كركوك: دشنت في كركوك، شمال بغداد، اول كنيسة منذ اجتياح العراق بقيادة الولايات المتحدة الاميركية العام 2003، في مجمع سكني لجأت اليه عائلات مسيحية من محافظات اخرى هربا من اعمال العنف.

ويأتي افتتاح quot;كنسية القديس بولسquot; بعد انخفاض اعداد المسيحيين العراقيين بسبب موجة العنف التي شنتها جماعات مسلحة وابرزها تنظيم القاعدة واستهدفتهم في عموم العراق.

وقال المطران لويس ساكو رئيس اساقفه كركوك للكلدان في كركوك والسليمانية وأحد ابرز الشخصيات المتخصصة بحوار الأديان، خلال حفل تدشين الكنيسة الذي اقيم الخميس، ان quot;المسيحيين والمسلمين بحاجة الى بعضهم البعضquot;.

واضاف خلال الاحتفالية التي حضرها نحو ثلاثمئة شخص quot;نحن بحاجة لبعضنا البعض ولا نستطيع ان نعيش حياتنا بانعزال لانه يعد موتا بطيئاquot;.

وتابع quot;علينا ان نعيش حياة مشتركة كمسيحيين ومسلمين في بلدنا الحقيقي في امن وكرامة واستقرارquot;.

واكد ساكو ان quot;هذه الكنيسة هي الاولى التي يتم افتتاحها في العراق منذ عام 2003quot;.

وشدد على انه لا فرق بين quot;الكنيسة والجامع كونهما اماكن عبادة لبناء قلوب الناس وصقلهم بقيم الخير والتسامح وابعادهم عن العنف والكراهيةquot;.

وتقع كنيسة مار بولس في حي سيكانيان في منطقة شيراو على بعد عشرة كيلومترات شمال مدينة كركوك. ويتمتع هذا الموقع باستقرار امني كبير لقربه من موقع شركة نفط الشمال.

وكانت اعداد المسيحيين في العراق تراوح بين 800 الف ومليون ومئتي الف نسمة قبل الاجتياح الاميركي ربيع العام 2003، وفقا لمصادر كنسية ومراكز ابحاث متعددة.

ولم يبق منهم سوى اقل من نصف مليون نسمة اثر مغادرة مئات الالاف، كما انتقل بضعة الاف الى مناطق آمنة في شمال البلاد مثل سهل نينوى واقليم كردستان.

وتعرضت كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد لهجوم في 31 تشرين الاول/اكتوبر 2010 ادى الى مقتل 44 مصليا معظمهم من النساء والاطفال وكاهنين، تبنته quot;دولة العراق الاسلاميةquot;، الفرع العراقي لتنظيم القاعدة.

ويعد هذا الهجوم الاكثر دموية ضد الطائفة المسيحية في العراق منذ الغزو الاميركي في 2003. وقد دفع بعدد كبير من المسيحيين الى ترك البلاد.

وتخدم الكنيسة الجديدة عائلات تعيش في مجمع يضم 200 وحدة سكنية اغلبها عوائل مسيحية واخرى اضطرت لمغادرة منازلها حيث كانت تعيش في بغداد والموصل، هربا من العنف.

واقيم حفل كبير في القاعة الرئيسية للكنيسة جمع رجال دين مسيحيين ومسلمين ومسؤولين في المحافظة وممثلين عن الاحزاب السياسية واخرين عن مكونات كركوك.

وفي مبادرة تدل على وحدة العراقيين، شارك احمد محمد امين احد رجال الدين المسلمين بتلاوة دعاء خلال مراسم الافتتاح لمباركة تدشين الكنيسة وعلى امل ان يحل السلام والامان على العراق وكركوك.

وقال رئيس مجلس محافظة البصرة حسن توران الذي حضر حفل التدشين ان quot;افتتاح الكنسية في محافظة كركوك يعد رمزا للتسامح ورسالة سلام لتأكيد التعايش والتآخي بين اطيافهاquot;.

واكد ان quot;مجلس المحافظة سيواصل دعمه المالي والمعنوي للمسيحيينquot;.

من جانبه، اعتبر النائب عماد يلدا عضو مجلس النواب العراقي عن الحركة الاشورية، ان افتتاح الكنيسة هو quot;فرصة عظيمة لجمع مكونات كركوك ورسالة للمسيحيين على ضرورة بقائهم وعدم رحيلهم عن المدينة مهما واجهتهم من مصاعبquot;.

واعتبرها quot;خطوة على خارطة طريق لوقف ارغام المسيحيين على الرحيل عن بلدهم العراق كونهم اساس حضارته وتاريخهquot;.

بدوره، قال عبد الرحمن العاصي القيادي في المجلس السياسي لعرب كركوك، ان quot;المسيحيين العراقيين عموما ومسيحيي كركوك هم صمام الامان الذي يوحد مكونات كركوك ويدعم وحدة العراقيين عموماquot;.

واكد ان quot;تجمعنا اليوم دليل على تماسك وعمق العلاقة بين اهالي كركوكquot;.

وتم بناء الكنيسة على ارض منحتها الحكومة العراقية وتلقت العائلات المسيحية مساعدات مالية لبناء منازل لهم في المجمع ذاته.

وشكر ساكو المساهمين في تخصيص الارض وبناء الكنيسة وعلى رأسهم الرئيس العراقي جلال طالباني الذي قدم مساعدة مالية الى مئة اسرة مسيحية قدرها عشرة الاف دولار لكل اسرة.

ورحب المسيحيون من اهالي المجمع ببناء الكنيسة والمساعدة التي خصصت لهم.

وقال متي صليوه حنا (51 عاما) وهو مدرس مهجر من مدينة الموصل، كبرى مدن محافظة نينوى، لوكالة فرانس برس quot;هربت وعائلتي من الموصل بعد تصاعد العنف العام 2009، ولجأت الى كركوك وسابني دارا بمساعدة المنحة التي قدمها الرئيس العراقيquot;، مؤكدا ان quot;تخصيص المجمع وبناء الكنيسة خطوة للحفاظ على بقائنا ووجودنا الذي يشهد تناقصا بسبب الصراعات والتهجيرquot;.

بدوره، اعتبر سعد عيسى روي (55 عاما) عاطل عن العمل هرب من بغداد منذ اكثر من عام بسبب الظروف الصعبة التي مرت به، حصوله على ارض ليسكن فيها quot;نعمة تؤمن له البقاء في العراق لاخر العمر بعيدا عن الغربة التي تفرض على الاخرينquot; من المسيحيين الذين فروا خارج البلاد.