أفارقة في طريق هجرتهم منبلادهم

طريق صعبة ومحفوفة بالمخاطر يسلكها المهاجرون الأفارقة في طريقهم من مصر إلى إسرائيل ndash; الجنّة الموعودة - بهدف تحسين ظروف عيشهم، والإبتعاد عن الصراعات المتلبّدة في بلدهم الأمّ، هذا ما دفع بالسلطات المصرية والإسرائيلية إلى تكثيف الإجراءات الأمنية على الحدود المشتركة وبناء جدار يحدّ من هجرة هؤلاء، ولكن يرى بعض المهاجرين أن هذه الإجراءات لن تحققّ مرادها ولكنها ستجعل طريق الوصول إلى إسرائيل أكثر صعوبة.

القاهرة : شرعت إسرائيل فى إقامة جدار على الحدود المصرية أسوة بالجدار التي تقوم مصر بإنشائه على حدودها مع قطاع غزة، وذلك لوضع حد لتسلل المهاجرين الأفارقة إلى إسرائيل، بيد أن هذا الجدار قد لا يحد من أعداد المهاجرين بل سيجعل الطريق أمامهم أكثر صعوبة لبلوغ الاراضى الفلسطينية .

من فوق سطح أحد الكثبان الرملية القريبة من الحدود المصرية الشرقية، من السهل ان ترى كيف يتسلل المهاجرون الأفارقة القادمين من اعالى الصحراء الى إسرائيل، وتعرف كيف يقاسي هؤلاء ويخاطرون بحياتهم للوصول الى إسرائيل بأي ثمن، حتى ولو كان ذلك على حساب فقدان حياتهم جوعًا او عطشًا او رميًا بالرصاص .

quot;سمير quot; احد بدو سيناء الذين يشاركون فى عمليات تهريب الأفارقة يقول، وهو يشير بإصبعه الى نقطة حرس الحدود موجودة على مسافة من المكان، انه يقوم بتهريب ما بين 20 شخصًا في الأسبوع الى إسرائيل أسبوعيًا، وquot;عادة ما يتم ذلك عبر مجموعات تتكون من خمسة الى عشرة أشخاص quot;.

لم يفصح سمير فى حديثه quot; لإيلاف quot;عن طريقة تهريبه للمهاجرين معتبرا ذلك quot;سرا من إسرار المهنة quot;، لكنه أكد ان عمليات التهريب لا تقتصر على اللاجئين الأفارقة فقط بل يأتي إليه أوربيون أيضًا من جنسيات متعددة رجال ونساء وأطفال، مشيرا الى أن كل فرد له تسعيرة خاصة تختلف بحسب الجنسية وإذا كان رجلا او امرأة .

ويتقاضى سمير من الجنسيات الأوربية على حد قوله 3000 ألاف دولار او أكثر بينما الأفارقة فيطلب منهم مبالغ اقل من ذلك رأفة بحالهم، تتراوح أحيانًا ما بين 500 إلى 1000 دولار، ويشمل المبلغ كامل الرحلة من القاهرة الى الحدود، وقد يتضاعف المبلغ ثلاثة مرات فى حال تهريب المهاجر من موطنه الأصلي الى إسرائيل . ويشير سمير الى ان عمليات التهريب تحدث ليلا ويتم إيصال المهاجرين الى مسافة قريبة من الحدود، تصل أحيانًا الى ثلث ميل، على ان يشق المهاجرون طريقهم فيما بعد الى الدولة اليهودية مباشرة.

الحدود المصرية - الإسرائيلية
وتمثل إسرائيل شيئًا أشبه بجنة موعودة لأولئك الهاربين من نار الصراعات جنوب الصحراء الكبرى فى إفريقيا من دارفور بالسودان وإريتريا وإثيوبيا وتشاد وساحل العاج وغانا ورواندا، أملاً فى حياة أفضل . وعادة لا يذهب اللاجئون الأفارقة ابعد من مصر لكن صعوبة الظروف الاقتصادية تدفع الآلاف إلى التوجه نحو الحدود والعبور الى إسرائيل حيث ارتفاع الأجور، ونظرًا للإجراءات الأمنية المشددة فإنهم يلجأون الى الاستعانة بالبدو والعالمين بدهاليز هذه المنطقة لمساعدتهم على دخول إسرائيل .

ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون ان ما يقرب من 700 الى 1000 مهاجر يتسللون عبرالحدود الى اسرائيل شهريًا. وفي محاولة لوقف هذا التدفق ووقف عمليات التهريب، وافق البرلمان الإسرائيلي في 8 ديسمبر/كانون الأول على خطة لبناء سياج أو حاجز على امتداد حدود سيناء. وفي هذا الصدد قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيان، انه سيتم نصب معدات متقدمة للمراقبة، لتمكين ضباط حرس الحدود من السيطرة على محاولات التسلل. مضيفا بأن الجدار يجب أن quot;يوفر الأمن لإسرائيلquot; كدولة يهودية ديمقراطية. وتصل تكلفة الجدار 190 مليون يورو، ويستغرق تشييده عامين.

quot;أدهم quot; لاجئ من دارفور جنوب السودان التقته إيلاف في أحد المقاهي يقول انه جاء الى القاهرة على أمل أن مكتب الأمم المتحدة للاجئين بالقاهرة سيقوم بإعادة توطينه في أوروبا أو الولايات المتحدة quot;لكنهم قالوا لي ستبقى في مصرquot;. وعلى الرغم من تضاؤل برامج إعادة توطين اللاجئين فى القاهرة منذ 2005 واقتصارها على الفئات الأشد ضرراً، إلا أن ادهم فاز بصفة لاجئ في مصر بصعوبة على حد قوله، مشيرًا الى انه حاول أن يوفر لقمة العيش لأسرته الا انه وجد صعوبة فى الحصول على عمل يضمن لأسرته حياه كريمة حيث يمنع اللاجئين من العمل فى مصر ومن يجد الفرصة فى عمل غير حكومي فيحصل على اجر ضئيل .

وبعد ست سنوات من المعاناة خطط أدهم الهجرة مع أسرته الى إسرائيل بطريقة غير شرعية عبر الحدود. ويقول انه اتفق مع احد البدو ممن لهم دراية فى عمليات التهريب نظير مبلغ 1500 دولار هو وأسرته المكونة من زوجة وطفلين، ويروى قصته قائلا : quot; وافق الرجل بالكاد على المبلغ، نظراً لعدم قدرتنا عل توفير أكثر منذ ذلك . غادرنا القاهرة ليلاً واجتزنا جميع نقاط التفتيش بنجاح حتى وصلنا الى العريش، حيث كان في استقبالنا مجموعة من البدو اقتادونا ليلاً فى دهاليز الصحراء وفى طرق ملتوية حتى وصلنا الى الحدود .

أفارقة مهاجرين

هناك تركنا المرشد على بعد أمتار من الحدود، كان المتفق ان تسير زوجتى وابنها فى المقدمة وانا وابني الاخر ورائهما بمسافة، وتمكنت زوجتي وابني من عبور الحدود وصلاً الى احد الملاجئ فى إسرائيل، بينما ألقت الشرطة المصرية القبض على أنا وابنيquot; .

ويقول ادهم انه امضي 8 أسابيع في السجن، لمنه يعتبر نفسه أكثر حظًا بوقوعه فى قبضة الشرطة المصرية وعودته الى القاهرة سالما على حد قوله. فالرحلة تنتهي بمصير مشؤوم للمهاجرين فى كل الأحوال سواء فى إسرائيل او على الحدود قبل الوصول الى الدولة العبرية، حيث يقول quot;هناك من يقضى حتفه جوعاً او عطشاً او قتلاً على يد المهربين او برصاص الشرطة من الجانبين، وحتى الذي يصل الى إسرائيل فإما ان يكون مصيره استمرار التشرد او الإعادة القسرية مرة أخرى كما حدث لزوجتي و ابنى بعد ذلك quot;.

وبدأت إسرائيل في العام الماضي اتخاذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين واللاجئين داخل حدودها، فإضافة الى الاعتقالات الجماعية، فرضت الدولة اليهودية قيودًا جديدة على تصاريح الإقامة المؤقتة وبدأت تتبع سياسية العودة القسرية وغيرها من الإجراءات التي تجعل الظروف في إسرائيل غير مرغوبة للاجئين .

وتسمح سياسة quot;الإعدادات السريعةquot; الإسرائيلية للجنود الإسرائيليين المتمركزين على امتداد الحدود مع مصر بإعادة المهاجرين إلى السلطات المصرية في ظرف 24 ساعة من القبض عليهم. ويتخوف الإسرائيليون من تدفق الملايين من الأفارقة الى البلاد، مما قد يبدل التركيبة السكانية لدولتهم، وتقدر إحصاءات عبور حوالي 18 ألف مهاجر، أغلبهم من إريتريا وأثيوبيا والسودان، إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر منذ عام 2005 .

وقد أوردت منظمة هيومان رايتس ووتش فى تقرير لها إن الجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود المصرية يطلق خراطيش مضيئة لدى رؤية مهاجرين يحاولون عبور الحدود quot;لجذب انتباه القوات المصرية المتواجدة على الجانب الآخرquot;، مشيرة الى ان شرطة الحدود المصرية أطلقت النار على 16 مهاجرًا على الأقل وقتلتهم في العام 2009، وهم يحاولون مغادرة مصر إلى إسرائيل.

وعلى الرغم من أنّ إسرائيل تعول على الجدار كثيراً للقضاء على هذه الظاهرة إلا انهquot; من غير المرجح ان يحقق مرادها ، بل سيجعل الطريق الى إسرائيل فقط أكثر صعوبة quot; , وفقا لقول سمير، مضيفاً quot; سيدفعنا الجدار الى اتخاذ مسارات أعمق في صحراء سيناء القاسية quot; .