تحولت مدينة ديار بكر التركية الواقعة جنوب البلاد، إلى معقل للقومية الكردية، نتيجة للمناوشات والاحتكاكات التي تحدث بين الطرفين بين الوقت والآخر. كما باتت ساحة للتظاهر من جانب المواطنين الأكراد.


القاهرة: في ظل حالة الكر والفر المتواصلة بين القوات التركية والمواطنين الأكراد، نتيجة للمناوشات والاحتكاكات التي تحدث بين الطرفين بين الوقت والآخر، تحولت مدينة ديار بكر التركية إلى معقل للقومية الكردية والاضطرابات المناهضة للحكومة التركية.

فتلك المدينة، الواقعة في جنوب البلاد ويقطنها 1.5 مليون مواطن، باتت ساحة للتظاهر من جانب المواطنين الأكراد، الذين يتجمعون في تلك الحديقة التي تعرف بحديقة كوسويولو، غير مكترثين بسحب قنابل الغاز المسيلة للدموع أو باحتمالية اعتقالهم.

وقالت هنا إن أحدث مواجهة وقعت بين الجانبين، تلك التي حدثت في ليلة الـ 28 من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما شنت طائرات تركية هجوماً على من كان يعتقد الجيش أنهم متشددون أكراد بالقرب من الحدود العراقية، وهو ما أسفر عن مقتل 35 شخصاً. وقد اتضح فيما بعد أن هؤلاء الأشخاص كانوا مهربي سجائر، معظمهم كان لا يزال في سن صغيرة. وهو ما دفع بمتظاهرين أكراد يحملون الحجارة إلى الخروج لشوارع ديار بكر من أجل إبداء احتجاجهم حتى اشتبكوا مع الشرطة.

ويقف وسط تلك الحرب المستمرة منذ فترة طويلة سجن ديار بكر. ولفتت هنا مجلة فورين بوليسي الأميركية إلى أن ذلك السجن كان موقع تعذيب سيء السمعة خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وأن الصعوبات التي تعرض لها الناشطون الأكراد هناك أرست الأساس للمقاومة الكردية الحديثة. ومازالت زنازين السجن ممتلئة لليوم.

وقال مواطن كردي سبق له قضاء عقوبة حبس هناك، يدعى محمد تاكار، ويبلغ من العمر الآن 49 عاماً، إنه سبق وأن تعرض هناك للتعذيب الجسدي، والصدمات الكهربائية، وذلك الأسلوب الذي يطلق عليه quot;التعليق الفلسطينيquot;، وغيرها من أساليب التعذيب السيئة. وأضاف أنه حاول أن يهرب، لكن جهوده لم تكلل بالنجاح في نهاية المطاف. كما كان شاهداً على وفاة العديد من زملائه، بينما كان يُذَكَّر باستمرار أن الدور قادم عليه عما قريب. ومع هذا، أكد تاكار أن وقع التعذيب النفسي هو أكثر ما يتذكره، حيث كان يحظر عليهم هناك مثلاً أن يستخدموا اللغة الكردية، وهو ما كان يحرمه من إمكانية التواصل والتحدث إلى والدته عندما كان تزوره.

وفي حديث له مع المجلة، قال مراد باكر، أستاذ علم النفس في جامعة بيلجي في اسطنبول : quot;جرى تصميم سجن ديار بكر كساحة يمكن للدولة التركية أن تقوم فيها بكافة أنواع العمليات الدموية ضد الشعب الكردي. فقد كانوا يريدون سحق الأكراد هناكquot;.

ولدى إطلاق سراحه، قال تاكار :quot; لم أضيع أي وقت. فإن كان الموضوع متعلق بحرية المجتمع، عليك أن تقاتلquot;. وبالنسبة لسكان مدينة ديار بكر، لا يوجد هناك ما يرمز إلى القمع والمقاومة الكردية أكثر من سجن المدينة، المكون من عدة بنايات منخفضة حمراء اللون في قلب المدينة. وتابعت المجلة الأميركية بلفتها إلى رفض ذلك المقترح الخاص بتحويل هذا السجن إلى مدرسة، وذلك بعد أن تصدى كثيرون لتلك الفكرة، نظراً لبشاعة أن يتم تعليم أطفالهم الصغار في مكان كهذا.

وبخصوص ما بدأ يثار من أقاويل بشأن إمكانية مواصلة إقامة المعرض المؤقت لإحياء ذكرى ضحايا التعذيب في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في غرب تركيا داخل سجن ديار بكر، قال تاكار : quot;سوف يُطلَق على هذا السجن متحف العار. لكن العار لن يكون فقط بالاسم، بل سيكون واضحاً في كل شيء يعرضونه.

وهو الأمر الذي سيراه الجميع. فما زال لدينا ملابسنا الملوثة بالدماء. ونحن نريد أن نعرضها. وعلينا أن نتذكر الأشخاص الذين ماتوا هناك، وأن نبين للناس أن مستقبلنا قد قُتِل داخل ذلك المبنىquot;. وختمت المجلة من جانبها بقولها إن سجن ديار بكر كان الأرض الخصبة لهذا النوع من التشدد الذي تتصدى له تركيا منذ سنوات.

وقال عنان كيسر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة دجلة في ديار بكر: quot;إنها مجرد حملة علاقات عامة بالنسبة للحكومة. فالنقاش الدائر بشأن تحويل السجن إلى متحف هو نقاش يحظى بجدول أعمالquot;. وهو جدول الأعمال الذي يرى البعض أن الهدف من ورائه هو الفوز بأصوات حزب العدالة والتنمية. وأوضحت المجلة في نفس السياق أنه وبمجرد أن يتم إغلاق السجن، سيحق لمسؤولي ديار بكر فعل ما يشاؤون.