمخططات الطموحة التي ترتبط بالحصول على مواد بيولوجية او نووية تحتاج على الأرجح الى موارد مالية كبيرة وقاعدة مستقرة لاجراء الأبحاث واختبار التقنيات. ومن هنا اهمية وجود ملاذات في مناطق يغيب عنها حكم القانون. ولا ريب في ان ملاذات القاعدة الحالية ـ سواء في منطقة القبائل الباكستانية او مناطق نائية في اليمن أو الصومال أو الصحراء الكبرى ـ تشكل مبعث قلق ولكن ما من ملاذ منها يضاهي الملاذ الذي كان لدى تنظيم القاعدة ذات يوم في افغانستان.

وتنقل الايكونومست عن مصدر استخباراتي غربي قوله ان قيادة تنظيم القاعدة ربما كانت تنكمش ولكن الشبكة عموما تتصلب ولعل هذا يعوض عما لا يستطيع التنظيم ان ينفذه بنفسه. واحد مكونات الشبكة الذي ازداد قوة هو فرع القاعدة في اليمن الذي اندمج رسميًّا العام الماضي مع فلول الحركة في السعودية. واسهم في انبعاثه من جديد عاملان، أولا الضعف الذي يعتري دولة يمنية هشة اصلا بسبب تناقص النفط والموارد المالية، وتمرد شيعي في الشمال ونزعة انفصالية في الجنوب. وثانياً رفد تنظيم القاعدة بعناصر متمرسة من عملية الهروب الواسعة من احد السجون عام 2006 ومن نزلاء سابقين في معتقل غوانتانامو.

تحقق تحذير لايتر، مدير المركز الوطني الاميركي لمكافحة الارهاب، من ان اليمن يمكن ان يصبح قاعدة عمليات اقليمية لتنظيم القاعدة. وقال تقرير أخير لمجلس الشيوخ ان عشرات الاميركيين الذين اعتنق العديد منهم الاسلام وتجذروا في السجن، ذهبوا الى اليمن وان بعضهم quot;أفلت من شاشة الرادار. وبين هؤلاء شقر وذوو عيون زرقquot;.

يروق لتنظيم quot;القاعدةquot; ان يتباهى بأن جهاده كان سبب الأزمة المالية في اميركا مشيرًا الى تكاليف الحروب الباهظة في افغانستان والعراق. لذا يتسم تحقيق الاستقرار في هذين البلدين بأهمية حيوية لتفادي اعطاء الجهاديين نصرًا. ولكن قد يكون على اميركا ان تحذر من الرد العسكري السافر على كل تهديد من القاعدة. فالتدخل يمكن ان يعطل خلايا ارهابية ولكنه يمكن ان يثير نقمة ومقاومة.

تنقل الايكونومست عن بروس هوفمان من جامعة جورجتاون quot;ان استراتيجيتنا وتركيزنا يكاد ينصب حصرا على قتل ارهابين وأسرهم. ونحن لا نستطيع ان نخوض هذه الحرب كما خضناها حتى الآن. فان هذا من شأنه ان يستنزفنا ماليا وبشرياquot;. ويضيف ان الأجدى هو مساعدة الحكومات المحلية على منع تنظيم القاعدة من الترسخ والسعي الى الحد من التطرف. وتشير مثل هذه الأفكار الى تقديم المساعدة في مكافحة الارهاب وزيادة التشديد على الديناميكيات السياسية للبلدان العربية والاسلامية.

ولكن المساعدات والدبلوماسية لن تحل كل شيء. فالقادة المحليون قد يكونون ضعفاء أو مكروهين أو غير ميالين الى مشاطرة الغرب اهدافه. في افغانستان لم يفعل الرئيس حامد كرزاي ما يُذكر لمكافحة الفساد. وبالنسبة إلى كثير من الباكستانيي، فإن الخطر الأكبر هو الهند وليس التطرف بل ان باكستان استخدمت الجهاديين طيلة سنوات أداة في سياستها الخارجية. وعلى الغرار نفسه فان اولويات اليمن هي اولا سحق التمرد الشيعي وثانيا منع انفصال الجنوب. وتلقى الرئيس علي عبد الله صالح مساعدة من محاربين قدامى في جهاد افغانستان ضد السوفيت للانتصار في الحرب الأهلية إبان التسعينات.

مؤتمرا لندن حول اليمن وافغانستان عُقدا لمعالجة هذه المآزق. وبدأ مؤتمر اليمن عملية الافراج عن مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار موعودة منذ عام 2006 مقابل اجراء اصلاحات سياسية ومكافحة الارهاب. وقالت بريطانيا ان الهدف هو منع اليمن من التحول الى دولة فاشلة. وتتمثل المهمة في افغانستان باعادة بناء دولة فشلت اصلا في غمرة تمرد متسع.

في غضون ذلك يعكف خبراء مكافحة الارهاب على تطوير المبادئ الأربعة التي حددتها بريطانيا بمنع تطرف المسلمين، وملاحقة الارهابيين واجهاض مؤامراتهم، وحماية الأهداف لجعل الهجمات اصعب، وتهيئة الأجهزة الحكومية للتقليل قدر الامكان من تأثير أي هجوم. وتقترح الايكونومست اضافة مبدأ خامس هو المثابرة والإصرار.