على الرغم من بعض المشاكل التي وقعت بين مصر ودول حوض النيل بسبب حصتها من المياه يرى عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة محمود أبو العينين أنّ فتيل تلك الأزمات إنتهى بعد ثورة 25 يناير.


عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة محمود أبو العينين

أشرف السعيد من القاهرة: دعا عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة محمود أبو العينين في حواره مع quot;إيلافquot; إلى إنشاء منظمة إقليميَّة شاملة للتنمية لدول حوض النيل، وتحقيق إطار مؤسسي ناجح للعلاقات بما يسمح بإدارة المياه بشكل لا يؤثر سلبًا على دول حوض النيل.

وحثّ أبو العينين الدبلوماسيّة المصريّة الرسميّة الجديدة إلى بذل جهود لفهم العقلية الأفريقيَّة، لافتًا إلى ضرورة الاهتمام برفع حجم التبادل التجاري والإستثمارات المصرية في أفريقيا.

على الرغم من بعض المشاكل التي وقعت بين مصر وباقي الدول بسبب حصتها من المياه بدءاً باتفاقية 1959 وبناء السد العالي ووصولاً إلى حادثة أديس أبابا عام 1993، إلا أن أبو العينين يرى أنّ فتيل تلك الأزمات إنتهى بعد ثورة 25 يناير، مشبهًا علاقة دول حوض النيل ببعضها كأعضاء الجسم، لا يمكن الإستغناء عن عضو واحد. وطلب أبو العينين من حكومة شمال السودان أن تكون حلقة وصل جيدة بين مصر وجنوب السودان. وفي ما يلي، أبرز المواضيع التي تطرق إليها الحوار:

نظرة إفريقيّة إيجابيّة
bull; كيف تصف نظرة دول أفريقيا لمصر بعد قيام ثورة 25 يناير؟
أصبحت أكثر إيجابية وتفاؤلاً خصوصاً لدى دول حوض النيل، فقد إسترجعت هذه الثورة إلى الأذهان ثورة 23 يوليو العام 1952، وأعادت لمصر دورها النموذجي المتمثل في قدرة الشعب عن طريق الإحتجاج السلمي على تقرير مصيره السياسي، وأن يسقط قادة وأنظمة سياسية فاسدة، ولا شك أن الجيش المصري قام بدور مشرف بوقوفه إلى جانب الشعب ومؤازرته حتى تحقيق النصر والحرية.

إهمال القارة الأفريقية... غلط!
bull; هل ترى برأيك أنّ نظام مبارك قد أهمل قارة أفريقيا ودول حوض النيل تنفيذاً لأجندات خارجية كانت مفروضة عليه أم لتطلعات سياسية شخصية فاتجه إلى الغرب وأهمل الجنوب؟
خلال فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات، كان لمصر بعض الإجتهادات والتحركات لا يمكن إغفالها، ولكن بعد وقوع حادثة أديس أبابا تم إهمال القارة الأفريقية من جانب مبارك هذه نقطة. وأصبح لدبلوماسية القمة هناك مشاكل كثيرة لم يتم حلها. أما النقطة الثانية فتمثّلت بتوجّه النظام السابق نحو أوروبا والولايات المتحدة وبعض القوى الأخرى، متناسيًا أن القاعدة الرئيسيَّة التي تنطلق منها مصالح مصر هي أفريقيا، وهذا كان واضحًا في السنوات الخمسة عشرة الأخيرة من عمر النظام السابق.

العهد الذهبي
bull; متى يُعتبر العصر الذهبي للدبلوماسية المصرية في القارة الأفريقية ودول حوض النيل؟
مرّت الدبلوماسية خلال فترة الخمسينات والستينات حتى مابعد منتصف السبعينيات من القرن الماضي بمرحلة ذهبية حقيقية، ولا سيما بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية - الأفريقية الأول العام 1977، حيثشكّلت مصر دور الدولة المحورية في النظامين العربي والأفريقي بقدر كبير، على الرغم من ظروف حرب العام 1973 وما تلاها من تطورات، ولكن بعد تلك الفترة بدأنا نشهد شكلاً من أشكال المعاملة التقليدية والروتينية مع دول القارة الأفريقية الشقيقة وهذا ما انعكس سلبًا على علاقتنا بالقارة.

أفكار تنفذ وأخرى لا توجد آليات لتنفيذها
bull; ماذا عن دور المعهد في طرح أفكار ومشروعات بحثية من شأنها تطوير العلاقات المصرية - الأفريقية؟
نطرح دوماً أفكاراً لتحسين علاقات مصر بدول حوض النيل وبالقارة الأفريقية سواء في مؤتمراتنا أو ندواتنا أو التقرير الإستراتيجي الأفريقي السنوي الصادر عن المعهد، كما نطرح الرؤى الخاصة بالمدرسة العلمية المصرية في هذا الموضوع، وكله مطروح أمام الأجهزة التنفيذية سواء الحكومية بأجهزتها ومؤسساتها المختلفة، ومع ذلك نجد أن هناك أفكارًا يتم تنفيذها، وأخرى لا توجد لها آليات، هناك العديد من الأفكار معروضة أمام الحكومة لكن إمكانية الإستفادة منها وتنفيذها ليست من مسؤوليتنا كأكاديميين بل على الأجهزة التنفيذية الحكومية.

المشكلة بعمر عبد الناصر
bull; هل أثير سابقًا ملف مياه النيل بين مصر ودول الحوض خلال عهدي عبد الناصر والسادات، أم فقط في عهد مبارك نظرًا لإهماله ملف شؤون أفريقيا ولأغراض سياسية خارجية؟
ظهرت تلك المشكلة في عهد الرئيس عبدالناصر منذ إتفاقية العام 1959 وبناء السد العالي، وكان هناك اعتراض مستمر من جانب دول حوض النيل، لكن إستطاعت مصر تجاوزه نظرًا لقوة دورها الإقليمي، وعندما يتراجع الدور الإقليمي للدولة تظهر المشاكل، وبالتالي تكون إنعكاساتها السلبية أكثر، هذا هو الفرق بين دور مصر الإقليمي القوي ودورها في الفترة الأخيرة .

تأثير المتغيرات في المنطقة
bull; ما هي رؤيتك لمشكلة مصر الراهنة مع دول حوض النيل، وماذا عن الإتفاقية الإطارية التي لم توقع مصر عليها، والعلاقة مع والسودان والكونغو الديمقراطية وأريتريا ؟ وماهي أسباب الأزمة ؟ وماهي الحلول المقترحة ؟
أساس أزمة مصر مع دول حوض النيل حول الحصة في مياه النيل معقّدة منذ سنوات طويلة فيها إهمال من جانب مصر وتغيرات كبيرة طرأت في المنطقة، إضافة للمستجدات التي حدثت في دول حوض النيل بينها مصر، كل هذا أدى إلى إعادة النظر في المواضيع المطروحة خصوصًا مبادرة حوض النيل التي بدأت في فبراير العام 1999 والتي كانت تستهدف تنمية الموارد المائية للدول كلها، لكن بدأ يظهر داخلها توافق على فكرة إعادة توزيع حصص المياه لدول الأعضاء بشكل منصف، وهذه الفكرة جذبت المفاوضات بين الأطراف في كل دول حوض النيل أكثر من فكرة تنمية الموارد المائية.

يتابع أبو العينين: دخلوا في موضوع إعادة توزيع الحصص وتركوا الهدف الأكبر وهو تنمية الموارد بالنسبة إلى كل دول حوض النيل، حيث كانت كل دولة تأمل أن يتاح لها فرصة في حصة إضافية من الموارد المائية تضاف إلى حصتها الأساسية، وهنا يمكننا القول بأن مبادرة دول حوض النيل تعثرت وبحاجة إلى إعادة النظر من جانب دول الحوض بعدما أصبح لدينا مجموعة من دول أعالي النيل تأخذ موقف فردي في إطار إتفاقية عنتيبي ودول المصب لها موقف مفهوم ومعروف ومعارض، وهناك بعض الدول لم تقرر بعد مثل أريتريا والكونغو الديمقراطية.

يضيف:quot; نحتاج في الفترة الحالية لتصحيح الأوضاع خصوصًا بعد نزع فتيل الأزمة في هذا الملف بعد ثورة 25يناير و زيارة الوفود الشعبية التي زارت أثيوبيا أخيرًا، و بعد محادثات الحكومة الجديدة في مصر مع بعض أطراف دول حوض النيل وخصوصا أوغندا وأثيوبيا، لكن هناك تأجيلاً بإعادة النظر في الموضوع لحين إستقرار الأوضاع في مصر، وأعتقد أن لكل مشكلة حلاًّ، خصوصًا أن دول حوض النيل تربطهم علاقات إلهية متميّزة تجمعهم أكثر مما تفرقهم، والنيل بحد ذاته رابط عضوي بينهم، ولا أعتقد أن أحدًا يستطيع الوقوف في وجه تلك العلاقات، وأنا متفائل بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، وهناك إمكانية لحل هذه المشكلة وطرح مستقبل أفضل لدول حوض النيل لأنه الإطار الإقليمي والقاعدة الأساسية لكل دول الحوض سواء بإنشاء منظمة إقليمية شاملة للتنمية فيها أو الوصول إلى إطار مؤسسي ناجح للعلاقات وإدارة المياه بشكل لا يؤثر بالسلب أو بالضرر على أي دولة من دول الحوض.

فرصة لإعادة النظر
bull; من المقرر أن يتم الإعلان في شهر تموز (يوليو) المقبل عن ولادة دولة جنوب السودان. ما هي النتائج المرتقبة على مصر ومياه النيل؟ وهل يمكن فيما بعد إستئناف العمل في قناة quot;جونجليquot; التي توقف العمل فيها نتيجة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في السابق؟
يفترض على دولة جنوب السودان المرتقبة أن تكون ملتزمة بحكم التوارث الدولي للمعاهدات في إتفاقية عام 1959، وفي هذا الإطار فإن الدولة الجديدة تعتبر من دول المصب، أما النقطة الثانية فهناك مشروعات مشتركة بين مصر وجنوب السودان و بين الشمال والجنوب تسمح بإستئناف المشروعات الكبيرة المائية التي كانت قد بدأت في الثمانينات القرن الماضي وتأجلت بفعل الحروب الأهلية وعدم الإستقرار، وهذه فرصة بعد إستقلال جنوب السودان لإعادة النظر في المشاريع التي ستعمل على زيادة الموارد المائية الواردة إلى السودان شمالاً وإلى مصر، وأعتقد أن المناخ أصبح مناسبًا للقيام بمثل هكذا مشروع في المستقبل، وأي نوع من التوتر ليس في مصلحة السودان ولا مصر ولا جنوب السودان، لذا أرى أن الترحيب بإقامة دولة جديدة والإستقرار في العلاقات والدور التنموي سواء من جنوب السودان وشماله، أو من مصر سيحمل لكلا الطرفين مناخًا جديدًا يساعد على حلّ جزء كبير من مشكلة المياه كما أن جنوب السودان لا يحتاج إلى المياه كثيرًا على عكس شماله، ومن مصلحة السودان الشمالي أن يكون حلقة وصل جيدة بين مصر وجنوب السودان.

bull; ما هو تصوّرك المستقبلي للعلاقات المصرية-الأفريقية؟
نأمل من مصر خلال الفترة القادمة أن تعالج كافة السلبيات التي عانينا منها في السنوات الأخيرة، خصوصًا في مجال التكامل الإقتصادي، وتفعيل الدور المصري الإستثماري في دول حوض النيل بشكل خاص ودول القارة الأفريقية بوجه عام. ونحن عضو في تجمع دول الكوميسيا وجزء كبير منها ولدينا تجمع دول الساحل والصحراء ويضم 28 دولة أفريقية حتى الآن، لكننا نحتاج للإنطلاق بشكل أقوى، ونطلب أن يكون هناك دور حكومي وشعبي في هذا الإطار.