نقلت إيلاف أجواء اليوم الانتخابي الطويل في العراق الذي بدأ بأصوات الانفجارات وانتهى بأصوات الناخبين في الصناديق.

بغداد: عبقت رائحة البنفسج، فملأت ساعات نهار يوم الاحد السابع من آذار/ مارس، وراحت تدخل البيوت العراقية فواحة بعطرها، على الرغم من الاصوات التي انطلقت تزمجر منذ الفجر وهي تحمل الخوف والقلق للناس، لكن سرعان ما اصبحت تلك الاصوات طاقة حركية للنزول الى الشارع، وكنت ارى الناس في العديد من الاماكن واشاهدها عبر شاشات التلفزيون، ويمكن اجمال المشاهد كلها بأنها تحمل دهشتها، فأصوات الانفجارات كانت عنيفة على مدى الساعات الاولى لكنها لم ترسم على الوجوه سوى ابتسامات تتراوح ما بين السخرية والانبهار، هناك، لم يعد احد يسمع شيئا سوى نداء العراق، وليس نداء الاشخاص، فتوحدت أرواح العراقيين مع رائحة البنفسج، ويمكن قراءة شكل ساعات اليوم الانتخابي كما يأتي:

الساعة السادسة: استيقظ الاهالي على اصوات دوي انفجارات من جهات مختلفة، كانت مخيفة بشكلها المزمجر، ثمة تساؤلات انبثقت مع سماعها، لكن الاجابة عنها كانت حاضرة وهي انها من افعال الارهابيين لان اليوم يوم الانتخابات.

الساعة السابعة: كانت هنالك ايضا اصوات انفجارات متتالية، فيما ذهب اغلب الناس الى القنوات الفضائية بحثا عن الاخبار والتفاصيل وما يحدث بالضبط، كانت الاخبار تتلى في الفضائيات متباينة في الوقائع، ما بين هاديء ومخيف، ما بين من كانت اخبارها دموية وبين من كانت اخبارها التشجيع على اجراء الانتخاب، ومع هذه الساعة بدأت اولى تباشير الخروج من البيوت ومن ثم التصويت، وظهرت الاصابع المتلونة باللون البنفسجي وبدأ التلويح بها.

الساعة الثامنة: تواصلت اصوات الانفجارات في انحاء مختلفة من بغداد، لم يخف بعض الناس خوفهم وتساؤلاتهم عن الاماكن التي سقطت فيها القذائف او انفجرت فيها العبوات الناسفة ، ولكن الغريب ان على اصدائها كانت الشوارع تشهد حركة غير اعتيادية تتوجه الى مراكز الاقتراع، فشاهدت رجالا ونساء واطفالا ايضا.

الساعة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة: توقفت اصوات الانفجارات على الرغم من ان الاحاديث بين الناس ظلت تتمحور حولها ، وحول بعض الشائعات المستقاة من الفضائيات، فيما كانت الشوارع تحتضن حشودا من الناس وازدحاماً عند المراكز.

الساعة الواحدة والثانية ظهرا: خفت الحركة بسبب استراحة الظهيرة خصوصاً وان الجو كان حارا، إلا أن الكثيرين استغلوا هذا الوقت للادلاء بأصواتهم وخصوصاً العائلات لعدم وجود ازدحام كبير.

- الساعة الثالثة والرابعة: عادت الحركة تشهد اقبالا متزايدا في اعداد الناس وعادت المراكز تحتضن اعداداً اكبر، الجميع يشير الى بعضه البعض باصبعه المخضب بالبنفسج، ولكنني لم اسمع احداً يسأل الآخر الى من سيصوت !!

الساعة الخامسة: لم تزل الشوارع كعادتها كل يوم مزدحمة بالناس، ولكن اعلن عن اغلاق المراكز الا التي ما زالت تشهد طوابيراً، سمعت من المساجد نصائح بالتوجه الى المراكز قبل اغلاقها وان الواجب الشرعي والوطني يحتم على الجميع المشاركة لانه مستقبل الوطن كما جاء في التوجيهات.

كانت صورة الاصابع المغمسة بالحبر بالبنفسجي على طول النهار تكبر في الطرقات، هناك يتصاعد عطرها ليملأ الفضاءات كلها، ليس هنالك سوى الابتسامات مرتسمة على الشفاه سواء في الطريق الى المراكز او في العودة منها، ومع الساعات تبخر احاديث الانفجارات مثل اصواتها ولم يعد هنالك سوى وجه العراق يطالع الجميع.

قبل ايام قليلة من بدء الاعلان الرسمي لاجراء الانتخابات النيابية في العراق، اعرب مواطنون عن عدم رغبتهم في المشاركة وانكروا تلهفهم للتصويت مع الانباء التي نقلتها بعض وكالات الانباء والفضائيات التي تزرع الخوف في النفوس من قيام الارهابيين بعمليات انتحارية، سمعت من البعض انه لا يكترث لها، ولكنني شاهدت الحبر البنفسجي على اصبعه، قال علي عبد الحسين محمد: لم تكن عندي الرغبة في الانتخاب لكون الحكومة لم تقدم سوى القليل للمواطن وكنت غير مستعد لانتخاب شخص لايقدم لي الخدمات ولم يفكر بي طوال سنوات، ولكنني بعد سماعي لاصوات الانفجارات قررت الخروج للانتخاب، لا اعرف الهاجس الذي اصابني، فجأة حملت نفسي وذهبت لأنتخب، ربما كان نوعا من التحدي.. لا ادري !!

أما سعد جاسم فقال: اول مرة اشارك في انتخابات، وكان يعجبني ان اضع اصبعي في الحبر البنفسجي، فكنت متحمسا على ان انتخب فاستيقظت من الفجر ولم اخف من الانفجارات، ودخلت مع اول مجموعة للمركز الانتخابي، هل تصدق انني كنت اشم الحبر، quot;والله ريحته طيبةquot; !!

أما quot;أم عليquot; فقالت وهي تريني اصبعها البنفسجي: ذهبت وصوتت من الصباح، وأضافت: اطفالي خافوا من الانفجارات ورفضوا ان اذهب لكنني ذهبت والحمد لله وquot;حنيتquot; اصبعي بالبنفسج.