تقدم نائبان إسرائيليان بمشروعي قانونين جديدين، ناقشتهما لجنة الدستور والقانون التابعة للكنيست الإسرائيلي يقضيان بإلغاء مكانة اللغة العربية في إسرائيل كلغة رسمية، وتحويلها إلى لغة ثانوية.


القدس: ناقشت لجنة الدستور والقانون التابعة للكنيست الإسرائيلي مشروعي قانونين جديدين يقضيان بإلغاء مكانة اللغة العربية في إسرائيل كلغة رسمية، وتحويلها إلى لغة ثانوية، تقدم بهما النائبان آرييه الداد وآرييه طبايب، حيث ينص مشروعا القانون على إبطال التشريع الإنتدابي في فلسطين من العام 1922 الذي أقرّ العربية والعبرية والإنجليزية آنذاك كلغات رسمية.

يشكل المواطنون العرب في إسرائيل حوالي 20% من مجمل سكان الدولة (مليون و250 ألف نسمة)، وتشكل اللغة العربية واقعاً يعكس ماضيهم، ويعزز إنتماءهم إلى التاريخ وحاضرهم ومستقبلهم.

وحتى العام 1948 كانت اللغة العربية هي لغة سكان البلاد الأصليين، لكن المستجدات والمتغيرات التي شهدتها فلسطين، وإقامة دولة إسرائيل في العام نفسه، جعل اللغة العربية تتحول من لغة الغالبية إلى لغة الأقلية، ولغة ثانية في الدولة الجديدة، وذلك على الرغم من إقرار ما يسمّى بـquot;وثيقة الاستقلالquot; التي نصّت على أن العربية هي لغة البلاد الرسمية الثانية.

ويمكن من خلال التجوال في المدن والقرى العربية داخل إسرائيل ملاحظة وجود لافتات على المحال التجارية مكتوب عليهاباللغة العبرية، إلى جانب أن المعاملات الرسمية كافة تكون باللغة العبرية.

العربية رسمية ولكن
في السنوات الخمس الماضية شهدت إسرائيل محاولات لشطب وإلغاء مكانة اللغة العربية في إسرائيل، إذ تقدم عدد من نواب اليمين، ومنهم من شغل ويشغل منصب وزير في الحكومة الإسرائيلية، إقتراحات قوانين لإلغاء مكانة اللغة العربية في إسرائيل.
لعل أبرز هذه المقترحات ما تقدمت به وزيرة الشباب والرياضة ليمور ليفنات في 2008 لشطب اللغة العربية كلغة ثانية في إسرائيل. تلت ذلك محاولات عدة من قبل نواب متطرفين لتقديم مقترحات لشطب العربية، كان آخرها عشية إحتفاء العالم بيوم اللغة الأم، يقضي بإلغاء المكانة الرسمية للغة العربية كإحدى لغتي الدولة الرسميتين، إلى جانب العبرية. وإبطال التشريع الإنتدابي في فلسطين من العام 1922، الذي أقرّ العربية والعبرية والإنكليزية كلغات رسمية، ويدعو إلى نفي صفة الرسمية عن اللغة العربية، وهو ما اعتبره ممثلو فلسطيني الـ48 مبادرة خطرة تستهدف مكانتهم وبقاءهم.

جبارين: خوف من غضب المجتمع الدولي
يوضح الدكتور يوسف جبارين رئيس مركز quot;دراسات للحقوق والسياساتquot; في حديث لـquot;إيلافquot; أن quot;مكانة اللغة العربية كلغة رسمية في إسرائيل مستمدة من القانون الانتدابي للعام 1922 الذي نص على اعتبار اللغة العربية كواحدة من لغات البلاد الأصلية، وقد امتنعت إسرائيل عن إلغاء هذه المكانة كي لا تغضب الهيئات الدولية، لكنها على أرض الواقع مارست منذ قيامها سياسات تهدف إلى طمس اللغة العربية، وفي كل مناحي الحياة وفي الحيز العام للدولة، وهكذا بقيت العربية رسمية قانونياً، لكنها مغيبة على أرضالواقعquot;.

ويضيف جبارين quot;إقتراحات القوانين المطروحة اليوم تهدف إلى إلغاء حتى هذا الطابع الرسمي الشكلي، التي تأتي من منطلقات ودوافع عنصرية وتحريضية على المواطنين العرب في البلاد، وأيضًا لسد الطريق على تدخلات مستقبلية من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية في قضايا يلتمس إليها الفلسطينيون حول اللغةquot;.

مكانة غير محمية دستوريا
جبارين يؤكد أن quot;مكانة اللغة العربية كلغة رسمية غير محمية من الناحية الدستورية في إسرائيل، لذلك إذا نجح نواب اليمين، وتوافرت لهم الغالبية في شطب مكانة اللغة العربية لدعم القانون، فقد يؤدي ذلك إلى إلغاء مكانتها، وأخشى أن لا تتدخل المحكمة العليا في حال تم تقديم أي الالتماس ضد القانون، الأمر الذي يعني أن القانون سيكون ساري المفعول ويلغي المكانة الرسمية لها، بعد حوالي قرنمن هذه المكانةquot;.

وأضاف quot;أود التأكيد أنه من الناحية السياسية والأخلاقية فإن رسمية اللغة العربية في البلاد مشتقة من كوننا سكان البلاد الأصليين، لذلك إلغاء هذه المكانة يتناقض مع الحميات التي يوفرها القانون الدولي للأقليات عامة، وللشعوب الأصلية خصوصاً، بحيث يؤكد القانون الدولي على ضرورة حماية لغة الأم وصيانتها وتطويرهاquot;.

ويؤكد جبارين أنه من المؤسف جداً أن السياسات الإسرائيلية حاليًا تتناقص في الممارسة هذه التشريعات الدولية، ومقترحات القانون الجديدة تعمّق من خروقات حقوق الإنسان الفلسطيني، وتزيد من سياسات إسرائيل الهادفة إلى طمس الهوية الوطنية الفلسطينيةquot;.

مواسي: عنصرية ضد العرب
من جهته، يقول الأديب والشاعر د.فاروق مواسي لـquot;إيلافquot; quot;دأب اليمين الإسرائيلي على العنصرية، فشرعوا قانوناً تلو القانون في سباق للتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه، ويبدو أنه كلما أوغل الفرد واستحكم في الباطل، فإنه لا يتوقف للحظة، ليعيد حساباته، أو ليراجع نفسه، فتراه يجد لنفسه الذرائع والمبررات والوسائل والإضافاتالأخرى لتنعكس بما يوافق موقفه، فقد أقنع نفسه أن الله وعده بهذه الأرض، وأنه عاش هنا قبل آلاف السنين، وأن له آثاراً على فلسطين، وأن البلاد يهودية، وأن اليهودية قومية، وأنه وحده هو السامي.

ويضيف مواسي quot;كان أكثر من تشريع قد سنّ في البرلمان الإسرائيلي لإعتبار العربية اللغة الرسمية الثانية، بل تأسس مجمع اللغة العربية في حيفا على هذا الإعتبار، وتجلى الإعتراف بأن بعض أعضاء الكنيست العرب يخطبون بلغتهم، ومع ذلك فالعمل بالقانون لم يكن نافذاً، فالعربية لم تكن مع العبرية في النماذج، وفي المحاضر، وفي تعليمات السفر في السفن أو الطائرات، وفي أوراق الدوائر كالتأمين الوطني مثلاً، بل عليك أن تجعل مراسلاتك بالعبرية، فمجالسنا المحلية وبلدياتنا لا تتكاتب إلا بهاquot;.

ويتابعquot;لم يكتفوا حتى باسمية أو شكلية الأمر، فجاء غلاة اليمين أولاًليغيروا أو ليعبرنوا الأسماء العربية، فنرى على لافتة صفد (تسفات)، ونرى على لافتة يافا (يافو)...إلخ. وكل ذلك هو ضمن الإلحاح على quot;يهودية الدولةquot;، ومطالبة الآخرين بالإعتراف بذلك، حتى ولو لم يكن للاعتراف أي معنى.

العربية تعاني مشكلة تهدد وجودها
يشير د. مواسي إلى أن quot;اللغة العربية تعاني أصلاً مشكلة في مكانتها، وليس ذلك قصراً علينا نحن فلسطيني الـ48، فقد حذرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم quot;ألكسوquot; من المخاطر التي تهدد اللغةالعربية، وذلك بمناسبة يوم اللغة العربية (1 آذار/ مارس)، وذكرت quot;المخاطرالتي تهدد العربية، وخصوصاً مواصلة الاعتماد على الإنجليزية والفرنسية فيمعظم الجامعات العربية، إلى جانب مزاحمة اللغتين في البرامج التلفزيونية والإذاعيةquot;، وقد دعت العرب كلهم إلى مواصلة البحث عن حلول لدعم مكانة اللغة، وتقوية حضورها في المجالات كافة.

ويبين أن quot;المشكلة ليست في قانون عنصري، بل هي فينا أولاً، فعلينا أن نحترم لغتنا، ونجلّ أربابها، وأن نحرص على النطق بها حفاظاً على هويتنا وشخصيتنا، فإن كان لديناالوعي الكافي فإن كل قوانينهم لن تحول بين الكلمة العربية والوجدان والفكر، فليس علينا أن نتعلل بهذا القانون السام أو ذاك، بل علينا أن نذكر أن لغة القرآن ستبقى، وقد ورد في الذكر الحكيم quot;وإنا له لحافظونquot;، وكل ذلك لن يشفع لنا ما دمنا لا نقرأ ولا نكتبquot;.

وأكد أنه quot;لا أظن أن قوانينهم الجائرة كلها تستطيع أن تبعدنا عن لغتنا وثقافتنا، فاللغة هوية، فهل يمكن أن ينسى إنسان وجوده وكيانه ومقومات حضارته؟quot;. وأضاف quot;لن تغيب العربية إلا بغياب أصحابها، فالمسألة ليست قرارات وتشريعات مأفونة، إنها مسألة وجودquot;.

وختم د.مواسي بالقول quot;في مجمع اللغة لا أظن أننا نستطيع أن نجابه عنصريين ونصدهم، فرأيي ورأي غيري وما يعبّر عن الرفض والاستنكار لا يكفي من غير نشاط سياسي فعلي من أعضاء الكنيست العرب ومن قلة الأعضاء اليهود المتعقلين. إنها قضية سياسية أولاً وقبلاًquot;. مؤكداّ أنه quot;علينا أن لا نـنـسى أن هناك قوانين كثيرة لا يعمل بها، ولكنهم يستخدمونها متى شاءوا ضد العرب، إنها قوانين لا يملك الإنسان إلا أن يسخر من عنصريتها وحقدهاquot;.