حرق المجمع العلمي المصري

تعرّض المجمع المصري العلمي، الذي أنشئ بقرار من نابليون بونابرت عام 1798، إلى حريق خلال أحداث القاهرة المشتعلة بين الثوار وأجهزة الأمن المصرية، وطالت النيران المكتبة التاريخية، التي يضمّها المبنى، والتي تتكون من أربعين ألف كتاب، أهمها كتاب وصف مصر.


خسارة كبيرة لحقت بالثقافة المصرية والتاريخ المصري الحديث من جرّاء حرق المجمع المصري العلمي في الأمس، في أحداث القاهرة المشتعلة بين الثوار وأجهزة الأمن المصرية، سواء الشرطة أو الجيش.

فقد طال حريق هائل المبنى التاريخي، وأتى على كل من فيه من، جراء طلقات الرصاص، وكرات اللهب، التي كان يتقاذفها الثوار ورجال الأمن في شارع القصر العيني، الذي يقع فيه ذلك المجمعالتاريخي، الذي أنشئ بقرار من نابليون بونابرت في القاهرة في 20 آب (أغسطس) من عام 1798 إبان فترة الحملة الفرنسية على مصر.

لا تقف الخسارة فقط على المبنى التاريخي، بل احترقت المكتبة التاريخية التي يضمها المبنى، والتي تتكون من أربعين ألف كتاب، أهمها كتاب وصف مصر، تلك الدرة الخالدة التي صنعها علماء الحملة الفرنسية؛ فخسارة حرق هذا الكتاب، الذي يتكون من 20 مجلداً، لا يمكن تعويضها كما لا يمكن تقديرها بحال.

الكتاب عبارة عن مجموعة من البحوث، التي قامت بها الحملة الفرنسية في مصر، وأهميتهتكمن في أن مجموعة من أبرز العلماء، الذين دعاهم نابليون خصيصاً إلى هذا الغرض، هم من قاموا بإعداده.

وبعد عودة هؤلاء العلماء إلى فرنسا، قام وزير الداخلية الفرنسية في ذلك الوقت أنطوان شبتال في 1802 بتشكيل لجنة من أعضاء فريق العلماء، تكوّنت من ثمانية أعضاء، قامت بجمع ونشر كل المواد العلمية الخاصة بالحملة الفرنسية، والتي كانت عبارة عن 10 مجلدات، تم رسم لوحات فيها غاية في الدقةللحياة اليومية المصرية، منها 74 لوحة بالألوان، وأطلس خرائط، إضافة إلى 9 مجلدات للدراسات. وهي تعتبرمن أهم الأعمال التاريخية الخالدة، التي تم صنعها في الفترة من 1809 حتى 1828.

من أهم الكتب، التي تضمها المكتبة أيضًا، كتاب أطلس عن فنون الهند القديمة، وأطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام 1752، وأطلس ألماني عن مصر وأثيوبيا يعود تاريخه إلى العام 1842، وأطلس ليسوس، وهو ليس له نظير في العالم، وكان يمتلكه الأمير محمد علي ولي عهد مصر السابق.

أهداف هذا المجمع العلمي كانت تنصب على الإشتراك في بحوث ودراسات ونشر الأبحاثالتي تساعد على تقدم مصر العلمي، كذلك نشر العلم والمعرفة في مصر، ومن ثم نشر أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية، ومع التطور الذي شهده المجمع، أجريت تعديلات أدخلت بمقتضاها علوم الآداب والفنون الجميلة وعلم الآثار والعلوم الفلسفية والسياسة والفيزياء والرياضيات والطب والزراعة والتاريخ الطبيعي.

ويعتبر هذا المبنى التاريخي، الذي إحترق، واحدًا من أعرق المؤسسات العلمية المصرية، وهو يدخل في عدادالآثار المصرية، وقد تم تسجيل مقتنياته النادرة في سجلات الثار المصرية.

كان حافز نابليون بونابرت على إقامته هو بحث ودراسة أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية، وعواملها الطبيعية، فضلاً عن إبداء الرأي حول استشارات قادة الحملة الفرنسية، وهذه الأسباب كان يقف وراءها الهدف الرئيس للحملة، وهو دراسة مصر دراسة تفصيلية لبحث كيفية استغلالها لمصلحة المحتل الفرنسي.

يرجع تاريخ بناء هذا المبنى التاريخي إلى إبراهيم كتخدا، الملقب بالسناري، الذي انتقل إلى الإقامة في القاهرة آتيًا من الصعيد، ليصبح واحداً من أعيانها، بفضل قربه من الأمير مراد بك، الذي كان متحكماً في شؤون مصر، وفرغ من بناء المنزل قبل وصول الفرنسيين بسنوات قليلة.

يتوسط المنزل فناء، عبارة عن مساحة مستطيلة في وسطها فسقية، في الضلع الشرقي منه عدد من الغرف وغرف الخدم والمنافع، وفي الضلع الجنوبي من الفناء مساحة مستطيلة مغطاة بسقف خشبي، فيه زخارف ملونة، يرتكز على عمود رخامي، وفي الضلع الغربي منه دهليز، يؤدي إلى باب معقود، يصل إلى ديوان عبارة عن حجرة ذات رواقين، مغطى كل منهما بقبوين متقاطعين.

ظل هذا المبنى منذ خروج الفرنسيين من مصر مهملاً، إلى أن نجح بريس دافين العالِم الفرنسي في عام 1842في إعادة إحياء الجمعية الأدبية المصرية، لتقوم بالهدف نفسهالذي قامت من أجله مرة ثانية.