يبدو الإئتلاف بين حزبي المحافظين والديمقراطيين الأحرار في بريطانيا هشا وضعيفا وقابلا للإنهيار في أي لحظة.

دعنا نبدأ بالأمل كما عبر عنه زعيم المحافظين في أول خطاب له كرئيس مجلس وزراء ائتلافي مع الليبراليين الديمقراطيين: laquo;نِك كليغ وشخصي، كلانا زعيم سياسي يريد تنحية الخلافات الحزبية جانبا والعمل الدؤوب من أجل الصالح العام والمصالح القومية. وأنا على قناعة تامة بأن هذا هو أفضل السبل الى الحكومة الحاسمة الدائمة التي تلزم لبلادنا اليومraquo;.

ولنمض الى أبرز ما اتفق عليه شقا الائتلاف من جانب الليبراليين:
- دعموا خطة المحافظين لخفض الإنفاق العام بستة مليارات جنيه (حوالى 9.3 مليارات دولار) والامتناع عن زيادة مساهمات التأمين القومي بنسبة 1 في المائة، وهو ما كان رئيس الوزراء السابق غوردون براون ينويه في حال استمرار العمال في السلطة.
- تخلوا عن خططهم الرامية إلى فرض ما يسمى laquo;ضريبة المنازل الفاخرةraquo; من مليوني جنيه (3.1 ملايين دولار) فما فوق.
- دعموا اتجاه كبح جماح الهجرة من أوروبا.
- تخلوا عن معارضتهم اعتماد غواصات الردع النووي laquo;ترايدانتraquo;.
- وافقوا على الامتناع عن تقديم مزيد من التنازلات للاتحاد الأوروبي من دون استفتاء شعبي، وعلى رفض اليورو عملة للبلاد.

ومن جهة المحافظين فقد وافقوا على مطالب حليفهم المتعلقة بالآتي:
- إجراء استفتاء شعبي لإصلاح النظام الانتخابي، ووافقوا أيضا على تحديد الولايات البرلمانية بفترة ثابتة.
- زيادة عتبة ضريبة الدخل بحيث تبدأ فوق 10 آلاف جنيه (15.5 ألف دولار).
- التراجع عن رفع عتبة ضريبة الورثة الى مليون جنيه (1.55 مليون دولار).
- زيادة الإنفاق الرامي إلى تقليص أحجام الفصول الدراسية لصالح التلاميذ الفقراء.

وكل هذا حسن. لكنه يقوم على أرضية أكثر هشاشة من الرمل. فالائتلاف في المقام الأول يأتي بين ضدين يبلغ الخلاف الآيديولوجي بينهما حد أن العمال أقرب الى المحافظين من الليبراليين في مسائل جوهرية مثل النظام الانتخابي والاقتصاد وهوية البلاد إزاء أوروبا والدفاع.

أما في ما اتصل بالنظام الانتخابي، فعلى الرغم من موافقة المحافظين على استفتاء شعبي لإصلاحه، فهذا لا يأتي لصالح laquo;التمثيل النسبيraquo; الكامل كما يريده الليبراليون ولكن على أحد أشكاله المخففة مثل laquo;الصوت البديلraquo; وهلم جرا. والمحافظون أول من يعلم ان نظام الانتخاب laquo;الحر المباشرraquo; هو سبب بقائهم أحد العملاقين التقليديين على الساحة السياسية..

وفي الاقتصاد، كان الليبراليون يأملون في ان تؤول وزارة الخزانة الى مخضرمهم فينس كيبل (الذي تنبأ بالركود الاقتصادي وظل أفضل محللي أسبابه). ومع أن هذا لم يحدث، فقد فاز كيبل بوزارة الأعمال والبنوك.. الرجل نفسه الذي وصف سياسات المحافظين الاقتصادية بأنها laquo;خطر داهم على البلادraquo;.. العمالي السابق والاشتراكي نفسهالذي يسعى إلى التوزيع العادل للثروة والذي ينظر الى البنوك باعتبارها laquo;حرامي الأمةraquo; والذي ينظر اليه هذا laquo;الحراميraquo; ممثلا في حي المال laquo;السيتيraquo; بخليط متساو من الخوف والازدراء.

وخذ الردع النووي. فعلى الرغم من تخلي الليبراليين عن معارضتهم له، أوضحوا بجلاء أنهم سيلقون بعين فاحصة على تكلفته الباهظة التي تتجاوز30 مليار جنيه (أكثر من 46 مليون دولار) سنويا، ولن يسمحوا بوصولها الى هذه الآفاق الشاهقة. وفي السياسة الخارجية يصعب تصور موقفين أكثر تباعدا بين الطرفين إزاء أوروبا. فبينما يخطب الليبراليون وّدها، يتحاشاها المحافظون كالأجرب.

ومن جهة أخرى فهناك علامات الاستفهام التي تلقيها زعامة كاميرون على آفاق الوحدة الوطنية. فاسكتلندا عبارة عن laquo;حارة شبه مغلقةraquo; أمام المحافظين الذين ظل تمثيلهم فيها يقتصر على نائب واحد فقط منذ انتخابات 2005. وهذا لأسباب تعود الى laquo;العدو الأكبرraquo; بالنسبة إلى الاسكتلنديين ممثلا في مارغريت ثاتشر. فهم يعتبرونها مسؤولة عن تردي اسكتلندا اقتصاديا بعد إغلاقها صناعاتها الثقيلة مثل الفولاذ وبناء السفن. وهذا إضافة الى أنها فرضت laquo;ضريبة الرؤوسraquo; البغيضة شعبيا في اسكتلندا فترة سنة كاملة قبل تعميمها على بقية أرجاء المملكة المتحدة. ولهذا فلا غرو أن كاميرون عين وزيرا ليبراليا لشؤون اسكتلندا هو داني الكسندر. والأمر نفسه يكاد ينطبق على ويلز المعروفة تقليديا بوقوفها الصلد وراء العمال.

في آخر المطاف فإن الائتلاف بين المحافظين والليبراليين لا شأن له بمصلحة البلاد الحقيقية ولا يتعدى كونه زواج مصلحة حزبية الغرض منه هو التشبث بأهداب السلطة. فقد كان البديل، من جهة المحافظين، هو تشكيلهم حكومة أقلية تنهار في غضون أشهر إن لم يكن أسابيع. ومن جهة الليبراليين فقد كان laquo;الطبيعيraquo; هو تآلفهم مع العمال بواقع تقاربهم الآيديولوجي. لكن مقاعد الحزبين مجتمعة لا تصل الى عتبة الـ326 اللازمة للأغلبية، وهكذا صار التآلف مع المحافظين هو أول وربما آخر فرصة تاريخية لأن يتذوقوا طعم الحكم.

وإزاء كل هذا لا يتبقى غير الافتراض إن طلاق الضدين آت لا ريب فيه، والأرجح عاجلا وليس آجلا!