طلاب عراقيون في جامعة هندية

يتهافت شباب العراق على الدراسة الجامعية خارج العراق على نفقتهم الخاصة، لنيل شهادات عليا في الطب والهندسة والإقتصاد واللغات، في ظاهرة أصبحت الشغل الشاغل للطلاب وعائلتهم.


يتزايد في الآونة الأخيرة تهافت الطلاب في العراق للدراسة في الخارج لأسباب عدة، أهمها الرغبة الجامحة في الحصول على شهادة عليا، ثم ارتفاع القدرة المعيشية للعائلة العراقية، حيث يمكنها ذلك من تسديد نفقات دراسة أبنائها في الخارج، إضافة إلى مواجهة الطالب صعوبات الحصول على مقعد دراسات عليا داخل بلده أو زمالة دراسية (الإبتعاث) في الخارج، بسبب فساد إداري جعل هذه الزمالات من حصة أقارب وأبناء مسؤولين ومتنفذين في الجامعات والوزارات المختلفة.

وفي الوقت الذي ينشغل فيه مرتضى باسم (20 سنة) بعمله في محل والده، فإنه يستعد للسفر إلى الهند، لدراسة الطب، بعدما فشل في الحصول على مقعد في إحدى جامعات العراق بسبب معدله الدراسي. لكن أمنيته في أن يصبح طبيبًا دفعته إلى البحث عن جامعة أجنبية، فاختار الهند. ويفسرمرتضى اختياره لهذا البلد، إلى انخفاض تكاليف الدراسة فيه، وموافقة الجامعة هناك على دراسته الطب، على رغم انخفاض معدله الذي لم يتح له أن يقبل في جامعة يرغب فيها في العراق.

ويشير بإصبعه إلى إعلان لوكلاء جامعات يتولون تنظيم القبول، وهذا الإعلان هو واحد من مئات الاعلانات المنتشرة في المدن، تشجع الطلاب على الدراسة في الهند ودول شرق آسيا وأوكرانيا وروسيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية.

الأفضلية لدراسة الطب

تنظم المكاتب عمليات تسهيل قبول الطلاب، بكفاءة عالية، فبحسب طلاب التقتهم quot;إيلافquot;، فإن عمليات القبول ناجحة لا يشوبها خداع أو تضليل، وبحسب حسين اللامي، وهو خبير في اجراءات القبول في جامعات الهند وماليزيا، فإن مئات الطلاب تم قبولهم في هذه الدول عبر السنوات الماضية، ومنهم من حقق نتائج علمية جيدة.

ويؤكد اللامي أن هذه المكاتب توفر للطلبة مقاعد في جامعات مرموقة، تمنح شهادات معترف بها، يمكن للطلاب العمل بها في دول العالم المختلفة. ويعترف أنمعظم طلاب العراق يفضلون دراسة الطب، مما يوفر زخماً كبيراً يتسبب في نفاذ المقاعد المتفق عليها، وتأتي دراسة الهندسة في الدرجة الثانية.

اللغة الانكليزية

نصير صبري طالب سنة أولى في هندسة الاتصالات، في جامعة (بونة) الهندية، قال إنه سعيد لدراسته هناك، ووصفها بالممتعة، لكنها صعبة، لاسيما وأن لغته الانكليزية هي أقل مستوى مقارنة مع أقرانه الهنود ومن دول أخرى.

ويتابع نصير أن هذا ما يعانيهمعظمص الطلاب العراقيين، وحتى الأساتذة الهنود لاحظوا المستوى المتدني للطلاب العراقيين في ما يخص اللغة الانكليزية. ويشير نصير الى ان زملاء له يدرسون الطب والهندسة واللغات في ماليزيا وأوكرانيا.

من جانبه، يفكر سليم الأسدي، وهو صاحب معرض سيارات في محافظة بابل، بإرسال ابنه لدراسة الهندسة في اوكرانيا، لأن معدله لم يتح له القبول في جامعة عراقية. واختار الأسدي أوكرانيا لأن له أخا يسكن هناك، تعهّد له بتنظيم إجراءات القبول، وتوفير مسكن لابنه أيضاً.

لماذا الهند؟

عن سبب اختيار الهند، يتحدث حيدر الياسري، وهو في السنة الثالثة في كلية الطب، ان الرسوم الدراسية والمعيشية مناسبة، اضافة الى سهولة الحصول على تأشيرة سفر، كما إن اللغة الإنكليزية هي المتبعة هناك، وفضلاً عن ذلك فإن الهنود يكنّون الاحترام للعرب والمسلمين. وتتراوح تذكرة السفر الى الهند، بحسب الياسري، بين (600 ndash; 650 دولار). أما ايجار السكن فيتراوح بين سبعين الى أربعمائة دولار، حسب نوعية المكان وموقعه.

ويرى الأستاذ في جامعة بابل نادر الحلي أن معظم المكاتب التي تنظم عمليات القبول هي مكاتب ترجمة في حقيقتها، لكنها تحولت لكثرة الطلب، الى مكاتب وساطة بين الطالب والجامعة، حتى اذا توثقت علاقة العمل، توسعت في خبرتها كوسيط، وفي الوقت نفسهزادت من اسعار خدماتها.

التعليم العالي في العراق

نظام التعليم العالي في العراق من أعرق النظم التعليمية في الشرق الأوسط، شرع في مهامه منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، وكان نظام البعثات ركنا أساسيا فيه، حيث تزايدت أعداد طلبة البعثات الدراسية، لكنها تعثرت بسبب الحروب والحصار الاقتصادي.

كما اهتم نظام الرئيس السابق صدام حسين بالبعثات، وأرسل مئات الطلاب لتلقي العلم في أرقى جامعات العالم، لكنه بحسب الدكتور أمين الساعدي، وظف الكثير منها لخدمة أهدافه في توسيع القدرات القتالية والتصنيع العسكري.

ويشير الى ضرورة عدم انسياق الطالب بطريقة عمياء وراء الإعلانات والعروض المغرية بهذه المكاتب، ويتوجب عليه التأكد من حقيقة تلك الجامعات، ومستواها العلمي، عبر الجهات العلمية العراقية، وان يتأكد من أن شهاداتها معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي العراقية.

ومازال الطالب العراقي يواجه صعوبات الحصول على مقعد دراسات عليا داخل العراق، أو زمالة دراسية في الخارج، بل إن طلابًا وجامعيين يلمحون الى فساد اداري يشوب الزمالات الدراسية التي كان الكثير منها من حصة أقارب وأبناء مسؤولين ومتنفذين في الجامعات والوزارات المختلفة. وعلى رغم ذلك، يشهد العراق قفزة نوعية في حجم المبتعثين للخارج، قياسًا الى الثمانينيات والتسعينيات، حيث كان الولاء للنظام والحزب معيارًا للقبول في الزمالات والدراسات العليا.

وكانت وزارة التعليم والبحث العلمي قد فتحت باب البعثات الدراسية إلى خارج العراق عام 2005 بأعداد ضئيلة، وكانت تلك أول مرة يرسل فيها العراق طلبة إلى الجامعات العالمية منذ 35 عاماً. ومنذ ذلك الوقت أرسلت آلاف البعثات الدراسية خارج العراق. وتوزعت البعثات بواقع 1.000 بعثة خلال العام الدراسي الحالي (2010-2011) و500 بعثة للعام الدراسي المقبل (2011-2012) و2.000 بعثة للعام الدراسي التالي (2012-2013).

وشهد عام 2011 إرسال حكومة إقليم كردستان، مئات الطلاب في بعثات دراسية إلى الخارج لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه ضمن برنامج بناء القدرات البشرية. وبحسب كوفند شيرواني، مدير عام البعثات والعلاقات الثقافية في الاقليم، فإن ارسال الطلبة المتميزين يتم اختيارهم على اساس المنافسة والمستوى العلمي والقدرات اللغوية كذلك مع اخذ بنظر الاعتبار السن.

جامعات روسية

تميم الخزاعي يدرس الفيزياء النووية في روسيا منذ سنتنين على نفقته الخاصة، يقول انه تفاجأ بكثرة الطلاب العراقيين المتخرجين من جامعات روسية، ولم يعودوا الى بلدهم، وفي الوقت عينهفإنهم من دون عمل هناك. ويقلق الخزاعي من أن يكون مصيره مثل هؤلاء. ويتحتم على الطالب ان يدرس اللغة الروسية، حيث يتوجب عليه الانخراط في دور تعلم اللغة ويبلغ سعر الدورةحوالي 1400 دولار، وتبلغ تكاليف الدراسة سنويًا حوالي أربعة آلاف دولار.

ويتحدث الخزاعي عن صفقات بين مكاتب وجامعات روسية بهدف الحصول على مقاعد دراسية للعراق، تحصل فيها تلك المكاتب على مبالغ كبيرة بسبب رفعها أسعار تلك المقاعد التي غالبًا ما تكون بأسعار مناسبة في الأصل.

وبحسب الخزاعي، فإن قلة تجربته قادته الى التعامل مع مكتب رتب له إجراءات القبول، لكنه اكتشف الان ان هذا المكتب ربح منه كثيرا، وانه دفع ضعف التكاليف الحقيقية. ويتابع: أستطيع الآن ترتيب إجراءات القبول لأي شخص داخل العراق وبكلفة اقل بكثير من أسعار المكاتب التي تبتز الطالب على حد قوله.