تواجه الحركة الاحتجاجية التي بدأت منذ يوم الاثنين في دوار اللؤلؤة في وسط العاصمة البحرينية، مصيراً محكوماً بالفشل رغم مشروعية مطالبها التي تدعو إلى إصلاح الحالة الاقتصادية للمواطنين الذين يعانون مستويات بطالة مرتفعة، وجمودًا حكوميًا، وتمييزًا، مع شكاوى مستمرة من سياسة التجنيس، التي يقول مناهضون إنها تسعى إلى تذويب النفوذ الشيعي في المملكة.


ملك البحرين يأسف لوفاة متظاهرين ويشكل لجنة تحقيق وزارية

علي الحسن من لندن وأشرف أبو جلالة من القاهرة: أدت عمليات التجنيس، واستعادة الهويات، إلى تشكيل ثقل للسنّة في البحرين، هذه المملكة الصغيرة على ساحل الخليج العربي، بشكل أصبح أكثر قوة من السابق، على الرغم من استمرار التفوق العددي لأفراد الطائفة الشيعية الذين يمثلون أكثر من خمسين بالمائة من عدد السكان في بلد يقدر عدد سكانه بنحو سبعمائة ألف حسب إحصائية الأمم المتحدة عام 2009.

والمعروف أن جزءًا كبيرًا من سكان البحرين هجروها إلي السعودية في أوقات متفرقة من القرن الفائت بسبب تردي الأحوال المعيشية، ثم عادوا إليها، واستعادوا جنسياتهم البحرينية، إضافة إلى أن هنالك عشرات الآلاف من مزدوجي الجنسية، وهو الأمر الطاغي بين دول الخليج، نتيجة للتشابكات الاجتماعية والقبلية بين مواطني بلدان الخليج الست.

ومن المتوقع أن تفشل هذه الحركة الاحتجاجية لأسباب عدة، أهمها أن ظروفها تختلف اختلافاً جذريًا عن الظروف في مصر وتونس، إضافة إلى صغر حجم البلد، وأن إيران ليست في وضع يمكنها فيه من المساعدة، وليس ختاماً في قائمة توقعات الفشل أن رجال الأمن معظمهم من غير المواطنين، بل من المجنسين حديثاً، وهو ما لن يمنعهم من استخدام أقسى درجات العنف إذا لزم الأمر لحفظ استقرار النظام.

يضاف إلى قائمة أسباب الفشل سبباً رئيسًا، وسيلعب دوراً مهمًا في إنهاء الاحتجاجات، وهو أن أميركا والسعودية وغيرهما في دول الخليج، يراقبان الأمر عن كثب، ولن يترددا عن استخدام القوة للتدخل في الأمر لمنع سقوط حكم آل خليفة.

وواظبت عائلة آل خليفة، وهي تنتمي إلى قبيلة بني عتبة التي طردت الفرس من الجزيرة، على حكم البحرين منذ عام 1783. وبقيت الإمارة عمليًا محمية بريطانية منذ توقيعها المعاهدة مع بريطانيا عام 1861 إلى استقلالها عنها عام 1971.

وتدرس دول الخليج إجراءات التدخل لأن quot;البحرين جزء من منظومة خليجية واحدة، لن يسمح لها بأن تكون تحت النفوذ الإيرانيquot;، كما تقول مصادر مطلعة. إلا أن نفوذ إيران في البحرين لا يزال يثير الشكوك.

وأظهرت وثائق جديدة لموقع ويكيليكس أن الدبلوماسيين الأميركيين كانوا على دراية مطلع عام 2008 باضطرابات مشتعلة بين الطبقة الدنيا التي تمثلها الغالبية الشيعية والحكّام المنتمين إلى الأقلية السنية في البحرين، وتكهنوا بأن خطأً واحداً سيكون كفيلاً بإحداث تصعيد كارثي محتمل.

في هذا السياق أفادت اليوم صحيفة quot;الغارديانquot; البريطانية بأن الولايات المتحدة قد نفت مراراً وتكراراً إدعاءات الحكومة البحرينية بأن الاضطرابات التي يقوم بها الشيعة في المملكة، يتم دعمها من جانب السلطات الإيرانية. وقالت إن البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي أفرج عنها موقع quot;ويكيليكسquot; تُبَيِّن أن الاتهام الذي قدمته حكومة المنامة ndash; التي تواجه احتجاجات في الشوارع تطالب بإصلاحات سياسية من جانب معارضة مُلهَمة من ثورتي مصر وتونس ndash; لا تدعمه أي أدلة قاطعة.

وقالت السفارة الأميركية في البحرين عبر رسالة سرية بعثت بها في آب/ أغسطس عام 2008 quot;في كل مرة يُثار فيها هذا الإدعاء، نطلب من حكومة البحرين أن تتقاسم معنا ما لديها من أدلة. وإلى الآن، لم نر أي أدلة مقنعة على وجود أسلحة إيرانية أو أموال حكومية هنا منذ منتصف تسعينات القرن الماضي على الأقل.. وإن كان لدى حكومة البحرين أدلة مقنعة على وجود تخريب إيراني حديث، لكانت قد أخبرتنا به على وجه السرعةquot;.

ومن المعروف أن مملكة البحرين، التي تعتبر مقراً للأسطول الأميركي الخامس، تحظى بوضعية متفردة في منطقة الخليج، حيث يوجد فيها غالبية شيعية ndash; بنسبة تتراوح ما بين 60 إلى 70 % من إجمالي عدد السكان ndash; وتحكمها سلالة آل خليفة السنّية.

واستناداً إلى ما ورد ذكره في الوثائق، فإن الحكومة ظلت قلقة خلال السنوات الأخيرة من أن خوض أي صراع مع إيران سوف يولِّد تعاطفاً من السكان الشيعة.

وقال دبلوماسيون أميركيون quot;ربما تضيف التوترات الإقليمية إلى التوترات الداخلية القائمة منذ مدة طويلة أيضاً، ومن ثم المساهمة في ضجيج الأصوات الطائفية الموجودة في البحرينquot;.

وتعتبر غالبية المواطنين البحرينيين جزءًا من الطبقة الدنيا الشيعية، كما إن مظالمهم، التي يتم التعبير عنها في النشاط السياسي والقانوني وفي مناوشات الشوارع بين الشبان والشرطة، هي محوركل السياسات المحلية هناquot;.

كما نفى مسؤولون أميركيون إدعاءات بحرينية تتحدث عن أن النظام الإيراني يفرض سيطرته على حركة quot;حقquot; الشيعية المعارضة التي تشارك في الاحتجاجات الحالية.

مع هذا، قالت الصحيفة إنه لا توجد quot;أدلة مقنعةquot; على ذلك. وأوضحت أن الملك حمد أخبر دبلوماسيين أميركيين بأن بحرينيين سبق لهم أن تلقوا تدريبات من جانب حزب الله في لبنان، لكنه اعترف بأنه لا يمتلك أدلة قاطعة على هذا الأمر.

ولم تكن هناك أيضاً أدلة مقنعة ndash; رغم طلبات السفارة الأميركية - من شأنها أن تدعم التكهنات التي تحدثت عن أن الحكومة السورية كانت متواطئة في تعزيز التخريب.

مع ذلك، كانت نظرة الولايات المتحدة بشكل عام إلى المملكة وقائدها نظرة إيجابية. ففي كانون الأول/ ديسمبر من عام 2009، قال السفير الأميركي quot;يدرك الملك حمد أن البحرين لا يمكنها أن تتقدم وتزدهر إذا حكم بنظام قمعي. ومع هذا، يستمر التمييز ضد الشيعة، وقد سعت الحكومة إلى الرد على الانتقادات من خلال الانخراط مع حزب الوفاق والتركيز على زيادة الإنفاق العام على الإسكان ومشاريع الرعاية الاجتماعية.

وطالما أن حزب الوفاق مازال مقتنعاً بفوائد المشاركة السياسية، فإن النظرة العامة على المدى الطويل لتحقيق الاستقرار في البحرين تعتبر جيدةquot;.