بعد بدء صناع القرار في الدوائر السعودية الرسمية فعلياً وضع الحلول العاجلة للحد من الهجرة المستمرة إلى المدن الكبرى في المملكة وخصوصاً الرياض وجدة ومدن الشرقية الثلاث (الدمام والخبر والظهران) في مقابل التناقص الكبير في عدد سكان المناطق والمدن الصغيرة في المملكة المترامية الأطراف، تتجه الخطط السعودية المقبلة إلى عكس الهجرة تماما، تدعم ذلك كله دراسة أصدرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وسط سلسلة مشاريع بطول المملكة وعرضها.

أتى حديث الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض يوم أمس الأحد إبان وضعه حجر الأساس لجملة من المشاريع السكنية في مختلف محافظات السعودية وقال على هامش التدشين إن ذلك سينعكس إيجاباً على quot;تسكينquot; المواطنين في محافظاتهم ويساعد على وقف الهجرة للمدن الكبرى، أتى ليؤكد أن مشكلة تكدس المواطنين في المدن الكبرى باتت مؤرقة بالفعل للدوائر التنفيذية في تلك المدن.

وكشفت دراسة رسمية أجرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مطلع العام الحالي بأن معدل الهجرة إلى العاصمة انخفض إلى ما يعادل النصف مقارنة بالأعوام السابقة، إذ بينت الدراسة أن 33 ألف مهاجر ينتقلون إلى العاصمة السعودية سنوياً منهم 73% لأسباب وظيفية، بعد أن كان العدد يبلغ 75 ألفاً، ما يعطي مؤشراً أن خطط تسكين التعليم التي بدأت مبكراً بعد اعتماد تنفيذ سلسلة من الجامعات والكليات والمعاهد في مختلف المدن السعودية آتت أكلها، إلا أن ذلك كان بحاجة إلى خلق فرص عمل تتماشى مع مخرجات التعليم وهو ما لم يتوفر غالباً بحسب مراقبين، ما سبب استمرار الهجرة quot;الوظيفيةquot;.

الدراسة نفسها أشارت إلى أن الرياض تحتاج إلى خلق ما يقارب 700 ألف فرصة عمل خلال السنوات القليلة المقبلة لمواجهة الطلب المتنامي في أوساط الخريجين لسوق العمل، إذ تبلغ نسبة الشباب في الفئة العمرية ما دون العشرين 52%.

أستاذ التسويق في جامعة الملك سعود والرئيس التنفيذي لشركة زوايا العقارية الدكتور منصور العبيدي

يقول وكيل محافظة إحدى المدن الصغيرة في منطقة الرياض في حديثه لإيلاف إن هناك عملاًً واضحاً من قبل الدولة لحل المشكلة التي استمرت سنوات طويلة في هجرة الشباب إلى الرياض بسبب التعليم والعمل، مؤكداً أن ذلك يأتي بالتوازي مع هجرة معاكسة بدأت تلاحظ بعودة بعضهم إلى محافظاتهم أو مناطق قريبة منها وخصوصاً في أوساط المعلمين والعسكريين. وأضاف مفضلاً عدم ذكر اسمه quot;لكن بالنسبة إلى الشباب حديثي العهد بسوق العمل فإن افتتاح المعاهد والكليات التعليمية في المدن الصغيرة والمحافظات أجل المشكلة ولكنه لم يحلهاquot;.

وحديث الوكيل ينطبق مع ما يتحدث عنه سعوديون في المحافظات الصغيرة بأن محافظاتهم أصبح الملاحظ عليها الفجوة العمرية بين قاطنيها بحيث تقل نسبة الشباب من الفئة العمرية فوق الخامسة والعشرين، إذ يهاجر سنوياً المئات من تلك المحافظات بسبب العمل ما يسبب تلك الفجوة التي لا يشغلها أحد.

ويؤكد أستاذ التسويق في جامعة الملك سعود والرئيس التنفيذي لشركة زوايا العقارية الدكتور منصور العبيدي أن هناك توجها حكوميا لدعم الهجرة العكسية من خلال تهيئة بعض ما يمكن تسميتها بـquot;أشباه المدنquot; وضرب مثلاً بمحافظة الخرج ومنطقة سدير.

وطرح العبيدي خلال حديثه لإيلاف عدة أسئلة قال إنها تحتاج لإجابة وتتلخص في من هي الجهة المسؤولة عن الأهداف الإستراتيجية وعن الهجرة العكسية من وإلى المدن الرئيسة، و كم عدد المهاجرين من وإلى المدن الرئيسة ونسبتهم من سكان تلك المناطق، وكم العدد المستهدف بعد 5 سنوات، مع الأخذ في الاعتبار ضمن ذلك الأرقام السنوية ودراسة أهم متطلباتهم الفئة المستهدفة والعمل عليها من مواصلات وتعليم وصحة وترفيه.

وأكد العبيدي quot;من المهم العمل على مشروع وطني متكامل تشارك فيه القطاعات ذات العلاقة تحت هدف واحد معلن وخطة شاملة بأهداف واضحة تحدد ما هو المطلوب بالضبط وتشارك في تهيئة الظروف والبيئة المناسبة للمهاجرين عكسياًquot;.

وأضاف quot;من المفترض أن يتم التركيز على توطين الوظائف والخدمات كما تم التركيز على التعليم مؤخراً، من يريد الهجرة عكسياً يهمه مستوى التعليم لأبنائه وكذلك الصحة، وبالتالي من المفترض أن يعمل برامج خاصة وتسهيلات معينة للمستثمرين في هذه المدن المستهدفة بحيث لا يعامل مثلما يعامل في المدن الرئيسة سواء في القروض أو الإجراءات على جميع المستوياتquot;.

واختتم العبيدي حديثه قائلاً quot;احتياج السوق يجب أن يكون أيضا حاضراً في التعليم بحيث تتناسب مخرجاته مع سوق العمل وبالتالي يجد الخريجون الفرص المناسبة في المناطق المستهدفة سواء زراعية أو اقتصادية أو سياحية أو عسكرية أو غيرهاquot;.