يشكل العنف ضد النساء في العراق ظاهرة اجتماعية ما زالت منسحبة ولو أن الحديث العلني عنها خاصة من قبل المعنفات غير محبذ ومحاط بمخاوف متشعبة. يأتي في مقدمة أسباب التعنيف الشك الذكوري بالزوجة أو الأخت والمشاكل الاقتصادية، وفي كثير من الحالات تلجأ المرأة إلى الانتحار بسبب اليأس واستفحال الخلافات الزوجية.


مواطنات عراقيات يتظاهرن ضد العنف الذي يتعرضن له

وسيم باسم من بغداد: توجّهت أم منال إلى مركز الشرطة المجتمعية الذي افتتح عام 2010 في منطقة الكرادة (منطقة في بغداد على جانب نهر دجلة)، في محاولة لمنع تكرار ضرب زوجها لها في كل مرة، ولأسباب واهية.. ورغم أن كثيرين نصحوها بعدم فعل ذلك، لأنها مشكلة خاصة، إلا أنها أصرّت على ذلك، في تحدٍّ واضح لعادات وتقاليد اجتماعية تحول دون عرض المشاكل الأسرية على المؤسسات المختصة.

في هذا الصدد تقول ام منال وهي ربة بيت بألم: المجتمع يمنعني عن فعل ذلك، وفي الوقت نفسه، فإن لا أحد يقدم لي المساعدة، وحتى الأهل والأقرباء اعتبروا الأمر مسألة شخصية بيني وبين زوجي، وان الأمر لا يستدعي التدخل. وبحسب أم منال، فإن زوجها المدمن على الكحول لم يتوقف عن ضربها كل يوم، لا سيما في الليل، حين يدبّ مفعول الكحول في جسده وعقله.

رغم ان وزارة الدولة لشؤون المرأة العراقية أطلقت عام 2010 إستراتيجية جديدة لمناهضة العنف ضد المرأة في العراق شارك فيها ممثلون عن وزارات عراقية مختلفة، إضافة الى صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، الا ان الناشطة النسوية أفراح الحسيني لا ترى نتائج ملموسة على أرض الواقع تعمل على لجم الانتهاكات بحق المرأة من قبل الرجل والمجتمع.

وتقترح الحسيني إنشاء مراكز تعالج قضايا ضحايا العنف من النساء وتجهيزها بخطوط اتصال ساخنة لمعالجة الحالات المستعجلة، ولتجاوز تطورها إلى قضايا قتل وارتكاب جرائم. وترى الحسيني ان من واجب هذه المراكز أيضًا تأهيل المرأة المعنفة اجتماعياً ونفسياً ودمجها في المجتمع.

القوانين تمنع العنف
تمنع المادة 29 الفقرة 4 من الدستور العراقي كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع، الا ان ذلك لا يقف حائلاً أمام تزايد العنف الموجه ضد المرأة العراقية.

وغالبًا ما تتركز حوادث العنف بين النساء غير المتعلمات او اللواتي يعملن بأجر لدى الآخرين، فخادمات المنازل والفتيات اللواتي يجبرن على الزواج المبكر او غير المتكافئ والنساء اللواتي يعملن بأجر في المعامل والدكاكين هن الأكثر تعرضًا للعنف من قبل الآخرين، في حين يتركز العنف المنزلي بين الزوجات، لا سيما غير المتعلمات منهن.

ويقول كريم حميد المدرس والباحث الاجتماعي إن العراق كان أقل الدول في عدد حالات الاغتصاب، لكن العدد ازداد بعد عام 2003، بسببالفوضى الأمنية التي عمّت مختلف مدن العراق، إضافة الى الانقلابات السياسية والاجتماعية التي شهدها العراق منذ ذلك التاريخ.

اختطاف فتاة
عايش حميد محنة فتاة اختطفت من الجامعة المستنصرية عام 2006 على يد عصابة مسلحة من ثلاثة أشخاص، تبين في ما بعد ان مختطفها شاب تقدم لخطبتها ورفضته الأسرة بسبب الفوارق الدراسية والاقتصادية. وفي الوقت عينه يتحدث حميد عن إحدى طالباته التي ضربت بقسوة ومنعت من الذهاب الى المدرسة بسبب الشك في سلوكها وارتكاب علاقة آثمة.

تفيد الإحصائيات الصادرة من منظمة الصحة العالمية أنّ حوالي 24 % من العراقيات تعرّضن للعنف الجسدي، وأنّ 33 % تعرّضن للتعسّف العاطفي في عام 2010. كما أنهى سعيد قاسم في النجف (160 كم جنوب بغداد) حياة أخته، وهي مستغرقة في النوم، عبر خنقها بالوسادة بسبب اكتشاف علاقتها غير الشرعية برجل آخر.

وكسر عرب الساعدي، يد زوجته بسبب مشاكل له مع أهلها، وبحسب الساعدي فإن ندمه على ما فعل ساهم في فتح صفحة بيضاء في حياته مع زوجته التي أنجبت له أربعة أطفال. ويعيش عرب بسعادة اليوم مع زوجته بعدما استطاع منع تدخلات الأهل في شؤونهما الخاصة.

في كثير من الحالات تلجأ المرأة الى الانتحار بسبب اليأس واستفحال الخلافات الزوجية وعدم تفهم المجتمع الذي يسيطر عليه الذكور مشكلتها.

جرائم الشرف
في مدينة المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) أحرقت معلمة نفسها بعدما أقفلت غرفتها لتلتهم النار جسدها الغض، وبينت التحقيقات أن السبب في ذلك يعود الى اتهامها بشرفها من قبل زوجها الذي طلقها قبل الحادثة بأسابيع عدة. ولا يتوافر العراق على إحصاءات دقيقة عن عدد المعنفات من النساء. لكن المحقق الجنائي في محافظة بابل حميد حسن يقول ان حادثة واحدة على الأقل تسجل كل يوم في دائرة الشرطة ضمن القاطع الذي يعمل فيه.

ويضيف إن غالبية الحالات المتكررة هي طرد الرجل لزوجته من البيت من دون تزويدها بالمستمسكات الرسمية، وغالبًا ما تكون الأسباب اقتصادية في مثل هذه النوع من العنف، بسبب الخلافات حول إعالة الأسرة، وضيق ذات اليد. اما حوادث القتل فتكون أسبابها في الغالب تتعلق بالشرف والشك في سلوك المرأة.

ويتابع حميد: هناك دعاوي الزواج خارج المحكمة، فثمة أناس يتزوجون بعقد خارجي يسمى عقد (السيد)، وهذا العقد يعتبر غير قانوني، لكن الزوج يرفض تسجيل الزواج فتلجأ الزوجة الى محكمة الأحوال الشخصية وتقيم دعوى تصديق زواج خارجي.

ومن الحوادث الطارئة على المجتمع العراقي والتي تعنّف الزوجة بموجبها، رسائل الموبايل حين يعثر الزوج في هاتف زوجته على رسائل غرامية.

عالج حميد قضية امرأة قتلها زوجها الشرطي ليحكم خمسة عشر عام سجنًا بسبب سوء أخلاقها معه، فعلى فراش الزوجية خاطبته بأن جسدها محرّم عليه، وانه لـquot;غسانquot; فقط، وغسان هو العشيق، مما اضطر الزوج إلى قتلها بمسدسه ليسلم نفسه الى السلطات في الوقت نفسه. يتابع حميد: جاء اعترافه مطابقًا لكشف الدلالة والكشف على محل الحادث، ولكنه قال في اعترافه ان زوجته سيئة الأخلاق، إلا أنه كان يتحمل ذلك بسبب الأطفال.

العنف الجسدي واللفظي
ثمة دعوى أخرى يتحدث عنها حميد، وهو هروب امرأة مع عشيقها، اعتقلت في ما بعد بتهمة الخيانة الزوجية، لكن أطلق سراحها وأغلقت الدعوى بعد تنازل الزوج، لكن المرأة قٌتلت بعد فترة من الوقت ليس على يد زوجها، بل على يد إخوتها بدافع الشرف.

بين العنف الجسدي والعنف اللفظي، يظل الرجل في الغالب هو مصدر العنف، بينما تجد حالات نادرة جدًا يكون فيها الرجل هو المعنّف.

ثقافة ذكورية
ولا يزال العنف الأسري الذي صار أمرًا غير مقبول في الكثير من الدول ويعاقب عليه القانون، يمثل ثقافة تستمد قوتها من سيطرة الرجل في العراق، حيث ما زال الرجل يمتلك سلطة التأديب في المجتمع والأسرة. ويقول الخبير القانوني كاظم المتوكل ان القوانين لا تساعد في القضاء على العنف ضد النساء بسبب انحيازها إلى الرجل.

ويتابع: الثقافة الاجتماعية هي المصدر المعنوي للعنف، ذلك ان تسعين بالمائة من حالات العنف في المجتمع لا تسجل في دوائر الشرطة، بل ان معظم النساء المعنفات يحبذن اللجوء الى الجهات المختصة او حتى المراكز الاجتماعية بسبب الخشية من تطور الأمور، في غير مصلحتها.

ورغم ان معظم الرجال في العراق يرفضون العنف، لا سيما العنف الأسري، لكنهم في الواقع يمارسونه بطريقة لا شعورية مع الزوجة والأخت والزميلة، بل وحتى الأم، بسبب طريقة التربية، التي تمنح الرجل سلطة شبه مطلقة في الحكم على سلوك المرأة. ويقترح المتوكل تعميم فكرة الشرطة المجتمعية في كل مدن العراق، بعدما افتتح هذا القسم في منطقتي الكرخ والرصافة في بغداد.

كما يدعو المتوكل الى انشاء مراكز بحوث اجتماعية حقيقية في أقسام الشرطة، اضافة الى مؤسسات مستقلة، تدرس الأسباب وراء تزايد العنف المجتمعي ضد المرأة، وتعمل على وضع البرامج والحلول التي تسهم في لجم هذه الظاهرة، التي تتفشى في المجتمع العراقي بشكل يبعث على القلق.