لا زالت أحزاب اليسار الفلسطيني عاجزة عن تقديم الحل اللازم لإنهاء حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية، فيما يؤكد قادة يساريون على أنالسبب في ضعف اليسار هو انهيار المنظومة الاشتراكية لصالح الحركات الإسلامية.




فشلت كل المبادرات التي أطلقتها جهات فلسطينية مختلفة حتى الآن في وضع حد لحالة الانقسام الداخلي والخلافات بين حركتي فتح وحماس.

وقد طرحت الكثير من المبادرات ونظمت الفعاليات والمسيرات خلال الأعوام الأربعة الماضية، وانبثقت من جهات مختلفة منها ما يمثل تيار اليسار الفلسطيني ومنها ما يمثل المؤسسات الأهلية، ومنها ما يمثل المجتمع المدني والمستقلين والمثقفين والإعلاميين ، ولكنها لم تستطع أن تخترق الانقسام وتترك أثرا فعالا ينهيه.

وفي رسالة بعثها عضو الكنيست الإسرائيلي السابق د. عزمي بشارة الذي يفخر بكونه يساريا إلى مؤتمر حول quot;اليسار في فلسطينquot; سجّل فيها رأيه في اليسار الفلسطيني الحالي الذي يُعوّل عليه بشكل كبير رفض حالتي التشطّر والتشظي بسبب الانقسام في الواقع الفلسطيني والتعبير عن رفضها بالشكل المطلوب ، قائلاً:quot; إن المشكلة التي يواجهها quot;اليسارquot; الفلسطيني في الوقت الحاضر تكمن في محاولته خلق موازنة زائفة تماثل بين قطبي الانقسام الوطني الراهن بين حركتي quot;فتحquot; و quot;حماسquot;، مما يهمش quot;يساراquot; يحاول أن يكون محايدا بين القطبين ويوجه اللوم لكليهما بصورة متساوية، غير أن الحياد quot;محاولة للاختباءquot; وquot;تغطية لعجزquot; اليساريينquot;.

السبب انهيار المنظومة الاشتراكية
خالدة جرار عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني قالت لـquot; إيلافquot; أن الجبهة لم تكن حيادية في موضوع الانقسام الفلسطيني، وأضافت:quot; بل رفضنا الواقع ولم تقبل المشاركة أو التعاطي مع أي حكومة انقسام سواء في رام الله أو غزة لمنع هذا الحالةquot;.

وتابعت:quot; طرحنا العديد من المبادرات ودعونا إلى مسيرات حاشدة، ورفضنا أن نكون جزء من حالة الانقسام، ولكن للأسف الأثر لهذا الدور كان ضعيفاً ومحدوداًquot;. مرجعة السبب إلى التحولات الجارية في العالم فيما يتعلق بتيار اليسار قائلةً:quot; أن انهيار المنظومة الاشتراكية في العالم لصالح الحركات الإسلامية أدّى إلى تراجع دراماتيكي لدور اليسار إضافة إلى أسباب داخلية تتعلق بعدم قدرة اليسار على ترجمة البرامج الخاصة به ،وأيضا انقساماته الداخلية.

ضعف التمثيل النسبي لفصائل اليسار
فيما أكدّ مدير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين وعضو شبكة منظمة المؤسسات الأهلية كارم نشوان على رفض خيار الانقسام قائلاً لـquot;إيلافquot;: quot; حالة الانقسام تلحق الضرر بكل مواطن فلسطيني،لذلك هناك ضرورة لإنهاء الحالة في أقصى وقت ممكن quot; مرجعاً عدم وجود دور رئيسي وفعّال لليسار إلى ضعف التمثيل النسبي لفصائل اليسار حيث أعطيت لهم نسبة 18% ووزعت النسبة الباقية على فصيلي حماس وفت.

وأوضح :quot; ضعف نسبة التمثيل عامل مهم يجب أن يؤخذ بالحسبان ، فهو لم يجعل لليسار وزن أمام الشارع يدفعه للإيمان بمقترحاته وفعالية مبادراتهquot;،

وأفاد نشوان :quot;اليسار حاول رغم ذلك تقديم أثر فعّال عبر تشييد الحملة الشعبية لإنهاء الانقسام ,حيث جمع هذا الجسم فصائل منظمة التحرير ما عدا فصيلي حماس وفتح بالتعاون مع منظمة شبكة المؤسسات الأهلية التي قامت بالتنسيق لهذا الجسم .

وتابع نشوان :quot;قام هذا الجسم بتقديم فعاليات تنوعت بين توجيه مذكرات إلى حماس وفتح وتنظيم مسيرات ولقاءات مع طرفي الصراع ،لكن لم ينجم عن هذا الجهد أثر ملموس واضح مرجعاً السبب لعدم وجود فعل شعبي داعم للحملة ، وسبب ثاني هو اقتصار فصائل اليسار على حشد دعمها الشعبي في احتفالاتها الخاصة ، في حين تهمل حشد نفس الفعل على مستوى الحملة الشعبية ، وسبب آخر أن الحملة اقتصرت على قطاع غزة رغم أن المخطط كان قائماً على عمل مشترك بين قطاع غزة والضفة الغربية ،إضافة إلى أن الحملة تنشط في الوقت الذي ينشط فيه الحوار فقط ، وتعيش حالة خمول في معظم الأحيان .

وأضاف: في الواقع لا مجال لتحميل طرفي الصراع المسئولية فقط عن ما يحدث، ولكن الكل مسئول بما فيهم المؤسسات والجمعيات والنقابات لتعمل في حركة اجتماعية فاعلة، واليسار مقصر لاشك في أدائه.

تراجع الثقافة الجمعية
من جهته أوضح رئيس مجلس إدارة منظمة المؤسسات الأهلية في قطاع غزة ومدير مركز التطوير الزراعي محسن أبو رمضان لـquot;إياتفquot; أن اليسار الفلسطيني ألغى البعد الاجتماعي، كما غيّب رسالته بالدفاع عن الضعفاء وتراجع في ظل هيمنة السياسة المتنفذة في قطاع غزة .

فيما أشار أبو رمضان إلى سبب آخر في عدم ترك الحملة الشعبية تأثير فعال وهو تراجع الاهتمام بالشأن العام وانشداد الكل للمصالح الفئوية الخاصة أي تراجع الثقافة الجمعية لصالح الخيارات الفردية ،والإفراط بالاهتمام بالعلاقة مع الممولين لضمان التمويل.

وأضاف : هناك سبب آخر وهو ترسيخ النظام الزبائني الفردي الذي أصبح جزء من التركيبة السيكولوجية للعاملين في المجتمع ، حيث أصبحت علاقتهم مع المؤسسات علاقة منتفع بمزود النفع .

فيما استنكر أبو رمضان عدم قدرة الفصائل اليسارية على تسيير مسيرات حاشدة الصدى تصدح بالرفض للحالة الشاذة التي تطوّق المجتمع الفلسطيني بالتشظيات ، بل والتعامل معه كقدر لا مفر منه ، لائما الفصائل اليسارية لأنها انعزلت عن حركة الناس .

16% من المجتمع مصاب بصدمة نفسية
فيما أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة أن الشارع الفلسطيني البعض منه فصيل حماس والبعض الآخر من فصيل فتح، لذلك هو جزء من حالة الاقتسام .

وتابع أبو سعدة : الشارع الفلسطيني مصاب بالإحباط الشديد وتداعياته ، ويذكر أنّ نسبة المصابين بالصدمة النفسية في قطاع غزة يعادل 16% ، وأَضاف : الشارع أصبح غير مبالي ، الكل يبحث عن مصلحته الشخصية وغابت المصلحة العامة، بل أصبح المواطن يفقد البوصلة !

وأوضح : لذلك فهو غير قادر على تلبية أي دعوات أو مبادرات لأنه بات مغيّباً عن واقعه بفعل الصدمة التي مازال يتعرض لها .

وأفاد مخيمر : المشكلة أن هناك مشكلة أصعب وهي وجود المؤثرات الخارجية التي أصبحت تشكلّ مؤثراً مهماً يلفت انتباه طرفي الصراع أكثر من أي مبادرات داخلية، إضافة إلى المصالح التي يستفيد منها كلا الطرفين عبر الانقسام ويرغبان في الحفاظ عليها.

وقال: لن تستطيع الحركة الوطنية بكامل قوتها الضغط لإنهاء الانقسام في ظل عدم وجود نيّة لذلك.

ملفتاً الانتباه لضرورة تسيير مسيرات حاشدة تترك صدى عال تستمر لأيام طويلة حتى تحدث الأثر المطلوب ، وقال : ربما هذه النقطة الوحيدة التي لم تستخدم حتى الآن ، تنظيمها وسائل الإعلام ربما تساهم في انهاءالانقسام .

غياب الدور الإعلامي الحقيقي
في حين لم يقدم الإعلام الفلسطيني أي مبادرة فعّالة حقيقية، حيث عبّر عن أسفه حيال ذلك الإعلامي حسن الكاشف قائلاً لـquot;إيلافquot;: quot; نسبة كبيرة من الإعلاميين انقسموا، بل ساهموا في تكريس الانقسام وتبريره quot; ،وأضاف :quot; الإعلام الحزبي كان مستقطباً في امتحان مواجهة الانقسام وسقط في الامتحان ،وكان جزءاً من حالة الانقسامquot;.

فيما أشار الكاشف إلى أن غياب المنابر المستقلة حاضر كسبب لفقدان الإعلاميين المستقلين في الساحة الإعلامية، مرجعاً ذلك إلى احتكار المنابر من قبل الحزبين إضافة إلى حملات إغلاق المنابر الإعلامية ، وأوضح الكاشف : quot;لو بقيت المنابر الإعلامية متاحة ،لنشأ مناخ للحوارquot; ،موجهاً رسالة تضامن إلى كل إعلامي يرفض الانقسام .

والحال لم يختلف لدى المثقف الذي لا يملك حتى تعريفاً نفسه في ظل غياب هيكل يضمه إلا من بقايا اتحاد كتاب لا يملك طاقة أو مدة أو ميزانية أو برنامج عمل .

يقول الكاتب توفيق أبو شومر مؤكداً على ذلك :quot;المثقفون في غزة يتصرفون بشكل فردي ، لم يفلحوا في وضع إطار ثقافي يعرفهم بشكل صحيح ،لتكون لهم قاعدة للشروع في العمل quot;

وأضاف أبو شومر :quot; الإطار الثقافي اذا لم ينظم في أي وطن ،لن يستطيع أن يلعب دوره المنوط به ، مشيراً إلى أنّ المثقفين والمفكرين هم قادة التغيير والذين صاغوا تاريخ العالم .
موجهاً رسالة إلى كل المثقفين بضرورة الالتفات حول دور المثقف الفعال في إحداث تغيير في الواقع .

فيما اجتمعت كل العوامل أعلاه لتشكلّ أسباب غياب دور الحركة الوطنية ، لعلّ هذا الطرح لكل الإشكاليات التي تمنع هذا الدور الذي يجدر وجوده ،وسط الاعترافات الطويلة بالتقصير يجعل الواقع أكثر وضوحاً ويجعل الباب مفتوحاً ليد قوية تكسر الانقسام ..