القاهرة: تبدو آثار مصر الإسلامية في خطر حقيقي نتيجة عوامل عدة أهمها الإهمال وعدم الترميم إضافة الي عامل الزمن الذي يجعل هذه الأثار في حالة ملحة الي صيانة مستمرة وترميم دائم للبقاء عليها وحفظها من التلوث الذي يغطي سماء القاهرة ويؤثر تأثيراً مباشراً علي تلك الآثار.

تناقص عدد الآثار الإسلامية في القاهرة

تُعّد مدينة القاهرة واحدة من أغني مدن العالم الاسلامي ذُخراً بالأثار الإسلامية ـ لاسيما تلك المتميزة بأنماطٍ معمارية نادرة تنتمي كلها الي العصور الإسلامية المختلفة بدءً بالعصر الإسلامي الأول في سنة 640 م وحتي نهاية سنة 1880م . أهمية هذه الآثارلمصر والعالم تكمن في انها تشكل تراثاً حضارياً إنسانياً يظل شاهداً علي تغير الحقب الإسلامية علي مصر بما مثلته من تغيرات معمارية وفنية تشهد بها مساجد مصر التاريخية.

وفق توصيات مؤتمر الدراسات والبحوث البيئية الذي عقد في القاهرة فإن هناك تناقص مستمر في عدد الآثار الإسلامية المسجلة في هيئة الآثار المصرية ، فقد تناقصت من 622 اثراً اسلاميا مسجل سنة 1951 الي 500 اثر فقط ، ويبدو ان السبب المباشر في ذلك هو تعرض تلك الآثار الي عوامل مدمرة تعرضت لها إما بصورة مباشرة او غير مباشرة.

خبراء الآثار بوجه عام يشددون علي الترميم العاجل للآثار الإسلامية في مدينة القاهرة التي تبدو من خلال قيامنا بجولة بين مساجدها التاريخية في حالة من التردي وتعاني إهمالاً شديداً ،علي سبيل المثال في حي الجمالية العتيق في قلب القاهرة نجد مسجد السلطان برقوق الكائن في شارع المعز ، يعاني هذا المسجد من حالة سيئة وصل اليها خاصة اذا ما عرفنا الأهمية التاريخية لهذا المسجد يكون السؤال لماذا هذا الإهمال؟ فالمسجد يمثل مجموعة قلاون المجاورة له وهي مجموعة من اروع المباني الأثرية في العصر الإسلامي ومعروف ان المسجد أنشأه الملك الظاهر ابوسعيد فرج بن البرقوق في سنة 786هجرية اي سنة 1384 ميلادية وكان ذلك في عهد بداية عصر المماليك الجراكسة ـ ان حالةهذا الآثر الكبير من واقع التقارير تقول ان غمر مياه المجاري للشارع الكائن فيه المسجد وصل ارتفاعها في بعض الأماكن الي 30 سم مما أثر علي الأساسات كما أنه زاد من نسبة الرطوبة بالجدران من جهة اخري ادي النشع علي الجدران الي سقوط طبقة الملاط الخارجية بكل ما تحمله من نقوش وزخارف.

آثار القاهرة تعاني الإهمال

بشكل عام تعاني كل الأثار الإسلامية الموجودة في قلب القاهرة داخل الكتلة السكانية من عوامل هدم عدة مثل حركة المرور المستمرة بالشارع وعوادم السيارات والورش المنتشرة بالمكان ، كل ذلك اضافة الي تعرض عناصر البناء في الأثار الإسلامية الي التآكل نتيجة الأكاسيد الحمضية الموجودة في بخار الماء ومن ثم التفاعل مع المواد البنائية.

الجولة داخل تلك المساجد الآثرية القديمة تظهر الي اي مدي وصل التدهور فالأعمدة الجرانيتية في المساجد تبدو وقد تأثرت بشكل كبير برشح المياه اضافة الي ان عامل التفاوت في درجات الحرارة بين 43 درجة في الصيف وهبوطه الي 8 درجات في الشتاء يؤدي ذلك الي تمدد وانكماش في العناصر المختلفة الموجودة في الجرانيت مما يساعد في التعرية وتقشر الأعمدة.

يري خبراء الترميم ان ابسط حلول المحافظة علي تللك الأثار تكمن في تغيير مسارات الصرف الصحي بعيدا عن المنطقة الأثرية في القاهرة ، كذلك العمل علي الحد من استخدام دورات المياه بالمساجد الأثرية ومن ثم اعادة توزيع حركة المرور حول المساجد.

في دراسة اخيرة اجريت علي جدران المساجد الأثرية في قلب القاهرة نجد ان نتيجة تحليل العينات التي اخذت منها تعدت نسبة الرطوبة فيها 20% كما تم العثور علي انواع من البكتيريا مثل zwnj;zwnj;Micrococcus.sp. وايضا Subtilis وهي البكتريا التي توجد عادة في الفضلات الأدمية مما يعزز فرضية اختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه الأرضية مما يشكل خطر كبير علي الأثار.

في جولة بين آثار حي السيدة زينب وبالتحديد في منطقة بركة الفيل كانت لنا وقفة مع مسجد آخر لا يقل اهمية عن مسجد السلطان برقوق وحالته لاتقل تدهوراً وسوءً عن مسجد السلطان برقوق انه مسجد حسن باشا طاهر الذي بني في مستهل ولاية محمد علي لمصر والذي يتميز بطابعة المعماري الخاص حيث يعتبر اول مسجد بني في العصر العثماني علي الطراز المملوكي ، ان رشح المياه في هذا المسجد ادي الي سقوط طبقات الملاط والنقوش اثناء عمليات النمو البلوري للأملاح في جدرانه.

كذلك فإن انتفاخ التربة وانكماشها المتكرر ادي الي هبوط شديد في المباني وادي الي ظهور العديد من الشروخ ، اثبتت التحاليل المعملية ايضا ان العينات المأخوذة من جدران المسجد ان سيلكات الكالسيوم تصل الي 35% وكلوريد الصوديوم الي 29%وكربونات الكالسيوم الي 17% وهي نسبة تؤكد مدي تاثر الجدران بالرطوبة والاملاح ، كذلك فإن نسبة كبيرة من كربونات الكالسيوم الموجودة في الرخام تحولت الي كبريتات الكالسيوم ، لذلك فإن هناك اقتراحات عديدة للحفاظ علي هذا الأثر الهام يكمن في سرعة العمل علي عزل جدران المسجد لمنع تسرب المياه اليه.

اذا كان العامل البشري دوره خطير اما بالسلب او الإيجاب علي كل المباني الأثرية فيجدر الإشارة الي ان الأثار الأسلامية لم تبن لتعزل عن المجتمع فهي بطبيعتها تستخدم دائما لآداء الشعائر لذلك يجب الا يكون استخدامها بصورة ضارة ولا تستغل استغلالاً غير سليم يؤثر في طبيعتها ولا يجب ان تتغير معالمها الداخلية او الخارجية لتناسب اهواء مستغليها ـ لقد اعدت التقارير والدراسات المختلفة لبيان مدي تأثر المباني الأثرية المختلفة بهذه الإشغالات ، من جهة أخري تشير التقارير الأثرية الي خطورة هذه الأوضاع وضرورة ازالة هذه التعديات التي وصلت لدرجة هدم اجزاء من المباني واقامة اسقف خرسانية داخل بعض المباني الأثرية، كذلك فمن المهم ان يفعل الإقتراح بشأن ضرورة انشاء جهاز خاص ينسق بين هيئة الآثار ووزارة الاوقاف المصرية من أجل حماية هذه الآثار.