غالبية طفيفة من قراء إيلاف أيّدت تفعيل قانون الطوارئ في مصر فيما رأى مناهضون في ذلك انقلابًا على الثورة |
رغم أن قانون الطوارئ كان أحد أسباب اندلاع الثورة المصرية، إلا أنه تم تفعيله وتوسيع دائرة عمله رداً من المجلس العسكري على أحداث السفارة الإسرائيلية التي وقعت في 9 أيلول الجاري. وتقاربت نسبة قرّاء إيلاف من مؤيدين ورافضين للقانون، واتجهت غالبية طفيفة منهم بنسبة 51.19 % لتأييده.
القاهرة: رغم أن قانون الطوارئ كان أحد الأسباب الرئيسة في إندلاع ثورة 25 يناير في مصر، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أنه مازال معمولاً به حتى الآن، بل تم توسيع دائرة الجرائم التي يستخدم فيها، وذلك رداً من المجلس العسكري على أحداث السفارة الإسرائيلية، التي رافقت ما يسمى بـ quot;جمعة تصحيح المسارquot;، في 9 أيلول (سبتمبر) الجاري.
ويشمل القانون في ثوبه الجديد جرائم الرأي والبلطجة والإخلال بالأمن العام، بعدما كان استخدامه في عهد مبارك يقتصر على جريمتي الإرهاب وتجارة المخدرات فقط.
ورغم أن هناك إجماعًا من السياسيين والحقوقيين ونشطاء الرأي على رفض تفعيل وتمديد وتوسيع دائرة قانون الطوارئ، إلا أن غالبية طفيفة من قراء إيلاف أيّدت القانون (51.19%)، فيما عارضه 48.81% منهم.
غالبية طفيفة
جاء ذلك في سياق الإجابة على سؤال الإستفتاء التي تجريه الجريدة إسبوعياً، حيث طرحت على قرائها السؤال الآتي: quot;هل تؤيد تفعيل قانون الطوارئ في مصر بعد الأحداث الأخيرة؟ نعم أم لاquot;. وشارك فيه 4522 قارئاً، وافقت غالبية طفيفة منهم على تفعيل القانون، ويقدر عددها بـ 2315 قارئاً، أي ما يعادل 51.19% من المشاركين، ورفض 2207 قارئاً إستمرار العمل بهذا القانون بعد الثورة، أي ما يعادل 48.81% ممن شاركوا في الإستفتاء.
تأرجح بين نعم ولا
طوال الأسبوع تأرجّح مؤشر التصويت بين نعم ولا، ففي بداية الإستفتاء ولمدة يومين إختارت غالبية القراء الإنحياز لتفعيل القانون في أعقاب الأحداث التي كانت تشير إلى أن مصر تعاني حالة فوضى وإنفلات أمني غير مسبوق، وهو ما يعني الإنحياز للأمن في المقام الأول.
فيما التزم بعض القراء جانب الرافضين للقانون، وهو ما يعني الإنحياز للحرية التي خرج من أجلها ملايين المصريين في ثورة بيضاء، أطاحت نظام حكم مبارك، ثم حدث تبادل للمواقف في اليوميين التاليين، أي في منتصف الأسبوع، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة من عمر الإستفتاء إنحازت الغالبية الطفيفة إلى خيار تفعيل القانون. وقد يشير ذلك إلى أن الشعور بالأمن يتقدم أولويات الناس في المرحلة الحالية.
أحداث السفارة الإسرائيلية
جاء تفعيل وتوسيع دائرة عمل قانون الطوارئ في أعقاب ما عرف بـ quot;أحداث السفارة الإسرائيليةquot; التي وقعت في 9 أيلول (سبتمبر) الجاري، حيث جرى إقتحام السفارة وإحراق بعض الأوراق القديمة في الأرشيف الخاص بها، وإنزال العلم من فوقها للمرة الثانية خلال أقل من شهر، فضلاً عن حدوث مواجهات مع الشرطة ومحاولات لإقتحام مديرية أمن الجيزة والسفارة السعودية.
كل ذلك ضمن فعاليات ما عرف بـquot;جمعة تصحيح المسارquot;. ورد المجلس العسكري والحكومة على تلك الأحداث العنيفة التي راح ضحيتها ثلاثة قتلى و1034 جريحاً، بتفعيل قانون الطوارئ، ومد العمل به حتى يونيو/حزيران 2012، في خطوة وصفها المراقبون والنشطاء والسياسيون بأنها quot;ردة للخلفquot;، وquot;إنقلاب على الثورةquot;.
نعم للطوارئ
بعيداً عن الإنتماءات السياسية أو الحزبية أو وجهات النظر الحقوقية، تنسجم مواقف المصريين مع موقف قراء إيلاف، حيث تسود حالة من الإنقسام بين التأييد والرفض لتفعيل القانون.
فالغالبية من المصريين المتحللين من الإنتماءات السياسية ومن يقيمون في المناطق الشعبية والريف والصعيد يؤيّدون القانون، بعدما فقدوا الشعور بالأمن منذ جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثانيالماضي.
يقول محمد بدوي (56عاماً)، ويقيم في الجيزة لـquot;إيلافquot; إن الحكومة في حاجة لتفعيل قانون الطوارئ، من أجل التعامل السريع مع البلطجية وتجار المخدرات وغيرهم من المخرّبين.
وأضاف بدوي، الذي يعمل سائق تاكسي، أن معدلات الجريمة زادت بشكل غير مسبوق، ولم يعد أي إنسان يشعر بالأمان، مشيراً إلى أنه صار لا يخرج للعمل بالتاكسي مع دخول الليل، خشية أن يتعرّض للقتل وسرقة السيارة من قبل البلطجية.
يتفق مختار جمعة (32 عاماً) عامل في مطعم مع بدوي في الرأي، ويقول لـquot;إيلافquot; إن الحرية لابد أن تكون محمية بقوة القانون، وأضاف أن إنتشار السلاح بأيدي البلطجية بكميات كبيرة وأنواع خطرة مثل quot;أر بي جيهquot; وأسلحة مضادة للطائرات والدبابات، فضلاً عن الأسلحة الآلية، لا يمكن أن يتم التعامل معها بالقانون العادي، لابد من الطوارئ.
لا للطوارئ
فيما يرى علي فتحي (29 عاماً) المحاسب في شركة مقاولات، أن قانون الطوارئ يتعارض مع مبادئ وأهداف ثورة 25 يناير، وأضاف لـquot;إيلافquot; إن الثورة إندلعت في الأساس ضد هذا القانون سيء السمعة، مذكراً الجميع بأن الثورة خرجت يوم 25 يناير أثناء الإحتفال بعيد الشرطة، إحتجاجاً على مقتل خالد سعيد quot;شهيد الطوارئquot;، تحت التعذيب، وبالتالي فإن تفعيل هذا القانون يعتبر إنقلاباً على الثورة.
وينبه فتحي إلى أن قانون الطوارئ الذي حكم مبارك به البلاد لنحو ثلاثين عاماً لم يمنع المصريين من الثورة عليه وإسقاط نظام حكمه.
حسب وجهة نظر بلال محمود (34 عاماً) الذي يعمل محامياً، فإن مصر ليست في حاجة إلى تفعيل قانون الطوارئ، ولكنها في حاجة إلى تفعيل القوانين، ولاسيما قانون العقوبات، الذي يضم من المواد ما يكفي لردع البلطجية ومنح مصر الإستقرار.
ويشدد محمود على أن مصر في حاجة أكثر إلى تفعيل دور الشرطة، وتفعيل الضمير لدى أفرادها وضباطها وقياداتها، مشيراً إلى أن السبب في حالة الإنفلات الأمني وانتشار السلاح والجريمة هو تقاعس الشرطة، سواء عن قصد أو غير قصد، وليس أي شيء آخر.
ودعا محمود إلى ضرورة تفعيل دور اللجان الشعبية من جديد، مشدداً على أنها هي من حمت مصر من الإنفلات الأمني طوال الفترة منذ جمعة الغضب في 28 يناير وحتى سقوط مبارك، حيث إختفت الشرطة تماماً من الشوارع.
شعارات ضد الطوارئ
quot;اعتقلوني اعتقلوني مش حتشوفوا الخوف في عيونيquot;، quot;يا طنطاوي قل لعنان لا طوارئ بعد الآنquot;، quot;يا طنطاوي إقرا كويس إحنا اللي خلعنا الريسquot;، يسقط يسقط حكم العسكرquot;، quot;الطوارئ راجع ليه حسني بيحكم ولا ايهquot;، quot;الشعب يريد إسقاط الفسادquot;، quot;يلا يا مصري إنزل من دارك الطوارئ هي مباركquot; وquot;الشعب يريد إسقاط الطوارئquot;... كانت تلك أبرز الشعارات أو الهتافات التي رددها المتظاهرون في ما سُمّي بجمعتي quot;لا للطوارئquot;، التي دعت إليها القوى السياسية في 16 و23 أيلول (سبتمبر) الماضيين.
لكن الدعوة لم تلق رواجاً كبيراً لدى المصريين، حيث لم يشارك فيها سوى بضعة آلاف، مقارنة بـquot;جمعة تصحيح المسارquot;، التي شارك فيها مئات الآلاف، وشهدت أحداث السفارة الإسرائيلية. واعتبره المراقبون موافقة ضمنية من البسطاء على تفعيل القانون، لاسيما أنهم الأكثر تألماً وتضرراً من حالة الإنفلات الأمني، حيث فقدوا أعمالهم، ويتعرضون للسرقة تحت تهديد السلاح على أيدي البلطجية بشكل شبه يومي.
إنقلاب على الثورة
سياسياً وحقوقياً، فإن تفعيل القانون مرفوض، ويعتبر إنقلاباً على الثورة، ويقول حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن هذا القانون من القوانين سيئة السمعة على مستوى العالم كله، مشيراً إلى أن تفعيله لا يتناسب مع روح ثورة 25 يناير، التي اندلعت ضده بالأساس.
وأضاف لـquot;إيلافquot; إن إضافة مواد جديدة للقانون وتوسيع دائرته لتشمل نشر أخبار كاذبة وتكدير الأمن العام وبث الشائعات وغيرها من الألفاظ والمصطلحات المطاطة تشير إلى وجود سوء نية حيال قضية حرية الرأي والتعبير بعد الثورة، داعياً إلى ضرورة إعادة النظر فيه، لأنه لم يحم نظام مبارك من الثورة وإسقاط نظام حكمه. ورأى أن العمل يتنافى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي وقّعت مصر عليها.
رفض إخواني
رغم ما يقال عن وجود تنسيق للمواقف بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الجماعة عارضت وبقوة تفعيل الطوارئ، وقال الدكتور محمد سعد الكتاتني الأمين العام لحزب الحرية والعدالة لـquot;إيلافquot; إن هذا القانون مرفوض جملة وتفصيلاً، رغم أنه تم تفعيله بعد أحداث مؤسفة، ولكنها لا تبرره، مشيراً إلى أن القانون العادي ضم آلاف المواد القادرة على ردع البلطجية وإستعادة الأمن والإنضباط في الشارع المصري.
عودة إلى عهد مبارك
يقف اليسار المصري بقوة في وجه القانون، ويقول أبو العز الحريري الناشط اليساري وعضو مجلس أمناء الثورة لـquot;إيلافquot; إن هذا القانون يعود بعقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل 25 يناير، إلى عهد مبارك.
مشيراً إلى أنه يعتبر ارتداداً على الثورة، ولن يسمح المصريون له بالإستمرار، حيث خرجوا في الأساس ثائرين عليه، ولفت إلى أن تفعيل الطوارئ يؤكد أن الدولة تدار حالياً بفكر وآليات النظام السابق، حيث كان يختزل القضايا السياسية في الحل الأمني.
التعليقات