ظلّت الساحة السياسية الأردنية على مدى الأسبوعين الماضيين ثرية الى حد واسع بجدل سياسي واسع النطاق على خلفية دعوات لتعديل الدستور، لشرعنة قانون فكّ الإرتباط بين الضفتين الشرقية والغربية، بعد وحدة بينهما دامت نحو عقدين، وسط ترقب شعبي لحسم ما للإحتقان الموجود على الساحة.

أقلية بسيطة في العاصمة الأردنية عمان إلتقطت إشارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذي بدأ ليل أمس إجازة خاصّة لم تعرف وجهتها، يتبعها بزيارة عمل قصيرة الى أذربيجان، إذ برهن العاهل الأردني عمليًا لساحته السياسية المحتقنة بكثير من الجدل والإشتباك في مناطق بدت حتى وقت قريب محرمة سياسيًا، أنه لا يتأثر بالجدل العقيم، والإرباك المتعمد لمؤسسات الدولة تحت لافتة المخاوف من خلق وطن بديل في الأردن لملايين الفلسطينيين، وهي قضيّة تطوّع عاهل الأردن أكثر من مرة، وعلى نحو لا لبس فيه لشرحها وتطويعها عبر مقابلات وخطابات ومداخلات، كان أقواها وأبرزها مداخلته على هامش المنتدى الإقتصادي العالمي (دافوس) في شهر كانون الثاني/يناير، إلا أن تلك التوضيحات لم تجد أثرًا في فئة قليلة إحترفت التشويش والتصويب على سلامة وإستقرار الأردن بمانشيتات وعناوين صارخة ظلّت في أضيق نطاق.

ورغم الإعتقاد السائد بقوة في الداخل الأردني أن ملك البلاد لابد وأن يتدخل مجددًا لصيانة أمن وتعاضد الجبهة الداخلية، إلا أن العاهل الأردني بإشارته الفريدة والمثيرة، وبإطمئنانه الكامل لأداء حكومة سمير زيد الرفاعي، قد أدار ظهره لفئة أصبح كل همّها إغراق الأردن بموجة جدل موسمية، لايلبث العاهل الأردني أن ينهيها حتى تشعلها من جديد، على وقع مخاوف وهواجس قال العاهل الأردني مرارًا إنها لاتؤثر في بلاده أبدًا، وأن من يعتقد ذلك لم يعرف الأردن ولاتاريخه.

وحتى اللحظة لم يصدر القصر الملكي أيّ إشارات أو توضيحات أو مواقف من الجدل السياسي الدائر هنا بين فريقين أحدهم يقول إن عدم (دسترة) الحكومة لقانون فك الإرتباط الصادر برغبة عربية وفلسطينية، بين ضفتين غربية (الأراضي الفلسطينية قبل إحتلالها) وشرقية (الأردن) بعد وحدة دستورية شارفت العقدين حتى عام 1967 حين سقطت الأراضي الفلسطينية الموحدة مع الأردن في أيدي الجيش الإسرائيلي، إذ بقيت تلك الأراضي أراضي أردنية محتلة يشرف الأردن عليها، حتى العام 1988 حين ضغط عربيًا على الأردن لإعلان قرار فكّ الإرتباط الإداري والقانوني بين الضفتين، وهو الإرتباط الذي ما زال ينتج فكه تأثيرات سياسية وقانونيّة بالغة، وذات عبء سياسي كبير على صانع القرار الأردني.

وفي الفريق الآخر يرى السياسي الأردني المخضرم أحمد عبيدات، الرئيس السابق لحكومة أردنية والرئيس السابق كذلك لجهاز الإستخبارات العامة، وأشهر سياسي مارس رفضًا علنيًا لمعاهدة السلام الأردنية مع إسرائيل الموقعة عام 1994، مفضلاً تقديم إستقالته من مجلس الأعيان قبل ساعات من إستفتاء مجلس الأمة الأردني لإمرار الإتفاقية- من خلال مبادرته الواسعة الإنتشار التي وقع عليها الآن أكثر من ألفي شخص يمثلون مختلف التيارات السياسية والفكرية الأردنية، ومن منابت وأصول كثيرة تكون النسيج المجتمعي الأردني quot;عدم جواز أن تفهم العلاقة الأردنية ـ الفلسطينية أو أن تستغل أيّ حالة فيها من أي طرف وتحت أي ظرف، لتصبح مدخلاً للإنتقاص من حقوق المواطنة وواجباتها، أو سببًا لإضعاف الدولة الأردنية من الداخل، وخلق الظروف التي تؤدي إلى تمرير المشروع الصهيوني لتحويل الأردن إلى بديل عن فلسطين.

أحمد عبيدات

ويؤكد عبيدات في مبادرته أيضا :quot; وبهذا المفهوم يصبح الالتزام بأمن الأردن الوطني والقومي مسؤولية تقع على عاتق المواطنين جميعاً، مثلما يؤكد ذلك نضالهم وتضحياتهم الموصولة في سبيل تحرير فلسطين والحفاظ على الأردن وعروبتهquot;.

وتقترح المبادرة العودة لروح وثيقة الميثاق الوطني المرجعية لتكريس القناعة بأن الوحدة الوطنية الأردنية هي القاعدة الصلبة التي تقوم عليها العلاقة الوثيقة بين جميع المواطنين في الدولة الأردنية، وعن استحالة الفصل على أرض الواقع بين المواطنين من أبناء الشعب العربي الأردني على إختلاف أصولهم ما يستلزم حماية هذه الوحدة وترسيخها، بما يعزز منعة الأردن، ويحفظ أمنه الوطني والقومي، ويحمي جبهته الداخلية، ويضمن الفرص المتكافئة لجميع المواطنين دون تمييز، ويصون مصالحهم المشروعة وحقوقهم التي كفلها الدستورquot;.

وفي تعليق له على مبادرة عبيدات يؤكد مدير مكتب محطة الجزيرة القطرية الفضائية الإعلامي الأردني ياسر أبوهلالة: quot;أن البيان ملأ فراغا كاد يملأه دعاة العنصرية، وجاء ردًا على سجالات إمتدت سنوات، وإن كان بيان العسكريين حفزه، إلا أنه ليس ردًا عليه بشكل مباشر. وقد سألت أحمد عبيدات إن كان البيان ردًا على العسكريين فأجاب نحن نتفق مع معظم ما جاء في البيان من دعوات للإصلاح والتصدي للمشروع الصهيوني، واستدرك أن البيان إستُغل لشق الوحدة الوطنية. طبعًا من دون أن ننسى أن عبيدات نفسه متقاعد عسكري!quot;.

ويؤكد أبوهلالة:quot; نجح بيان (الفصل السابع) في تأطير قطاع واسع من الأردنيين، والمتوقع أن يتحول إلى مبادرة وطنية، ليست حزبا بالمعنى الضيق، ولا quot;جاهةquot; تضم ما هب ودب..تحالف عريض أو شبكة مرنة، مجردة من الغرض والمصالح الضيقة، ليس لأن الحزب غير مشروع بل لأن الأفق السياسي مغلقquot;.

وكان الإحتقان الحالي، وتراشق البيانات قد بدأ بعد بيان ما سميت باللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين قد حمل الدعوة الى دسترة قرار فك الإرتباط، وإجراء إصلاحات سياسية شاملة، تستجلب حكومة منتخبة، وأن يكون للحكومة موقف واضح وحازم من الفساد ودعوات التوطين للفلسطينيين في الأردن، إلا أن مؤسسة المتقاعدين العسكريين قد تبرأت من بيان اللجنة، واعتبرته خروجًا عن تقاليد وشرف التقاعد العسكري المنضبط، كون المؤسسة العسكرية الأردنية لم تتدخل، ولم تتورط بأي حال من الأحوال منذ نشأتها بأي من القضايا السياسية الداخلية، وظلّت على ولاء وإلتزام مطلق للنظام السياسي.