تثير الآراء التي طرحها أحمد بن قاسم الغامدي، مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة، كالإختلاط، وقيادة المرأة السيارة، وغيرها من الفتاوى المثيرة للجدل في السعودية حفيظة العديد من رجال الدين، إلا أن الغامدي يؤكد لـquot;إيلافquot; إستمراره في الدفاع عن آرائه.
لندن: في برنامج (البينة) الذي تبثه قناة (إقرأ) ، وهي قناة دينية ذائعة الصيت في المملكة، كان السعوديون يتابعون بشغف نوعًا من الحوار أقرب ما يكون إلى المصارعة الحرة من كونه حوارًا تلفزيونيًا، حيث تناوب أكثر من أربعة من رجال الدين المعروفين على مهاجمة رجل يحمل ملامحهم نفسها لكنه يفكر بطريقة مختلفة دلّ عليها دفاعه المستميت عن إباحة إختلاط الرجل مع المرأة دون وجود محرم.
ذلك الشخص لم يكن سوى أحمد بن قاسم الغامدي، مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة، الذي لا يزال يثير الجدل بآرائه عن جواز إختلاط الرجل بالمرأة ومشروعية إبقاء المحلات التجارية مفتوحة للعامة خلال أوقات الصلاة بدلاً من إغلاقها خمس مرات كل يوم كما يحدث حاليًا في المملكة.
وكانت الهيئة أعلنت رسميًا في بيان نشرته وكالة الانباء السعودية أن رئيسها الشيخ عبد العزيز الحمين عيّن الشيخ سليمان الرضيمان في منصب الغامدي ولكن دون الاشارة الى الغامدي، وذلك ضمن سلسلة تعيينات شملت أيضًا المدينة المنورة والقصيم وحائل، في خطوة اعتبر مراقبون أنها ترجمة لاستياء الهيئة من آراء الغامدي المثيرة للجدل.
غير ان الوكالة ألغت الخبر في وقت لاحق وطلبت عدم استخدامه على اعتبار أنه لم يكن دقيقًا بما فيه الكفاية، رغم أن ذلك لم يحل دون انتشار الخبر على نطاق واسع في المواقع الإلكترونية والرسائل النصية، ولا سيما ان شائعات حول إقالته كانت تسري في السعودية منذ فترة طويلة وتبدو متوقعة بين فترة وأخرى.
وحين تلقى خبر إقالته، التي لا يبدو أنها مستبعدة حتى الآن، قال الغامدي (46 عاماً) بصوت هادئ لمواسيه: quot;الحمدلله على كل حال. هذه إرادة اللهquot;. ولمّا تبين أن القرار تمّت مراجعته من قبل السلطات العليا ما جعله يستمّر على رأس وظيفته، قال بالهدوء نفسهلمهنئيه الفرحين، وهم خليط من الليبراليين ورجال الدين المعتدلين في المملكة: quot;الحمدلله. الحمدللهquot;.
وأضاف بصوت يغمره الرضا وهو يتحدث عن إشاعات إقالته التي أصبحت مشهداً مملاً: quot; إشاعات إقالتي أصبحت عادية جدًا ولم أعد أكترث لها لأنني تعودت عليهاquot;.
ويبدو أن قدر الرجل وقدرته وقدريته سوف تعينه على مواصلة المعركة التي قال في حديث مع quot;إيلافquot; إنه سوف يستمّر فيها حتى لو غادر منصبه بغية quot;عدم تعقيد الأمور على المسلمين وتقييد حياتهمquot;، على حد قوله في حديث أجري عبر الهاتف.
رئيس هيئة مكة: ما زلت رهين المعلومة! |
ومنذ أحداث الحادي عشر من شهر أيلول/سبتمبر التي ثبت تورط خمسة عشر سعوديًا من مجموع تسعة عشر شاركوا في تنفيذ الهجمات في أميركا، بدأ حوار جدّي حول التطرف الديني وسبل مواجهته، وعن تحوّل السعودية إلى دولة مدنية وتجاهل تحالفها مع المؤسسة الدينية رغم أن محللين يقولون إن أي إخلال بهذه الصيغة سيضّر بالدولة.
يقول الغامدي في حديث مع quot;إيلافquot; حول ما إذا كان خائفًا من الحملة التي يقودها ضده جمع رجال دين وعلى رأسهم مفتي البلاد: quot;لست خائفًا بل هذا مشروعي حتى لو غادرت العمل رغم أنني واجهت العديد من الضغوط والأذى. أحيانا كان ذلك يتم عن طريق تأخير الترقية مثلا أو التضييق من نواحٍ أخرىquot;.
ودخل الغامدي في عين العاصفة حينما أشار إلى بطلان الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد (ص) التي تمنع اختلاط الرجل بالمرأة، وهو بحث أنجزه منذ سنتين، إضافة إلى اعتباره أن فتح المحلات وقت الصلاة جائز.
وطالب رئيس هيئة الأمر بالمعروف السابق، الشيخ إبراهيم الغيث، الغامدي بعدم نشر بحثه عن الإختلاط، بينما انتهج مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ أسلوباً لينًا في البداية إذ قال في محادثة تلفونية إن عليه عدم نشر البحث مؤكدًا أنه يتحدث معه quot;بصفة شخصيةquot; وليس من منصبه كمفتي للبلاد وأعلى مرجعياتها الدينية.
وحول الصراع في المعسكر الديني الداخلي بين رجال الدين أنفسهم قال: quot;بعض العلماء نصحوني عبر الرسائل الهاتفية والبعض طلب محاججتي لكنني كنت منشغلاً بأمور أخرى وسوف أرد عليهم بحينه. لقد رددت على البعض في برنامج قناة البينة، وسوف أرد على الباقين قريبًاquot;.
وللغامدي درس يومي يحضره تلاميذ أغلبهم من شرق آسيا حيث يتعلّمون أدق التفاصيل الفقهية للعقيدة الإسلامية.
ويقول عن موقف طلابه من الزوبعة المثارة ضده: quot;لم تثر آرائي الجدل في صفوف طلابي لأن أغلبهم ليسوا من السعوديين، وان خالفوني في الرأي لن أمانع لأنه يجب أن لا نصادر عقول الآخرين بل نمنحهم الفرصة في التأمل والتفكير فالله كرّم الإنسان بالعقل عن غيره فلا يعقل ان يتلقى كل معلومة في رأسه دون تدقيقها والبحث عنهاquot;.
وتبدو الهجمة ضد الغامدي واحدة من الفصول المهمة في الحراك الاجتماعي الدائر في السعودية خصوصًا أنه من الجهاز نفسه الذي يحمل على عاتقه حماية التقاليد الإسلامية في البلاد والتأكد أن المواطنين ملتزمون بها.
إلا أنه يقول بتفاؤل من يعرف هدفه: quot;الهجوم عليّ كثير لكنني مستمّر في توضيح الأمور التي يسر الله فيها على الناس، لأن التشديد والتضييق أثر في الناس وجعلهم يصابون بحالة من الحنق والثور من الدين بل ان ذلك قد عطل عملية التنمية في البلاد وهذا ما جعلني أتحدث عن قصة جامعة كاوست لأنني تفاجأت من صمت الكثير من العلماء إزاء هذا الموضوع.
وحين قلت له quot;لماذا لا تعتزل الساحة وترتاح؟quot; قال: quot;من المستحيل ان أترك واجبي وسأظلّ أدافع عن الحق حتى يتوفاني الله مهما واجهت في حياتي من الصعاب والأشواكquot;.
التعليقات