أعضاء في حزب العمال في المغرب يوزعون منشورات على خلفية حملة الإصلاح التي ستشهد وضع دستور جديد للبلاد

يُجمع الملاحظون على أن المغرب دخل مرحلة تاريخيّة في حياته السياسيّة، بإعلان الملك محمد السادس عن مشروع دستور جديد يعرض على الاستفتاء، وإن كان لم يستجب إلى تطلعات مجموعة من الفاعلين المدنيين والسياسيين، فهو ألقى بحجرة ثقيلة في الحياة الدستورية المغربية التي ظلت راكدة منذ 1996، كنتيجة عملية وأولية لحراك سياسي شبابي تعرفه البلاد.


تقول المتخصصة في الشأن العربي أنياس لوفالوا لدى سؤالها إن كان المغرب دخل بهذا الدستور إلى quot;ناديquot; البلدان الديمقراطية quot;لا أدري إن تم ذلك بالفعل، لكن الأكيد هو أنه بهذا الدستور الجديد دخل تحولاً ديمقراطياً بمسؤوليات موسعة لرئيس الحكومةquot;.

وأضافت لوفالوا quot;مراجعة الدستور كانت نتيجة عمل تشاركي، واستشارة غالبية الأحزاب والنقابات وعدد من الجمعيات. وكانت فرصة لنقاش ثري للتقدم على نهج مقاسمة المسؤوليات والسلطة بين الملك والوزير الأول المنتمي إلى الحزب الفائز في الانتخاباتquot;.

و تابعت لوفالوا، محللة مشروع الدستور المغربي لـ quot;إيلافquot;، quot;استقلالية القضاء هي بدورها نقطة قوة في هذا الإصلاح، ومن الأنسب أن ننتظر الآن الاستفتاء لمعرفة رد فعل الشعب وإن كان يريد تبنيهquot;.

وعلقت على مواقف الأحزاب المغربية من الدستور الجديد بقولها: quot;العديد من الأصوات ارتفعت لتحيي النص الجديد معترفة أن الملك أوفى بالتزاماته التي قدمها في خطاب 9 مارس، كإشارة إلى أنه له من الإرادة ليأخد في الاعتبار المطالب المعبر عنها من طرف المتظاهرينquot;.

quot;لكن هؤلاء الذين تجمعهم حركة 20 فبراير، توضح لوفالوا، quot;لم يقبلوا بهذا النص بدعوى أنه لم يذهب بعيدا. الكرة الآن هي في شباك هذه الأحزاب السياسية حتى تكون ممثلة للتنوع الثقافي وتساعد على لعبة سياسية مفتوحة بالقدر الكافي للسماح للتناوب السياسي و مصداقية المسلسل الانتخابيquot;.

وترى لوفالوا أن quot;هذه التغييرات تتوخى تدعيم أسس الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية، بحسب ما أعلن عنه الملك محمد السادس، و بالتالي ليست هناك ملكية برلمانية في الوقت الحالي، وهو ما كانت تطالب به حركة 20 فبراير التي خيب أملها، لأنها كانت تريد فصلا للسلطةquot;. وتعتقد المتخصصة في الشأن العربي quot;أن هذه التغييرات في المغرب يجب أن تكون بالتدرج، والإعلان عن هكذا دستور هو خطوة نحو الأمام لها دلالتهاquot;.

دستور إيجابي

ويرى الباحث المغربي يوسف لهلالي أن quot;هذا الدستور المطروح على الاستفتاء هو إيجابي ويحاول الإجابة على مطالب مختلف مكونات المجتمع المغربي بكل تناقضاتهاquot;. ويحدد أهم الإصلاحات التي جاء بها هذا الدستور quot;في تحول ملك البلاد من quot;الملك المقدسquot; الى quot;الملك المواطنquot;، الفصل بين السلطة والصلاحيات الواسعة لرئيس الحكومة، ليحتفظ الملك بإمارة المؤمنين والإشراف على الجيشquot;.

ويضيف لهلالي quot;هذه الإصلاحات الكبرى كانت مطلبا لعدد من الأحزاب التي رفعت مذكرات للملك قبل 20 فبراير.وتحدثت عن الإصلاح في مؤتمراتهاquot;. وquot;الجانب الأهم بالنسبة له كمواطن مغربي في المهجرquot;، يقول لهلالي، هو quot;المساواة في الحقوق سياسيا مع مواطني الداخل وإمكانية المشاركة في عدد كبير من الهيئات داخل المغرب لإسماع صوت المهاجرquot;.

الدستور وحده لا يكفي

لكن الدستور لوحدهلا يكفيليعرف البلد طفرة سياسية حقيقية، quot;فالأساسي اليومquot;، بحسب لهلالي، quot;هو العمل على تفعيل ما جاء به الدستور الجديد وتحقيق إصلاحات أساسية في اتجاه خدمة المواطنين، أي عودة السياسة إلى هدفها النبيل، و هو خدمة الصالح العامquot;، على حد تعبيره.

وهو ما يؤكده الأكاديمي الشرقاوي الروداني بقوله إن quot;الدستور ليس إلا مجموعة من التشريعات التي لابد من تفعيلها بوجود ميكانيزمات قوية كأحزاب سياسية قوية، ووجود موارد بشرية متكونة ونخبة همها الأول هو مصلحة الوطن والرفع من شأنهquot;.

وفي الإطار نفسه، ترى الإعلامية المغربية صوفيا المنصوري أن quot;الرهان لا يجب أن ينصب على الدستور في حد ذاته، فأي كان سمو ودقة بنوده لابد من وجود الآليات القادرة على تطبيقه واحترامه وفرض احترامهquot;.

لتصل، متحدثة لـ quot;إيلافquot;، إلى quot;ضرورة قيام الأجهزة الوسيطة من أحزاب ونقابات و منظمات مدنية ونخب، بدورها في تنزيل بنود الدستور الجديد شكلا ومضمونا إلى أرض الواقع بيسر وانسيابية، مع تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد و الرشوةquot;، تفيد المنصوري.

دسترة الحريات الأساسية وتفعيل للمؤسسات

ويعتبر الشرقاوي أن quot;المغرب، ومن خلال مسودة مشروع الدستور الجديد، دخل مرحلة جديدة في تكريس دولة القانون و المؤسسات الديمقراطيةquot;، موضحا أن quot;اللافت فيه هو دسترة ، وهذه مسألة استثنائية في دول العالم الإسلامي، الحريات والحريات الأساسية من خلال الباب الثاني من الدستور، فصل السلطة وخلق آليات مدسترة لتوازنها لكي تعمل في انسجام من شأنه أن يؤسس لديمقراطية تمثيلية قويةquot;.

وجعل هذا الدستور الجديد، بحسب الشرقاوي في قراءة له خاصة بإيلاف، quot;من بعض المؤسسات، التي كانت صورية، أكثر دينامكية و ألزمها تفعيل آلياتها المحددة بقانون الدستورquot;.

ويتابع في الاتجاه نفسه أن quot;هذه الآلية الدستورية سيكون لا محالة لها تأثير كبير على خلق ديمقراطية تشاركية قوية، كما أنه جاء بفهوم لفصل السلطة يمكن بذلك مساءلة رئيس الحكومة، الذي أصبح، بقوة الدستور، يتعين من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية ويقود حكومة مكونة من الأغلبية في البرلمان، و بالتالي فالدستور القادم دستر وبكل المقاييس المنهجية الديمقراطيةquot;، يقول الشرقاوي.

quot;الملك احتفظ بحق الفيتوquot;

من جانبه، يرى الإعلامي السويسري كلود أوليفيي فولوز المتخصص في شؤون المنطقة المغاربية أن quot;الإصلاحات الدستورية التي أعلن عنها الملك تعتبر تقدماً كبيراً على عدة مستويات.فهي تعزز المساواة بين الرجل والمرأة وتجعل من الأمازيغية لغة رسمية. وهذه مسألة جديدة كلياquot;.

ويتابع quot;لكن لا يجب أن نتوهم كثيرا. فبخصوص مسؤوليات الملك، الإصلاحات المعبر عنها هي بعيدة عن النظام الديمقراطي كما يتصور في أوروبا. الملك قوى صلاحيات الوزير الأول لكنه يحتفظ بحق الفيتو على جميع القرارات تقريبا. يرأس مجلس الوزراء ويبقى قائدا للجيشquot;.

وأوضح أوليفي، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;أن هناك من يقول إن المغاربة غير مؤهلين بعد للديمقراطية، لكن في المقابل لا يوضع أي شيء لتطوير المجال التربوي... والمفارقة الثانية هو أننا نتحدث عن الديمقراطية في المغرب ونبعث في الوقت نفسه بأمنيين لترهيب كل شخص يعبر عن رأي مخالفquot;، بحسب رأيه.