لندن: دعت quot;إيلافquot; قراءها في استفتائها الأخير للإدلاء بما إن كانوا يؤيدون أو يعارضون أو لا يهتمون بقرار مصر والسودان التغيب عن مؤتمر توقيع الاتفاقية الجديدة مع دول منبع نهر النيل حول إعادة تقسيم حصص المياه بين سائر الدول المعنية به.

استجاب للاستفتاء 4862 قارئًا. وكانت أغلبية هؤلاء تعارض الموقفين المصري والسوداني، بنسبة 52.57 في المئة، بينما أيدته نسبة 22.97 في المئة، ونحا الباقون (نسبة 24.45 في المئة) الى الخيار الثالث quot;لا أهتمquot; الذي لا يعني معناه حرفيًّا فقط وإنما يشمل ظلالاً أخرى مثل quot;لا أملك ما يكفي من المعلومات لإصدار حكميquot; وquot;القضية مهمة بدليل أنني أدلي بصوتي لكنها ليست بين أولوياتيquot;...

ما يلفت النظر هو أن عدد المعترضين على موقف مصر والسودان يفوق عدد الموافقين عليه بـ29.6 نقطة مئوية. وتكتسب هذه الحقيقة بعدا خاصا من حقيقة أن quot;إيلافquot; صحيفة عربية وبالتالي فإن السواد الأعظم من قرائها عرب يُتوقع، بحكم العادة، أن يكون ولاؤهم لمصر والسودان في وجه بقية الدول الأخرى غير العربية المعنية مباشرة بمسألة نهر النيل.

ليس من سبيل لتحديد السبب في هذا التوجه على وجه الدقة. ذلك أن الاستفتاء لا يسعى لاستقاء سبب التصويت لأي من خياراته الثلاثة. لكن الرجاء هو أن قارئ quot;إيلافquot; يتجاوز بمستواه الفكري quot;ثقافة القبيلةquot; القائلة: quot;أنا وأخي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريبquot;. وليس في هذا القول انتقاص من أي حجة قد يقدمها طرفا حوض النيل نفسه، السودان ومصر، أو انحياز لدول المنبع الافريقية المتعددة الأخرى. لكن غلَبة القراء المعترضين على الموقفين المصري والسوداني على المؤيدين له بالأغلبية الساحقة، تنبئ خيرا. فهي تقول بما لايدع مجالا للشك في إن لا شيء أكبر من النقاش والحوار، وإن كان يتعلق بالمسائل الأقرب إلينا.

نهر النيل.. بطاقة تعريفية

quot;نهر النيلquot; لا يخلو من لبس بالنسبة للعديد من الناس. فهذا النهر، موضع النزاع القديم الجديد المتجدد، لا يجري على أي أراض غير السودانية والمصرية. ولذا فإن تسمية quot;دول حوض نهر النيلquot; التي تشمل الدول الافريقية غير السودان ومصر خطأ. لكن هذه التسمية اعتمدت، في الأغلب، على سبيل التسهيل باعتبار حوض النيل شاملا لرافديه الرئيسيين ومنبعي هذين الرافدين نفسيهما.

ولمن كان غير مدرك لجغرافيا المنطقة فهو في الواقع يبدأ جريانه في العاصمة السودانية الخرطوم حيث يلتقى رافداه المكوّنان له وهما quot;النيل الأبيضquot; وquot;النيل الأزرقquot;.

أما النيل الأبيض فمصدره بحيرة فيكتوريا الواقعة في منطقة البحيرات الكبرى بوسط افريقيا والتي تطل عليها ثلاث دول هي يوغندا وكينيا وتنزانيا. وهو النهر الوحيد الذي يخرج من هذه البحيرة التي تستمد مياهها quot;الدائمةquot; من مختلف الأنهار وأكبرها quot;كاجيراquot; الذي ينبع من رواندا ويمر ببوروندي. ولهذا فإن هاتين الدولتين تستطيعان الزعم أنهما تساهمان في منبع مياه نهر النيل باعتبار انهما تساهمان بأكبر مصادر فيكتوريا.

وهذه البحيرة، بمساحتها البالغة 68 ألفًا و800 كيلومتر مربع، هي الأكبر في أفريقيا وأيضا البحيرة المدارية الأكبر في العالم. كما انها ثالث أكبر بحيرة مياه عذبة بعد بحيرة ميشيغان - هورون وبحيرة سوبيريور في أميركا الشمالية. وإذا اعتبرت ان ميشيغان - هورون بحيرتان في الواقع وليستا بحيرة واحدة - صارت فيكتوريا هي العذبة الثانية الأكبر في العالم.

وأما النيل الأزرق فمصدره بحيرة تانا الواقعة في شمال غرب مرتفعات اثيوبيا. وهي تمتد، على ارتفاع 1840 مترًا، بطول 84 كيلومترًا وعرض أقصى يبلغ 66 كيلومترًا. لكن مساحتها الواقعية تتراوح بين 3 آلاف و3500 كيلومتر مربع تبعًا للموسم وكمية الأمطار المتساقطة عليها. وهي تستمد مياهها الدائمة من ثلاثة أنهار هي quot;ليسر أبايquot; وquot;ريبquot; وquot;غوماراquot;. ومثلما هو الحال مع النيل الأبيض وفيكتوريا، فإن النيل الأرق هو الوحيد الذي يخرج منها. وهي تضم 37 جزيرة أهم معالمها الكنائس الأثرية البالغة الأهمية للتراث العالمي.

ويجري النيل الأزرق نفسه على مسافة 1450 كيلومترًا قبل وصوله الخرطوم حيث يلتقي بالنيل الأبيض ليشكل الاثنان نهر النيل الذي يتجه شمالا الى مصر حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط، قاطعا مسافة 6650 كيلومتر. وبهذا الرقم فهو يعتبر ثاني أطول الأنهار في العالم بعد الأمازون.

مصدر الخلاف

الواقع ان مسألة مياه النيل ظلت شائكة على مر السنوات في التاريخ الحديث بعيد تقسيم القارة الافريقية. وجاء أفضل مثال لذلك الشهر الماضي عندما حذرت مصر quot;دول المنابعquot; من اعتماد أي اتفاق جديد لتقاسم المياه لا تكون طرفًا فيه، حرصًا منها على حصتها التقليدية. وتبلغ هذه الحصة 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا أي 78 في المئة من المياه، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، أي نسبة 13 في المئة الباقية،على الرغم من أن القدر الأكبر على الإطلاق من المياه يجري على أراضيه. لكن هذا تأتى عملاً بنصوص اتفاق quot;ثنائيquot; خاص بين البلدين في العام 1959 فرضته ظروف تلك المرحلة المعقدة التي تحتاج الى شرح لا يتسع له هذا المقال.

وكان من قبيل المفارقة أن التحذير المصري الأخير جاء بعد أيام من مؤتمر عقدته تلك الدول في شرم الشيخ المصرية للاتفاق على اطار جديد لاعادة توزيع الحصص من مياه النهر. وقد ظلت تلك الدول تجأر بالشكوى على الدوام من quot;السيطرة المصريةquot; (والسودانية الى حد ما) على القدر الأكبر من المياه. ولذا فقد كان متوقعا أن تقاطع القاهرة والخرطوم المؤتمر موضع استفتاء quot;إيلافquot;.

وقد نقلت وسائل الإعلام عن محمد علام وزير الموارد المائية والري المصري قوله أمام جلسة لبرلمان بلاده إن حصة مصر من مياه النيل quot;تاريخية دافعت عنها مصر على مر السنواتquot;، وإن مصر تنظر الى هذه المسألة باعتبارها quot;قضية أمن قوميquot;. وأضاف قوله: quot;تحتفظ مصر بحق اتخاذ أي نهج تراه مناسبًا لحماية حصتها. إذا وقعت دول حوض النيل الاتفاق منفردة، فسنعتبر إعلان مبادرة دول حوض النيل وكأنه لم يكنquot;.

وكانت هذه quot;المبادرةquot;، التي تضم مجموعة دول حوض النيل بتمويل من البنك الدولي قد أرجأت توقيع اتفاق تقاسم المياه بسبب اعتراضات مصر والسودان. وتتمثل نقطة الخلاف الرئيسة في الاتفاق الموقع العام 1929 بين مصر وبريطانيا ممثلة لمستعمراتها الافريقية. وهو الاتفاق الذي يعطي مصر حق الاعتراض على المشروعات التي تقام في أعالي النهر وترى أنها تؤثر على حصتها من المياه.

ومع انتهاء السيطرة البريطانية علي مصر والسودان في خمسينات القرن الماضي، تم توقيع اتفاقية نهر النيل عام 1959 لتقسيم مياه النيل. فوقعت مصر اتفاقًا ثانيًا مع السودان تحصل الأولى بموجبه على نصيب الأسد المذكور أعلاه. وترفض أغلبية الدول المعنية بالأمر هذا التقسيم وتعتبره جائرًا ومجرد تركة من أيام الاستعمار.