تستمر المحاولات لإنقاذ ناجين من الزلزال الذي ضرب تركيا

بعد يومين على الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا، يستمر السباق مع الزمن للعثور على ناجين، لكن الآمال تتراجع رغم بعض المعجزات. وارتفعت حصيلة القتلى إلى 366 وسط تصاعد غضب السكان المنكوبين الذين أمضوا ليلتين في العراء.


أرجيس: بعد ليلة ثانية في العراء والبرد والخوف من هزّات ارتدادية، بدأ الغضب يتصاعد الثلاثاء بين المنكوبين الذين نجوا من الزلزال العنيف الذي هزّ الاحد شرق تركيا حيث اغلبية السكان من الاكراد.

وفي مدينة ارجيس التي تضم 75 الف نسمة والأكثر تضررا من الزلزال حيث سقط اكثر من نصف ال366 قتيلا حسب آخر حصيلة رسمية، استخدمت السلطات وسائل كبيرة: 1300 رجل إنقاذ و200 سيارة إسعاف ومروحيات بينما نشر الجيش ستة أفواج...

وأقيم مخيمان ووزعت مواد غذائية على السكان الذين لا يجرؤ معظمهم على العودة الى منازلهم لما لحق بها من أضرار جسيمة، أو خوفا من هزّات ارتدادية. لكن الجميع ليسوا متساوين امام الكارثة.

وقالت نبهات جزيسي التي تقيم مع ابنائها الثلاثة وامها وحماتها في خيمة واحدة أقامها الهلال الاحمر في مخيم وسط ملعب كرة قدم quot;هنا كل ما يعطوننا هو خبز وماءquot;.

واضافت ربة العائلة quot;ليس لدينا تدفئة ولم نحصل على بطانيات ولا حتى على الاسبيرين. نعاني البرد كل الليل وليس لدينا سوى ثلاث بطانيات اخذناها من منزلناquot;.

واشتكت نبهات ايضا من عدم توفر مراحيض ما يحرج النساء عندما يضطررن الى قضاء حاجاتهن في الهواء الطلق.

وفي مكان ليس ببعيد من هناك، في حي الصالحية لم تنهر المنازل المنخفضة لكن تضرر العديد منها وبات سكانها ينامون في الحدائق.

وقال نجدت يلديريم (30 سنة) العاطل عن العمل الذي يتقاسم خيمة حصل عليها بصعوبة مع جيرانه ان quot;باستثناء شاحنة من الخبز لم يأت شخص لمساعدتنا هناquot;.

واضاف الشاب quot;نحرق صناديق الخضر واطارات العجلات لنتدفأ لكن الاطفال في حاجة الى حليب وكل المحلات التجارية مغلقةquot;.

وقال احد جيرانه فايق بابات الذي امضى ليلته في العراء وهو جالس امام موقد خشب quot;استأصلوا مترين من امعائي لانني اصبت بسرطان ويفترض ان اكون الآن في المستشفى، لكن لم يأت أحد لمساعدتيquot;.

وسرعان ما تنطلق الاتهامات.

ويقول نجدت quot;في المخيم الآخر حيث عائلات العسكر والموظفين في ذلك المخيم الذي يزوره الوزراء ويكثر فيه الصحافيون، هناك وجبات غذائية ساخنة وتدفئةquot;.

ويضيف quot;لكن لا احد يهتم بنا نحن لاننا أكرادquot;.

كذلك تحوم الشبهات حول البلدية التي يرأسها حزب العدالة والتنمية (الحاكم المنبثق من التيار الاسلامي) والتي يأخذ عليها البعض انها تفضل مساعدة ناخبيها من العشائر المحافظة في القرى المجاورة وهي كردية ايضا لكنها لا مطالب لها في هذا الشأن.

وقال شاب غاضب، رافضا كشف هويته ان quot;الشرطة تأتي لتضربني لانني حاولت أخذ بطانية رغم أنني في حاجة الى تلك البطانية (...) لكنهم سمحوا لأشخاص بأخذ ستة او سبعةquot;.

ويشير الشاب الى جرح صغير حديث على ظهر يده اليسرى.

وقال رجل مسن وهو يشير الى تجمع على طريق ارجيس الرئيس quot;انظر هناك، كل هؤلاء انهم من ناس القرى ينتظرون شاحنات المساعدات لنهبها بينما لم تحصل خسائر في القرىquot;.

وعلى هذه الطريق ذاتها شاهد مصور فرانس برس الاثنين عملية نهب شاحنة كانت تحمل خياما.

الحصيلة ترتفع ومحاولات الإنقاذ مستمرة

ويخوض رجال الانقاذ في شرق تركيا الثلاثاء سباقا مع الزمن للعثور على ناجين تحت أنقاض المباني المنهارة بعد يومين على الزلزال المدمر الذي ضرب محافظة فان لكن الآمال تتراجع رغم بعض المعجزات.

وقد انتشل المسعفون رضيعة ووالدتها ومن ثم جدتها على قيد الحياة من تحت انقاض مبنى، بحسب ما ذكر مصور من وكالة فرانس برس الثلاثاء في مدينة ارجيس، شرق تركيا، وفي وقت سابق انتشلت الرضيعة ازرا التي تبلغ من العمر 15 يوما ووالدتها من تحت الانقاض بعد 48 ساعة من الزلزال الذي ضرب محافظة فان في شرق البلاد.

ونقلت الجدة غول زاده كارادومان ايضا الى المستشفى وحياتها ليست في خطر.
وذكرت وكالة انباء الاناضول ان الطفلة نقلت الى انقرة.

ونقلت وكالة انباء الاناضول عن مسعفين قولهم ان الوالد كان ايضا في المبنى لكن حتى الان لم يعثر عليه.
وفي موازاة ذلك انتشل مسعفون اخرون رجلا في الثلاثين من العمر حيا من تحت الانقاض في هذه المدينة. وافاد مراسل فرانس برس ان الرجل نقل الى المستشفى للعلاج.

وقد ارتفعت حصيلة الزلزال المدمر الذي ضرب شرق تركيا الاحد الى 366 قتيلا و1300 جريح، بحسب حصيلة رسمية موقتة أصدرتها إدارة الاوضاع الطارئة الثلاثاء.

وكانت حصيلة سابقة اصدرتها ليل الاثنين الثلاثاء الادارة نفسها أشارت الى مقتل 279 شخصا في الزلزال.

واضافت ادارة الاوضاع الطارئة ان 2262 مبنى انهارت في المنطقة المنكوبة لا سيما في مدن ارجيس وفان عاصمة المنطقة التي تعد غالبية كردية والقريبة من ايران.

وعدد الضحايا مرتفع جدا في محافظة أرجيس وعاصمتها فان.

وبدأت عائلات تدفن ضحاياها الثلاثاء فيما واصل آخرون البحث بين الانقاض على امل ان تعثر فرق الانقاذ على ناجين.

وبالنسبة إلى رجال الانقاذ ليس هناك من شك ان الحصيلة كانت لتكون اعلى بكثير لو ان الزلزال لم يحصل نهار احد في الوقت الذي خرج فيه الكثير من الناس لتناول الغداء.

وقال امراه اربك الشاب البالغ من العمر 23 عاما والمتطوع مثله مثل كثيرين غيره ان quot;الامل اصبح ضئيلاquot; في العثور على ناجين.

واضاف quot;لقد عملنا من دون توقف منذ 48 ساعةquot;.

وتحاول آليات رفع الكتل الاسمنتية فيما امضى الناجون ليلتهم الثانية وسط قلق من حصول هزات ارتدادية وفي انتظار توزيع الحصص الغذائية من الهلال الاحمر او منظمات خيرية اخرى.

وتتوقع مصلحة الارصاد الجوية سقوط الثلوج الاربعاء.

وأمضى بعض الناجين ليلتهم في سياراتهم فيما اكتفى آخرون بغطاء واحد للمبيت في الشارع.

وقال احد المواطنين quot;لقد تعرض منزلنا لأضرار فادحة وسنضطر للعيش على هذا النحو لأسبوع او اسبوعين على الارجحquot;.

ونشرت الحكومة التركية إمكانات هائلة وارسلت الى المكان مئات رجال الانقاذ و145 سيارة اسعاف وست وحدات من الجيش ومروحيات اسعاف.

وفي ما يدل على التضامن جاء العديد من الاتراك لمساعدة الاكراد فيما يواصل الجيش هجومه الواسع النطاق على المتمردين الاكراد الذين قتلوا الاسبوع الماضي 24 جنديا ما أجّج الانقسامات الاتنية.

وكتبت صحيفة هابر ترك على صفحتها الاولى quot;تعبئة وطنيةquot; فيما اشادت صحيفة سوزجو بالاتراك لانهم وضعوا مقتل الجنود الاتراك جانبا وسارعوا للمساعدة.

وقد عرضت عدة دول بينها اسرائيل وارمينيا، الدولتان اللتان تشهد علاقتهما بانقرة توترا، مساعدتهما على تركيا التي quot;شكرتهماquot; مؤكدة انها تريد مواجهة الوضع الحالي بمفردها.

الزلزال خفف من حدة الانقسامات الإتنية بين الاتراك والاكراد

وأثار الزلزال المدمر الذي ضرب محافظة في شرق تركيا تقيم فيها غالبية كردية موجة تضامن في هذه المنطقة المحرومة منذ فترة طويلة وخفّف من حدة التوترات الاتنية التي سببها تجدد النزاع الكردي.

وحشدت الحكومة التركية امكاناتها لمساعدة الناجين من الزلزال الذي بلغت قوته 7,2 درجات واوقع 366 قتيلا بحسب اخر حصيلة في فان، فيما يواصل الجيش هجومه ضد المتمردين الاكراد في جنوب البلاد على الحدود مع العراق وفي جبال هذه الدولة المجاورة.

ومقارنة مع الزلازل السابقة، تم تنظيم المساعدة سريعا لكن بعض الناجين الاكراد كانوا مستائين.

وقال نجدت في ارجيس، المدينة التي ضربها الزلزال، لوكالة فرانس برس quot;في المخيم الاخر حيث تم ايواء كل عائلات العسكريين والموظفين الرسميين والذي سيزوره الوزراء (...) هناك وجبات ساخنة وهناك تدفئةquot;.

وقال quot;اما نحن فلا يهتمون بنا لاننا اكرادquot;.

وتحوم الشبهات ايضا حول البلدية التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي يأخذ عليه البعض انه يعطي الافضلية لناخبيه والقبائل المحافظة والقرى المحيطة، وهي كردية ايضا لكن ليس لها مطالب بالهوية الثقافية.

والجيش الذي ارسل حوالى عشرة الاف رجل لمحاربة حزب العمال الكردستاني اوفد ثلاثة الاف من قواته الى فان فيما ارسل الهلال الاحمر آلاف الخيم و22 الف بطانية.

وتوجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على الفور الى مكان المأساة.

ويأتي الزلزال فيما تركز تركيا اهتمامها على المسألة الكردية والهجوم الذي تشنه على حزب العمال الكردستاني والذي ادى الى مقتل 24 جنديا ما ادى الى تأجيج التوترات الاتنية.

ومنذ الصيف كثف حزب العمال الكردستاني هجماته فيما ردت الحكومة التركية عبر اعتقال مئات من الناشطين الاكراد.

والاحد وبينما كان الزلزال يضرب فان، كان عشرات الاف الاتراك يتظاهرون في سائر انحاء البلاد للتنديد بعمليات حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره انقرة وعدة عواصم منظمة ارهابية.

ولكن المأساة في فان مع ما رافقها من مشاهد بثتها محطات التلفزة ونداءات الاستغاثة من المنكوبين، خففت ولو لفترة قصيرة من حدة الانقسامات الاتنية.

وكتبت صحيفة ملييت ان هذه الكارثة تعتبر بمثابة دعوة الى المصالحة.

ورأى كاتب الافتتاحية في الصحيفة انه quot;آن الاوان في بلادنا للتفكير في تضميد الجراح ووقف دوامة القتل. وعلى الاقل فان مأساة فان تخدم هذا الامرquot;.

وفي ما يدل على التهدئة فانه من المرتقب إرجاء النقاش البرلماني حول النزاع الكردي والذي كان مقررا الاربعاء. وفي خضم ذلك سحب النواب الاكراد مذكرة لحجب الثقة كانوا قدموها ضد وزير الداخلية.

واشاد زعيم كتلة النواب الاكراد صلاح الدين دميرتاس بالتضامن الذي ظهر حيال فان، قائلا ان quot;هذه المساعدات فيها بوادر اخوةquot; بين الاتراك والاكراد.

وتكثفت الدعوات الى تقديم الهبات لشعب يعاني النزاع الكردي منذ العام 1984.

وقال نرمين بورو، وهو صاحب حضانة في انقرة اطلقت حملة لدى اهالي الاطفال لجمع الملابس، لوكالة فرانس برس quot;نريد مساعدة مواطنينا الذين يعانون وان نثبت لهم اننا متضامنون معهمquot;.

وارسل عدد من الاتراك مساعدات الى فان من مدن الغرب.

لكن على فيسبوك وتويتر فإن المأساة فتحت الطريق امام بعض ردود الفعل المناهضة للاكراد. وقال احد الاتراك على شبكة quot;ايه تي فيquot; الخاصة quot;انهم (الاكراد) يقتلون رجال الشرطة والجنود مثل العصافير لكنهم يطالبون بأن نأتي لمساعدتهمquot;.


كلينتون تكرر عرضها لمساعدة تركيا وأنقرة ترفض
الى ذلك عرضت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون مجددًا مساعدة الولايات المتحدة لتركيا اثر زلزال الاحد، لكن انقرة رفضت مؤكدة انها تستطيع بمفردها اغاثة الضحايا، وفق ما اعلنت مسؤولة الثلاثاء.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند ان كلينتون اجرت اتصالا هاتفيا بنظيرها التركي احمد داود اوغلو مقدمة اليه تعازيها وquot;كررت عرض المساعدة الذي قدمته سفارتنا الى السلطات التركيةquot;.

واضافت quot;وفق معلوماتي، ابدى وزير الخارجية امتنانه الكبيرquot;، لكن السلطات تنوي quot;تقديم المساعدة لضحايا الزلزال عبر نظامها الوطني لادارة الحالات الطارئةquot;، على قول نولاند.

وعمل مئات من رجال الانقاذ من دون توقف وسط الصقيع طوال الليل. وبعد 35 ساعة من حصول الزلزال، تم انتشال امرأة حامل وطفلين من تحت انقاض مبنى حكومي في ارجيس، المدينة الاكثر تضررا من الزلزال كما افادت صحيفة حرييت.

وقبل ساعات انتشل شرطي وزوجته حيين في هذه المدينة، كما افادت محطات التلفزة.

وقال عبد الله بينتي لشبكة quot;سي ان ان-توركquot; quot;كنت اشعر خصوصا بالعطش، بالصدفة لا أزال حيا، كانت هناك جثث يمينا ويساراquot;. والشاب الذي يبلغ عمره 22 عاما بقي 32 ساعة تحت الأنقاض في ارجيس.

لكن رغم هذه المعجزات، تم انتشال جثث من تحت الانقاض كما شاهد مراسلو وكالة فرانس برس في المكان بعد الزلزال القوي الذي بلغت قوته 7,2 درجات واعتبر الاقوى الذي يضرب تركيا في السنوات الماضية.

واعتبر عشرات الاشخاص في عداد المفقودين.